خلال ساعات.. نتيجة تنسيق المرحلة الثانية للجامعات 2025 (الرابط الرسمي)    استقرار البلدي وتراجع طفيف في أسعار الفراخ البيضاء اليوم الإثنين 11-8-2025 بالفيوم    ميناء الإسكندرية يستقبل السفينة السياحية الهولندية MS Oosterdam    سعر جرام الذهب صباح اليوم الإثنين، عيار 21 وصل لهذا المستوى    كامل الوزير يستقبل السفير الياباني بالقاهرة لمتابعة الموقف التنفيذي للمشروعات المشتركة    رئيس الوزراء يتابع جهود توفير التغذية الكهربائية لمشروعات التنمية الزراعية بالدلتا الجديدة    مسيرة في تركيا تطالب بفتح ممر إنساني لدخول المساعدات إلى غزة    بدء دخول قافلة مساعدات إماراتية جديدة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح    حاكم مقاطعة نيجني نوفجورود الروسية يؤكد مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في هجوم أوكراني بطائرات مسيرة    بالأسماء.. 3 تغييرات في تشكيل الأهلي أمام فاركو (تفاصيل)    بعثة منتخب الشباب تغادر لمواجهة المغرب في الدار البيضاء    وسط مباحثات تجديد عقده.. إمام عاشور يعلن موعد عودته للأهلي (تفاصيل)    ارتفاع نسبة الرطوبة.. موجة حارة تضرب العلمين ومطروح    التصريح بدفن جثة لص سقط من الطابق الثالث أثناء الهرب بأكتوبر    «الداخلية» تكشف ملابسات سرقة سيارة محملة بكمية من النحاس الخردة بالجيزة    ب4 ملايين جنيه.. الداخلية توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    وكيل تعليم الغربية يتابع سير امتحانات الدور الثاني للدبلومات الفنية في يومها الثالث    ضبط عاطل بالجيزة لتصنيع الأسلحة البيضاء والإتجار بها دون ترخيص    نجاة الصغيرة قيثارة الشرق.. محمد عبد الوهاب أول من تبناها.. طالبت بإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية.. وهذا سر خلافها مع مصطفى أمين    ضمن دوري المكتبات.. لقاءات عن سيناء بقصر ثقافة الغربية    طب قصر العيني تطلق مجلة دولية متخصصة فى الطوارئ والكوارث    تقديم مليون 975 ألف خدمة طبية ضمن حملة «100 يوم صحة» بالشرقية    وزير الري يؤكد أهمية صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    محافظ المنيا: المعلم سيظل رمزًا للعطاء وصانعًا للأجيال    مؤتمر صحفي لإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ.. الثلاثاء    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    إعلام إسرائيلي: الجيش سيعرض خلال أسبوعين خطة شاملة لاحتلال غزة    الأمم المتحدة: خطة إسرائيل بشأن غزة "فصل مروع" من الصراع    خلال 24 ساعة.. ضبط 143745 مخالفة مرورية متنوعة    11 أغسطس 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المالية: دعم جهود تمكين القطاع الخاص المصري مع والتوسع بالأسواق الأفريقية    السياحة والآثار: وادي الملوك بالأقصر آمن والمقابر لم تتأثر بالحريق    محمد شاهين: ظهرت في كليب إيهاب توفيق وطفولتي كانت مع جدتي    البورصة المصرية تستهل بارتفاع جماعي لكافة المؤشرات اليوم الإثنين 11 أغسطس    تعرف على مباريات اليوم في الدور الرئيسي ببطولة العالم تحت 19 عامًا    نقص مخزون الحديد.. أجراس تحذير للجسم وطرق علاج الأنيميا    من التشخيص للعلاج .. خطوات لمواجهة سرطان المبيض    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    أكثر 5 أبراج قيادية بطبعها.. هل برجك بينها؟    