أول رد من هيئة الرقابة النووية بعد قصف المنشآت الإيرانية: «مصر بعيدة»    الدولار الأمريكي يرتفع أمام الجنيه المصري بداية تعاملات اليوم 22 يونيو    ارتفاع الصادرات الزراعية إلى 5.2 مليون طن.. والبطاطس في الصدارة    وحدة السكان بالمنيا تنفذ 40 دورة تدريبية لتأهيل شباب قرى «حياة كريمة»    مياه الشرب بالقليوبية: انقطاع المياه 9 ساعات عن 4 قرى لإجراء أعمال ربط خطوط الصرف الصحي بمحطة عرب شركس    الحكومة العراقية تدين استهداف منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية    مصدر إيراني: نقلنا معظم اليورانيوم من منشأة «فوردو» إلى موقع آخر    الحرس الثوري الإيراني: إصابة اثنين في هجوم إسرائيلي استهدف مدينة تبريز    الوداد في مهمة صعبة أمام يوفنتوس بمونديال الأندية    حقيقة عودة أحمد عبدالقادر ل الأهلي بعد كأس العالم للأندية    محمد بركات يرد على ميدو: «هو عارف الحقيقة وعارف قيمة الأهلي»    انتهاء امتحان اللغة العريية لطلاب النظامين القديم والجديد 2025    القبض على 6 أشخاص بتهمة غسل 90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    تحرير 470 محضرا تموينيا في أسيوط خلال حملات على المخابز والأسواق    الأولى بإغماء والثانية بحالة نفسية.. إصابة طالبتين داخل لجان امتحانات الثانوية العامة في الشرقية    ضبط 3 طلاب تسلقوا طائرة هيكلية في الشرقية    وزير الثقافة يستقبل مجدي يعقوب قبيل احتفالية تكريمه    معلمي الأول| أحمد عزمي يكشف كواليس علاقته بالراحل أشرف عبد الغفور    د.عبدالراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "15" .. التساؤلات العشر حول ناكر الجميل    انطلاق «عيشها بصحة» لتعزيز الوقاية بمحافظات التأمين الشامل    بدون تكييف.. حيل ذكية لاستخدام المروحة لتبريد منزلك بكفاءة في الصيف    نظامك الغذائي لا يعني الحرمان| 5 وصفات حلوى شهية بالشوفان تناسب الدايت    محافظ أسيوط يبحث آليات دعم المنظومة الصحية وتحسين مستوى الخدمات الطبية    250 جنيهًا مؤقتًا| مشروع قانون الإيجار القديم يقر قيمة إيجارية موحدة لحين انتهاء الحصر والتصنيف    وزير الإسكان: تخصيص قطع أراضي لمن تم توفيق أوضاعهم بقرعتين بالعبور الجديدة    كامل الوزير: تطبيق حلول جذرية لكافة المشكلات والتحديات المتعلقة بالترفيق    رودري يغيب عن مانشستر سيتي أمام العين في مونديال الأندية    صور.. المركز الكاثوليكي المصري للسينما يكرم صناع مسلسل "لام شمسية"    مسؤول بالبيت الأبيض: ترامب قال إن قصف إيران هو الشىء الصحيح الذي ينبغي فعله    الأهلي يرد على رسالة عبد القادر وُيبلغ زميله بالرحيل.. شوبير يكشف    بايرن ميونخ يتمسك بمحاولة التعاقد مع ويليامز رغم اقترابه من برشلونة    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون المشترك مع وزير زراعة صربيا    إرهاصات أولى لحرب عالمية ثالثة.. محللة سياسية تكشف: الحرب مع إيران لم تكن مفاجئة    أطلق لأول مرة.. ماذا نعرف عن صاروخ خيبر الذي استخدمته إيران لضرب إسرائيل بعد قصف منشآتها النووية؟    منهم أحمد عز.. 5 نجوم في بلاتوهات التصوير    الفن فى وسط الحطام: غزة تطلق أول مهرجان دولى لسينما المرأة    بصحبة زوجته..