أكدت الأمانة العامة للفتوى بدار الإفتاء أنه لا يجوز شرعا نقل المقابر الواقعة داخل مدينة القاهرة إلى أطرافها أو خارجها وذلك قبل المدة التي يعرفها أهل الخبرة بالفترة التي تستحيل معها تحول أجساد الموتى في هذه المقابر إلى الصورة الترابية. وأوضحت الأمانة العامة للفتوى -في بيان لها اليوم الأحد- أن الحفاظ على قبور العلماء والأولياء والصالحين ومراعاتها وإحياءها بالزيارة هو الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفا وخلفا؛ حيث بقيت معلومة بارزة للناس شرقا وغربا، وأنه إذا كان المسلمون قد حافظوا على قبور الفراعنة وآثارهم مع كونهم ليسوا بمسلمين ولم يطمسوها أو سعوا في إزالتها، وأنه حري بنا وأولى أن نحافظ على قبور معظَّمي الأمة ومشاهد العلماء والصالحين والأولياء خاصة وأن فيها قبورا بالمئات لبعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم. وأشارت الأمانة -في معرض ردها على ما ورد إليها من محافظة القاهرة بشأن تحويل أراضي هذه المقابر إلى حدائق عامة- إلى أن نقل المقابر جائز ولكن بشروط شرعية عدة في حالة فقط وجود مالكين على قيد الحياة للمقابر "أشخاص كانوا أو جهات" والتي أكد أهل الخبرة أن أجساد الموتى بها قد تحولت إلى الصورة الترابية والتي اشترِط الشرع الحنيف فيها رضا المالك ببيعها أو استبدالها وإلا كان حراما شرعا أيضا، مؤكدة أنه لا يجوز للدولة إجبار ملاك هذه المقابر إن "وجدوا" على البيع أو التنازل بغير رضاهم الكامل. وأضافت أنه يستثنى من تلك الإجازة نقل مقابر العلماء والأولياء والصالحين والتي لا يجوز مطلقا نبشها بغرض نقلها وما كان منها موقوفا؛ كمقابر سفح المقطم لم يجز التصرف فيها بغير الدفن. وشددت الأمانة العامة للفتوى بدار الإفتاء في بيانها على أن تجميل هذه المناطق وتشجيرها وتخضيرها أمر حسن، كما أن إخلاءها وتطهيرها من المجرمين أمر واجب لازم، ويمكن إدراك وتحصيل هذا كله مع الحفاظ عليها في صورة المقابر. وأكدت الأمانة أن هذه المقابر جزء من هوية الأمة وركن من تاريخها؛ فقطاع كبير منها يعد أحد معالم القاهرة الفاطمية والمملوكية والعثمانية، مما يجعلها تمثل تراثا معماريا تاريخيا لا بد من المحافظة عليه، ويجعل وجودها مرتبطا بمواثيق دولية متعلقة بالمنع من هدم الآثار، وكثير من دول العالم الموصوفة بالتقدم والرقي الحضاري توجد مدافنها في وسط مدنها أو حولها بلا غضاضة، بل هي من المزارات السياحية ومعالم الجمال في هذه البلاد. وأشارت الأمانة، في فحوي ردها، إلى أن التذرع بإرادة تحويل هذه المنطقة إلى مساحة خضراء فليس هو من باب الضرورة العامة ولا هو من قبيل الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة؛ لأن الذي يقع في رتبة الضرورات: هو ما تعلق بحفظ أحد المقاصد الشرعية الخمسة، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، بحيث يختل أحدها لو لم يتم ذلك، وكذلك لا يترتب على تفويته بخصوصه مشقة تلحق بالخلق. ولفتت إلى أن إزالة المقابر ليست هي الوسيلة المتعينة للحد من الجريمة واستئصال المجرمين الذي لا شك في أهميته، وبوجوبه وذلك لأنه يمكن أن تحققه الدولة بوسائل أخرى؛ كأن تمنع من السكنى في المقابر، أو تنظمه بحيث لا يسمح به إلا للغفراء مثلا فقط، وليس إزالة منطقة كاملة من الوجود هو الحل الأمثل للحد من الجريمة والتضييق على المجرمين، وإلا فكل حي ازدادت فيه معدلات الجريمة -إن سلمنا بها- يمكن أن يطالب بإزالته، وإنما الحد من معدلات الجريمة يكون بتطبيق القانون والضرب على أيدي المجرمين والعمل على إصلاحهم ونحو ذلك. وحول دعوى أن بعض الفقهاء قد أجاز نقل الميت أكدت أمانة الفتوى أن الجواز ليس ذلك على إطلاقه أبدا فمن أجاز من أهل العلم نقل الميت بعد الدفن، فإنما قد أجازه بشروط، إذا لم تتوفر رجع الأمر إلى أصله. وعن القول إن قرار النقل إذا كان صادرا من ولي الأمر كان واجب التنفيذ؛ لأن ولي الأمر له سلطة تقييد المباح، أوضحت أمانة الفتوى أن هذا ليس مباحا، وحمل الإمام الناس على فعل الحرام أو المكروه ليس من هذا الباب. واستشهدت الأمانة ببعض الأمثلة على مستوى العالم، وأشارت إلى أن مقبرة العظماء تقع على أجمل ربوة في منطقة (مونمارتر) التي هى إحدى الضواحي الواقعة في قلب العاصمة الفرنسية باريس، وهى مقصد سياحي شهير هناك؛ حيث تحوي رفات عدد كبير من أعمدة الأدب والفن، وكذلك مقبرة (هاي جيت) و(برومبتون) و(كنسال) في لندن، وكذلك في واشنطن حيث توجد مقبرة الكونجرس التاريخية، ومقبرة (جلينوود) ومقبرة (أوك هيل) والتي تقع في حي (جورج تاون) الذي هو من أرقى أحياء العاصمة الأمريكية، وحول مدينة روما أيضا مجموعة من المدافن التاريخية؛ ك(مقبرة الرهبان الكبوشيين)، والتي تعد من أماكن الجذب السياحي هناك. وكانت الأمانة العامة للفتوى قد تلقت سؤالا حول الحكم الشرعي في نقل المقابر الواقعة داخل مدينة القاهرة إلى أطرافها أو إلى خارجها، وذلك للمصلحة قائمة في فعله وتحويل هذه المساحة الشاسعة إلى مساحات خضراء بالإضافة إلى تطهير لهذه الأماكن من المجرمين القاطنين فيها ممن يروعون الآمنين وينشرون الفساد، والتعلَّل برأي بعض الفقهاء ممن أجازوا نقل الميت، ومنهم من أجاز استعمال أرض المقبرة إذا اندرست، وأن قرار النقل إذا صدر من ولي الأمر كان واجب التنفيذ.