أحرج " يويفا "بتعليقه علي استشهاد سليمان العبيد. .. محمد صلاح صوت فلسطين فى ملاعب أوروبا    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش إنشاء تطبيق إلكترونى لأرشفة الإنجازات    التيك توكر "داني تاتو" أمام النيابة: مهنة رسم التاتو عالمية ولم أجبر أي سيدة على الظهور معي    انطلاق فعاليات مبادرة "أنا أيضا مسئول" بجامعة جنوب الوادى    شيري عادل تخطف الأضواء وتعتلي منصة التكريم في مهرجان إبداع بحضور وزير الشباب والرياضة وكبار المحافظين    د.حماد عبدالله يكتب: "الفن" والحركة السياسية !!    تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    فلسطين تطالب بتحرك عربى فعّال لمواجهة جرائم الاحتلال    الرئيس: أؤكد التزام الدولة بإعلاء حرية التعبير وتعزيز التعددية    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    إجمالى إيرادات الفيلم فى 11 ليلة.. تصدر شباك التذاكرب«28» مليون جنيه    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة خنازير صغيرة
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 05 - 2009

كانت واحدة من المتع القليلة لكن الجميلة لأبناء الطبقة المتوسطة المصرية فى فترة الستينيات تناول الآيس كريم من محل الأمريكين الشهير فى وسط القاهرة. وكان أطيب أنواع الآيس كريم التى يقدمها هذا المحل نوع اسمه ثلاثة خنازير صغيرة trois petits cochons، وهو عبارة عن ثلاث كرات ثلجية بنكهات الشيكولاتة والفانيليا والفراولة اللذيذة. وكثيرا ما سألت نفسها وهى تتخذ طريقها فى أمسيات الصيف مع أسرتها إلى محل الأمريكين عن سر تسمية الآيس كريم بهذا الاسم، ولم تكن تجد من تفسير لذلك إلا أن الكرات الثلاث كانت مكتنزة كما يكتنز لحم الخنزير، ثم لم تعد تنشغل بالتفسير فلم تعد تذهب إلى هناك، ولعل أيا من أبناء الطبقة المتوسطة لم يعد يذهب إلى هناك، فقد اختلفت مواصفات الطبقة المتوسطة كما انتشرت فى كل مكان محال الآيس كريم.
لماذا تَذكر هذه الواقعة التى مضى عليها ما يزيد على أربعين عاما؟ لا سبب ظاهريا لذلك إلا الإنفلونزا اللعينة التى اقترنت باسم الخنازير، وتلك اللوثة الإعلامية التى جعلتها منذ أسبوعين لا تشاهد برنامجا أو تقرأ تحقيقا أو تسمع خبرا إلا وفيه شىء عن تطور المرض وأعراضه والوقاية منه. ومع ذلك فإن وجود الخنازير قاسم مشترك بين الآيس كريم والإنفلونزا ليس هو السبب الوحيد على الأرجح لاستدعاء الذكرى، لكنها الأرضية الطائفية التى يجرى عليها النقاش بين المدافعين عن قرار ذبح الخنازير والمعارضين له، تلك الأرضية التى لم يَسِر عليها لحسن الحظ جيل الستينيات وإلا ما كان أبناؤه مسلمين ومسيحيين استعذبوا آيس كريم اسمه ثلاثة خنازير صغيرة. ليس فى الأمر مزحة، ففيه من السماجة ما يقتل أى روح للدعابة، لكن تعالوا نطلق خيالنا ونسأل أنفسنا هل يمكن فى أيامنا هذه أن يغامر تاجر بإطلاق مسمى «مجازيا على بضاعته» أيا ما كانت: ثلاثة خنازير؟... تابعوا جدل إنفلونزا الخنازير وسوف تعرفون الإجابة.