إمام عاشور يغادر بعثة الاهلي في أمريكا ويعود إلى القاهرة    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    رئيس حزب المصريين الأحرار ل«روزاليوسف»: عصام خليل: نستعد للانتخابات بكوادر جديدة    "الصحفيين" تطالب باجتماع عاجل مع "الأعلى للإعلام"    السيطرة على حريق داخل جامعة عين شمس    كريم سرور: أول معالجة لفيلم "في عز الضهر" كانت 2018 ولم أتوقع موافقة مينا مسعود    «البسوا الكمامات».. تحذير من حالة الطقس اليوم: نشاط للرياح المُحملة بالأتربة    ثانوية عامة 2025.. أولياء الأمور يرافقون الطلاب لدعمهم أمام لجان الدقي    أبرزهم زيزو.. محسن صالح منتقدًا ثلاثي الأهلي: «ليس لهم عنوان في القلعة الحمراء»    حبس وغرامة، عقوبة امتناع مقدم الخدمة عن تنفيذ قرار حجب المواقع    ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا    فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد مادة لغة إنجليزية    مدرب يوفنتوس يحذر من قوة الوداد ويؤكد: المفاجآت واردة بمونديال الأندية    إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    ترامب: موقع فوردو النووى انتهى تماما    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسرة أيضاً قضية أمن قومى
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 05 - 2009

لا أبالغ عندما أؤكد أن الزواج والأسرة يستحقان أن يدرجا فى صدارة قضايا الأمن القومى المصرى، بعد أن أكدت الدراسات السسيولوجية أن الخطر الذى يتهدد المجتمع من الخلية الأساسية يمكنه أن يعصف بالمجتمع أكثر من غيره من الأخطار الأخرى، والتى اعتدنا أن نوليها اهتماما أكبر.
فقد لاحظنا أن قوة الدوافع النفسية والاجتماعية نحو الزواج وبناء الأسرة لا تعادلها قوة التصميم على بقاء الزواج واستمراره، خاصة مع التعجل فى دخول النسق الزواجى بمنهج التجربة والخطأ ومنطق (الزواج بطيخة يا تطلع حمرا يا تطلع قرعة.. إنت وبختك..!).
صحيح أن الزواج والأسرة يحتفظان بقيمتهما على قمة سلم القيم، وأن المجتمعات لم تجد على اختلافها مؤسسات بديلة عنهما لتولى مهمة إعادة إنتاج المجتمع ورعاية وتنشئة الأجيال القادمة، لكن الأداء الأسرى والزواجى يمارسان فى ظل تحولات اجتماعية أدت إلى تراجع قيمة المرأة وتدنى مكانتها، رغم ما يشاع زيفا فى الخطاب الاجتماعى السائد عما حققته المرأة من المكانة. مما أسفر عن حالة من حالات «الإشباع الوهمى» لدى معظم القطاعات النسائية من جهة، ولدى المجتمع المصرى من جهة أخرى بأنه لم يعد هناك حق طالبت به المرأة إلا وقد نالته.
ولأن البناء الاجتماعى المصرى يتطور بصورة غير متساوقة فإننا نلاحظ أن حركة المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية تتقدم، وهى مكبلة بصلابة منظومة القيم الاجتماعية المنظمة لعلاقة الرجال بالنساء. تلك العلاقات التى يعاد تشكيلها فى الآونة الأخيرة على أرضية خطاب دينى يرسخ التحيز ضد المرأة، وعلى أساس خطاب إعلامى مشوش يعيد إنتاج الصورة السلبية للمرأة، وبالتالى تفتقد حركة تحرير المرأة إلى صحبة الخطاب التقدمى ومساندته، وتهدر التقاليد الجامدة والأفكار الرجعية طاقة هذه الحركة.
كما أننا نشهد حالة من تدنى قيم الشهامة والرجولة والترفع عن الدنية، وهى القيم التى طالما تباهينا بأنها الصفات الأساسية فى رجالنا، بما يمكن أن نطلق عليه الاصطلاح الجغرافى الاجتماعى (نحر السمات الشخصية الرجالية)، وذلك نتيجة للتحولات الاجتماعية الاقتصادية، التى تنيخ بثقلها على عاتق الرجال الذين وقعوا بين شقى الرحى الاقتصادية، وذلك بعد أن أغلقت أمامهم فرص العمل فى وظيفة تصون الكرامة وتعطى الفرصة لتأسيس بيت زوجية معقول، وبين تفاقم التكلفة الاقتصادية للزواج، خاصة أن ذعر الأسر المصرية من احتمال طلاق بناتها بعد الزواج جعلها تغالى فى المهور والشبكة ومؤخر الصداق باعتبارها آليات تكبيل زوج المستقبل حتى لا يندفع إلى تطليق زوجته. ومن ثم نلاحظ اتجاه الرجال فى معظم الخلافات الزوجية إلى ممارسة العنف لاستكمال ملامح الذكورة والقوة المفتقدة، فضلا عن ممارسة «القهر الزوجى» كبديل عن الاحتواء العاطفى.
