محافظ الإسكندرية يشهد حفل استقبال المعلمين الجدد    محافظ البحيرة: رفع درجة الاستعداد لموسم الشتاء وإزالة التعديات الزراعية    وزيرة التضامن: مصر قدمت 570 ألف طن مساعدات لغزة منذ 7 أكتوبر    لقاء مرتقب بين نتنياهو وترامب في البيت الأبيض الإثنين المقبل    وزير مالية الاحتلال: غزة "كنز عقاري" ونناقش مع واشنطن تقاسم السيطرة على الأرض    بوتين يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء الهند الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقات الثنائية    الزمالك يبحث عن فوزه الثالث على التوالي في الدوري أمام الإسماعيلي    في غياب رونالدو.. كمارا يقود هجوم النصر السعودي في بداية المشوار الآسيوي    فليك: لن نضع ضغوطًا على يامال.. وراشفورد لديه الكثير ليقدمه    لوكاس بيرجفال يشيد بالصلابة الدفاعية لتوتنهام منذ بداية الموسم    ضبط 5 سيدات يمارسن الأعمال المنافية للآداب بالإسكندرية    محمد منير: الجمهور سند حقيقي    المستشرقون ليسوا دائمًا مغرضين.. اللا زمن فى القرآن الكريم.. أنموذجًا!    الصحة: انتهاء أعمال إحلال وتجديد وحدة جراحات الرمد والعيون بمستشفي الشيخ زايد التخصصي    "الأرصاد": أمطار غزيرة على منطقة نجران    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    أرتيتا يتفوق على فينجر بعد 25 مباراة في دوري أبطال أوروبا    9 فرص عمل جديدة في الأردن (التخصصات ورابط التقديم)    بالذكاء الاصطناعي.. رضوى الشربيني تستعيد ذكريات والدها الراحل    موعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل المؤسس عثمان 7 على قناة الفجر الجزائرية وترددها    عاجل.. استمرار تدفق المساعدات عبر معبر رفح وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في غزة    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    تعيين نائب أكاديمي من جامعة كامبريدج بالجامعة البريطانية في مصر    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    كيليان مبابي يعلن غيابه عن حفل الكرة الذهبية 2025    محافظ بورسعيد يفتتح حضانة ومسجد ويتفقد مركز شباب مدينة سلام مصر    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    وزيرة التنمية المحلية تتابع جاهزية المحافظات لموسم الأمطار والسيول    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    حكم ما يسمى بزواج النفحة وهل يصح بشروطه المحددة؟.. الإفتاء توضح    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    أول يومَين بالمدارس أنشطة فقط.. خطاب رسمي ل"التعليم" لاستقبال الأطفال    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    وزارة الصحة تطلق أول مسار تدريبى لمكافحة ناقلات الأمراض    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    وزير التعليم يبحث مع وفد الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    ريال مدريد يوضح إصابة ألكسندر أرنولد    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسة أشقاء قهروا إعاقتهم السمعية ب«صالون حلاقة».. وأصابعهم الذهبية حديث الناس فى «أبوقتادة»

يكفى أن تنزل من مترو جامعة القاهرة وتسأل عن صالون «أحمد اللى ما بيتكلمش»، ألف من سيدلك على محله البسيط الذى يعمل فيه خمسة أشقاء شاءت الأقدار أن يحرموا من حاسة الكلام والسمع، فجميعهم يعانون من الصمم لكن العزيمة والإصرار كانتا أكبر من أى تحد يعوق تواصلهم مع الناس وكسبهم للقمة العيش الحلال.
مزيج من الصبر والإصرار دفع محسن وأحمد ورمضان ورضا ومحمد، للإقبال على الحياة معتمدين على ذاتهم وذكائهم الفطرى الذى وهبه الله لهم عوضا عن نعمة الكلام وبمساعدة شقيقهم «جمعة» الوحيد الذى يتكلم بشكل طبيعى، وأسسوا لعدة صالونات حلاقة بعد أن توسع العمل فى المحل الصغير الذى يديرونه منذ الثمانينيات.
جميعهم نشأوا فى أسرة بسيطة يرعاها أب لم يحصل على وظيفة حكومية، وشق طريقه فى التجارة والعمالة الحرة، ليربى أولاده الذين يحتاجون لرعاية خاصة، ونجح عم صالح الذى جاوز السبعين فى أن يربى «رجالة» كما يشير لك الابن الأوسط أحمد.
زرنا محل الأصابع الذهبية للكوافير الرجالى، لا شىء غير طبيعى فى المحل بخلاف أن الراديو منخفض قليلا، ليسمح بتبادل الإشارات وسماع الصنايعية الصم لطلبات الزبائن.
فى المعتاد يتوجه أحمد بعد الظهر لفتح المحل الذى يستمر العمل فيه حتى ساعة متأخرة من الليل، يتناول إفطاره مع ابنيه مصطفى ومحمد اللذين يدرسان فى المرحلة الابتدائية وسعادة والدهما بهما أكبر لأنهما يتكلمان، ويجتهدان فى الدراسة.
يعيش الأشقاء الخمسة حياة طبيعية، تسألهم عن حالهم فيجيبونك بإيماءات الشكر وتتمتم شفاههم دون صوت بعبارات الحمد والثناء، محسن صاحب الفضل، وهو الأخ الأكبر، 40 سنة، أول من بدأ المهنة، تعلم فى صالون ريفولى فى الدقى- كما يحكى جمعة- فى الثمانينيات، أخذه أبوه صغيرا وطلب من صاحب المحل تعليمه، حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه رغم إعاقته.
يقول جمعة إن نجاح أخيه محسن لم يكن حافزا لإخوته ذوى الإعاقة فقط، بل إنه دفعه للالتحاق بهم ليتولى إدارة شؤونهم.