من اللحظة الأولى التى اقترنت فيها المرحلة الجديدة من تطور إنفلونزا الطيور باسم الخنازير، أَطَل بُعدُ طائفى كريه فى سجال الكتاب والسياسيين، وفى بعض الأحيان استتر من باب الحياء. فمع أن الفريقين أثارا فى نقاشهما قضايا تتعلق بتوقيت القرار وحسمه ورشادته وعلاقته بالسياق المصرى الذى يفرز أوبئة بالخنازير ومن دونها، إلا أنه فى خلفية المشهد كانت هناك إيحاءات طائفية بعضها يدخل فى حيز اللامعقول. خذ مثلا اعتبار البعض أن سرعة القرار دليل على طائفيته على أساس أنه لو لم تكن هناك استهانة بمصالح المسيحيين لوجب التريث. هى تفهم أن السرعة قد تكون دالة على العشوائية لكنها لا تبتلع الربط بين السرعة وبين التحيز الطائفى وإلا لكان عليها أن تعتبر أن قرار تعديل الحدود بين المحافظات المصرية بين عشية وضحاها هو نوع آخر من القرارات الطائفية، فهل هو كذلك؟ أو خذ دخول أقباط المهجر على الخط بضجيج كثير ومضمون ضحل مع أن صوتا لم يسمع لهم عندما زحفت إنفلونزا الطيور على مصر وكانت تتهدد أعدادا أكبر بحكم اتساع نطاق التعامل مع الطيور، فهل صارت الطائفة تعلو على الوطن؟ أو خذ الربط الميكانيكى بين تحريم لحم الخنزير على المسلم وبين ظهور الإنفلونزا مع أنه لم تثبت أى علاقة بين ما يتغذى عليه الخنزير وهذا هو سبب التحريم وبين إصابته بالداء، وإلا كيف نفسر أن بعض ما أحل الله أكله للمسلم حامل للداء؟
يغيب فى سجالات المنغمسين فى الشأن العام مصير الشخص صاحب الخنزير الذى يطاح برأسماله دون سابق إنذار فيٌترك خالى الوفاض، ويٌعنى المتحاورون بدين الشخص وملته وآخر ما يولونه اهتماما مستقبله ومستقبل أولاده. أما هى فلعل زمنا طويلا سوف يمر قبل أن تنسى وجه تلك المرأة التى أطلت عليها من إحدى القنوات الفضائية تتكلم فى تلقائية لا أبلغ منها ولا أفصح وتدعو الحكومة إلى أن تبدلها بخنزيرها عنزة تأخذ منها اللبن والجبن وتربى عيالها.
لو كان الأمر بيدها لوضعت هذا المطلب البسيط جدا والعادل جدا للمرأة الطيبة موضع التنفيذ، فغاية ما كانت ترجوه ألا ينقطع مصدر رزقها. ومن وجهة نظر المعنيين بالتفسير الدينى للأمور فإن ما تطلبه المرأة يدخل فى نطاق «الكسب الحلال»، ومع ذلك فإن أحدا لم يعر صيحة المرأة التفاتا.
يغيب عن أفق المنشغلين بالشأن العام أن ثمة آليات للتواصل بين مسلمى مصر ومسيحييها تجعل من المستحيل بناء تحليل للظواهر على أساس طائفى محض فليس كل مربى الخنازير مسيحيين، ولا كل المتعاملين مع لحومها غير مسلمين، فمثل هذا النقاء الوظيفى لا وجود له إلا فى الخيال. وليس من المتصور أن عمليات تهريب الخنازير لم تخلق شبكة من المنافع يتربح منها مسيحيون وأيضا مسلمون يقودون عربات نصف النقل بين الأحياء والمحافظات، ويسهلون تجاوز أكمنة المرور مقابل بضعة جنيهات، ويوفرون المأوى للخنازير الفارة من جحيم المجازر، ويستخفون بالعدوى من باب «قل لن يصيبنا».
هكذا تدخل إنفلونزا الخنازير نفق الأزمات المتكررة التى تعكس العلاقة القلقة بين مسلمى مصر ومسيحييها، ومع ذلك فإن هذه الأزمة ليست كأزمة الشخصية المسيحية فى الدراما المصرية ولا كأزمة الزواج المختلط أو قانون الأحوال الشخصية أو العنف الطائفى المتنقل، ليست مثلها لأن الخطر فيها جامع والمستهدف به الكل. وفى ظرف كهذا لا يعقل أن نرفع درجة التحذير بهذا الوباء إلى القمة وننخفض بمستوى الحس الوطنى إلى القاع، فالوعى الصحى لا يدور فى فراغ فله بيئته الاجتماعية الحاضنة.
ياااه، لشد ما تشتاق إلى مذاق آيس كريم الخنازير الثلاثة الصغيرة تزيل به صدأ الأيام الماضية تحس به علقما فى حلقها، تشتاق إليه ولا تثق فى أنه لا يزال موجودا بالاسم نفسه بعد كل تلك السنين التى كان التغير فيها تاما، لكن الرمز الذى يشير إليه يستحق منها أن تبحث عنه باهتمام وأن تخطف رجلها ذات ليلة لمحل الأمريكين فى وسط البلد، لعل وعسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.