منذ أيام بدأ حسين اللمبى عهدا جديدا فى مهنته كحلاق رجالى، فقد أصبح ناشطا مخلصا لمحاربة «فيروس سى». مع بداية يناير الماضى، بدأ مفاوضاته الجديدة مع الزبائن، «بقولهم كل واحد يشترى عدة حلاقة خاصة بيه، وأنا مستعد أضمنها له لمدة سنة». يدخل زبون إلى المحل بشارع أحمد زكى بالبساتين، يستقبله حسين بابتسامة: إنت رقم كام؟ يرد الشاب: 49. يفتح حسين الدولاب فى ركن المحل، ويخرج أكياسا صغيرة تضم شفرة وموسى وفرشاة، وكل منها يحمل اسما وبجواره رقم. حسين واحد ضمن 30 حلاقا، تستهدفهم «حملة نعيما» لمكافحة انتشار مرض الالتهاب الفيروسى C. يزداد ابتهاجا عندما يخبره الشاب الصغير بأنه أقنع أحد أصدقائه، ويعمل حلاقا، بأن يطلب من كل زبون شراء عدته الخاصة. «دى أسلم طريقة علشان نمنع الإصابة بفيروس سى نهائيا»، فى رأى الطبيب كريم صادق مدير الحملة. اختار محاربة الفيروس بأقصر الطرق، «نمنع الاستخدام المشترك لأى أداة ممكن تخترق الجلد وتوصل للدم». «نعيما» أحد المشروعات التى ترعاها مبادرة التنمية الصحية المستدامة بالتعاون من منظمة اليونيسيف، منذ يناير الماضى بدأ 20 طبيبا حملتهم لمقاومة فيروس سى. البداية كانت داخل محال الحلاقة بشارع أحمد زكى بمنطقة البساتين، حيث تتوافر أدوات الخطر، «خدش بسيط من موسى الحلاقة ممكن ينقل الفيروس من الزبون للحلاق أو العكس»، كما يشرح كريم. أما ماكينة قص الشعر الكهربية «آمنة» لأنها لا تخترق الجلد، «بس الخطر إن الحلاق يستخدم موسى لتهذيب السوالف». بعد عدة زيارات من أطباء الحملة لدكان حسين، «حسيت إن فيه خطر على حياتى»، تخيل حسن، الشاب العشرينى الحاصل على دبلوم الصنايع، نفسه فى طابور لا ينتهى فى مستشفيات الوزارة للحصول على الإنترفيرون المضاد للفيروس، فأخذت أحد الحلاقين زملائى، «وفى عز المطر»، حضرت الدورة التدريبية، وكانت فى أحد مراكز الدروس الخصوصية بالقرب من محطة مترو المعادى. هناك دارت مناقشة حامية، دافع فيها حسين وزملاؤه عن مجهوداتهم السابقة لتجنب الإصابة بالفيروس» كنت بغسل الموسى بالكولونيا والديتول والسبرتو»، يتوقف حسين عن الكلام لثوان ويضيف منفعلا: «وأحطه على النار كمان». «كل دا لا يؤثر إطلاقا على الفيروس»، يشرح الطبيب كريم أن الفيروس لا يموت فى درجة حرارة أقل من 160 درجة، ويعيش أسبوعا فى درجة الحرارة العادية «حتى لو جفت الدماء». يعلق حسين إن الجدال الشديد كان خوفا من رد فعل الزبون: «صعب أزود الأجرة أو أطلب منه يشترى عدة نظيفة». د. كريم كان جاهزا بالحل: «فيه شفرة بلاستيك صينى بخمسة جنيهات». فى شارع الجيش بالعتبة، تعاقد حسين مع بعض أصحاب المحال لتوريد كمية من الشفرات بثمن الجملة، «فيه شفرة باكستانى وإيطالى بعشرة جنيهات، تعيش وما تجرحش». والآن يخصص حسين ركنا خاصا لبيع أدوات الحلاقة، «وفى أول شهر بقى عندى أكثر من 70 زبونا له عدة خاصة». تكرر نجاح حسين فى باقى محال أحمد زكى، وانتقلت تجربة «نعيمًا» الصغيرة إلى قرية دماص بمركز ميت غمر، بالتعاون مع جمعية أهلية تشارك بالتكاليف. يصف كريم أقل تقدير لانتشار المرض فى مصر «بالمرعب»، تقدر وزارة الصحة المصرية نسبة الإصابة ب9%، ولكن أطباء الكبد يؤكدون أنها لا تقل عن 18%، وتضع منظمة الصحة العالمية مصر فى أوائل الدول التى ينتشر بها الفيروس بنسبة 20%، «يعنى من كل خمسة واحد مصاب»، بينما لا تتجاوز الإصابة فى الدول الأوروبية 1%. طوال الفترة السابقة لم يكن هناك تعاون رسمى بين أعضاء الحملة ووزارة الصحة، لكنهم سوف يطرقون الأبواب هذه الأيام، «محتاجين دعم معنوى ومظلة قانونية نعمل تحتها». منذ أيام قليلة فازت الحملة فى مسابقة «شباب من أجل التغيير»، التى تنظمها مكتبة الإسكندرية، لاختيار أفضل فكرة هادفة على مستوى العالم العربى، وحصل الشباب على منحة ألف دولار، استغلوها لتنفيذ حملتهم فى إحدى قرى شبين الكوم، حيث نسبة الإصابة الأعلى على مستوى الجمهورية. «ودلوقتى إحنا محتاجين أطباء يشتركوا معانا»، موقع الحملة على فيس بوك يرحب بالمشاركة، وكريم يستعد لعرض المشروع بعد اكتمال تنفيذه على كل الجهات التى يمكنها تمويله، أما حسين فعلق أوراقا جديدة على جدران محلة الصغير، تدعو الناس «لحياة جميلة بدون فيروسات، وبعشرة جنيهات بس».