المدهش أن المهنة تحتاج للتفاهم مع الزبون ومعرفة مطالبه، لكن أخاهم الوحيد الذى لا يعانى من مشكلات النطق يقول لك ببساطة «ربنا أخذ منهم الكلام وأعطاهم الذكاء وعوضهم كثيرا، وكل الزبائن مبسوطين من شغلهم».
العلاقة بين الحلاقين وزبائنهم لها طابع خاص، يقول عم حمادة، الذى جاء ليأخذ تنعيمة «فى البداية كان البعض يشفق عليهم، لكن لا أحد يرضى أنه يجامل حد عشان مظهره، وبعد التجربة، اكتشفت أن صنعتهم جيدة، وأصبحت زبون دائم عندهم».
سمعتهم تجذب الزبائن، هكذا يقول خالد منصور، الذى قابل أحمد فى فرح بالمنصورة وقرر أن يأتى بابنه محمد للحلاقة هنا رغم سكنهم فى أرض اللواء، بعيدا عن مكان المحل فى أبوقتادة.
كان مثيرا أن تجد مجموعة من الأشقاء يعاونون بعضهم رغم ظروف الإعاقة، لكن الأجمل أن تراقب محمد ذا الترتيب الثالث فى العائلة وهو يتعامل مع الزبائن، سألناه عبر الوسيط المترجم– شقيقه جمعة- كيف يخرج الزبون من عندك.. مبسوط؟.. فضل محمد أن يرينا على الواقع مع أول شخص يدخل المحل، بابتسامة عريضة يستقبل محمد الزبون، ولأنه يحلق لأول مرة، يبدأ بربط منديل الحلاقة بشياكة ورفق، ويرش الشعر بالماء، ثم يدور حوار بالإشارات، فى أقل من 20 ثانية يدرك محمد طلبات الزبون، ويبدأ المقص فى العمل، وبين الفترة والأخرى يستفهم عن أى طلبات جديدة، وفى النهاية يرش الكولونيا ويهمس من تحت شفتيه «نعيما».
طوال فترة إجراء الحوار، كان يدور فى ذهنى تساؤل، لماذا لم يلجأ هؤلاء لسؤال الناس مما فى أيديهم؟ سألت محمد عبر الوسيط فأجاب بمساعد أخيه «الواحد لازم يتحرك ويشتغل، بدل أن يحتاج لمعونة من أحد، محسن استلمنا خام، وطلعنا معلمين تمام، إخوتى لا يتأخرون عن أى معاق، ساعدوا أكثر من واحد».
سألته عن أمنياته فقال: نفسى أفتح محل فى الدقى أو العجوزة، أنا أعرف أعمل أى قصة، وحاليا عندى محل فى شارع العشرين، لكنه يحتاج لفلوس كتير، وفى كل الأحوال هو راض تماما وطلب منا صورة جماعية أخذها فى آخر اللقاء.
لفت انتباهى شهادة مبروزة علقها أحمد الشقيق الثانى للإخوة الخمسة على حائط المحل، ومكتوبة باللغة الإنجليزية، من نقابة مصففى الشعر فى عام 1996، طلب جمعة من أحمد يحكى عن شهادته لنا، فوقف إلى جوارها مزهوا وأشار أحمد وترجم جمعة: أنه أخذها فى مسابقة أسرع حلاق، وهى مسابقة نظمت تحت إشراف محمد الصغير لاختيار أسرع وأفضل 10 حلاقين، وفاز من 14 سنة، وأخذ شهادة تقدير وميدالية ذهب باعها لتوسعة المحل وتغيير ديكوراته.
لم يخل اللقاء من قفشات وهزار بين الإخوة والزبائن، ومنهم الحاج أحمد عبدالمعطى من أهالى المنطقة، يتذكر كيف بدأوا المشوار، ويقول «أحلق عندهم منذ 20 سنة، كان محسن بصحته، والشباب دول شغالين صبية عنده».
لكن هذه الوجوه الباسمة تخفى بعض المشكلات والأمنيات التى لا يخلو منها البشر، أولها مرض أخيهم وصاحب الفضل عليهم «محسن» الذى تخطى الأربعين من عمره ويعانى من مشكلة نفسية وميل للاكتئاب، ويتمنى جمعة شقيقه الذى يصغره أن يساعده أحد فى علاج محسن ورد الجميل إليه.
 وثانى المشكلات هو أن رضا لم يوفق معهم فى المهنة ولم يحبها ويبحث عن عمل آخر، رغم أنه لا يتكلم، ودفعت الظروف بشقيقهم رمضان إلى الاستقلال بنفسه فى محل آخر أصر أن يعمل فيه وحده، بعد زواجه لينفق منه على عائلته حيث إنه أب لأربع بنات جميعهن فى المدارس.
أما عن الأمنيات، فيقول جمعة «أتمنى أن أحصل على وظيفة حكومية لى ولإخوتى فى أى مصلحة قريبة.
قلنا لأحمد: نفسك فى إيه؟ فقبل يده «وش وضهر» وقال الحمد لله، لكنى أتمنى أن الفواتير والكهرباء ترخص، لأن الحياة غالية، لكن مش مشكلة هاشتغل أكتر كل يوم.
غادرنا المحل، ولسان الحال لا تسعفه الكلمات ليعبر عن شباب أحبوا الحياة رغم إعاقتهم أملا فى غد أفضل، وأصابعهم الذهبية هى مصدر كل قرش حلال يدخل لهم، وهى أيضا مصدر إعجاب جيرانهم الذين سلموا لهم رؤوسهم وذقونهم احتراما لنضالهم وإعجابا بمهارتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.