ولا نقصد هنا إدانة الأزواج فقط، وإنما أيضا أقارب الزوجة من الرجال الذين يدخلون صراعات العلاقة الزوجية المتفككة فى دائرة لا نهائية ينتفى خلالها البناء القيمى وتبقى فقط ملامح ذكورة مشوهة.
ومن المهم أن ننبه إلى أن انفراد الزوج بتطليق الزوجة قد ساهم فى جعل (يمين الطلاق)، هو الرمز (لتسلط) الزوج على زوجته، وليس فقط (لسلطته) فى إنهاء الزواج.
ولهذا نلاحظ أن الأزواج يتكئون على هذه السلطة ليس فى إنهاء العلاقة الزوجية، وإنما فى تأديب الزوجة وترهيبها، حتى تنصاع لرغبة الزوج حرصا منها على الإبقاء على الأسرة والأطفال.
ولذا يبرز يمين الطلاق كعقاب تأديبى لا يحمل فى معناه الحقيقى نية الطلاق، الذى ينهى العلاقة الزوجية بالفعل. ويحدث ذلك كثيرا على الرغم من التحذير المتكرر من رجال الدين للأزواج بعدم استخدام يمين الطلاق تحت تأثير السكر أو الغضب، طالما أن نية الطلاق غير مقصودة. ولذا يصبح التهديد بالطلاق والتلويح بإنهاء الزواج واحدا من أهم وسائل فرض السيطرة وسوق الزوجة إلى ما تكره كالاستيلاء على مالها أو منعها من زيارة الأهل أو استقبالهم.
ولا يسعنا إلا أن نلاحظ تلك العلاقة الوثيقة، التى ظهرت بين أزمة التفكك الأسرى وأزمة الطبقة الوسطى المصرية، التى صارت تعانى من الانكماش الكمى والارتباك الكيفى، بعد أن كانت هذه الطبقة تمثل للمجتمع المصرى أهم آليات الدفاع عن تماسكه البنائى.
وذلك لأن هذه الطبقة كانت تحمل على عاتقها مسئولية حماية النسق الأسرى وضمان حسن أدائه، ويبدو ذلك بوضوح من المتابعة التاريخية لمراحل ازدهار الطبقة المتوسطة وما ارتبط بها من ازدهار للنسق الأسرى وتحقيقه أعلى درجات الكفاءة والتماسك.
والآن نلاحظ أن المجتمع يعانى حالة من «السيولة الطبقية»، التى انعدمت فيها الخطوط الفاصلة بين الشرائح الاجتماعية، فبرزت المدينة المصرية على شكل كتل حضرية ممزقة يغيب فى تكوينها الثقافى المهلهل الوعى الاجتماعى البناء، وتسود قيم الاستهلاك والكسب السريع، الذى ينفصل فى تحقيقه عن قيم الكفاح والانجاز، وقد انعكس ذلك كله على الأسرة، التى اختلفت فى بنائها ووظيفتها عما كانت عليه فى الماضى، فتراجعت قيم المحبة والتراحم والمودة بين الأزواج والزوجات والآباء والأبناء والأخوة والأخوات.
وطرأت على العلاقات الإنسانية فى أشد أنواعها خصوصية وإشباعا، وهى العلاقة الأسرية، ما يمكن أن نسميه ب«التشيؤ»، حيث يتحول كل فرد من أفراد الأسرة إلى شىء مادى بالنسبة للآخر، وتراجعت القيمة الأسرية العائلية للشخص مقابل ما يمتلكه من مال، وصار إجماع الأسرة على رؤية موحدة للعالم وما تتمتع به من ثبات واتزان وتكامل واستقرار أمورا مشكوكا فى صحتها.
ومنذ أن قامت «الدولة» بتطليق «المجتمع» طلاقا سريا غير معلن، صرنا نكتشف ملامحه كل يوم فى عمق تلك الهوة، التى صارت تفصل بين الدولة ومجتمعها، وأظن أنه لم يعد هناك مناص من أن يسعيا معا إلى وضع صيغة تضمهما معا من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.