ينتمى الموسيقار الكبير محمد سلطان إلى جيل عاش كل التغيرات السياسية، التى شهدتها مصر خلال نصف القرن الأخير. آخرها ثورة 25 يناير، التى قادها شباب مصر، والتى انتهت برحيل نظام الرئيس مبارك. سلطان عاش التجربة كما عاشها المصريون. بروح أحد الذين عانوا خلال حكم الرئيس السابق. لأنه يرى أن فترة حكمه لم تحصل الرموز الفنية فيها على حقوقها بالقدر الذى يتناسب مع حجم إبداعهم وعطائهم الفنى لمصر. ففى هذا العصر سيطر قليلو الموهبة على الساحة. لأن الإعلام المصرى منحهم شارة «الكبتنة» فى وجود الكبار. لذلك من بين الكلمات التى توقفت عندها خلال حوارى مع الموسيقار محمد سلطان هى الحمد لله أننى عشت حتى شاهدت هذا اليوم فى إشارة إلى عمليات القضاء على الفساد، وانتهاء نظام عاش 30 عاما يهيمن على كل شىء فى مصر. فى هذا الحوار يتحدث عن نظرته لمستقبل مصر بعد الثورة. واهتمام الدولة فى الماضى بالرياضة على حساب الفن، والثغرات الموجودة فى الإعلام المصرى. ● هناك مشكلات كثيرة تعرض لها كبار المبدعين خلال ال 30 سنة الماضية؟ هذا صحيح وللأسف هذه المشكلات تأخذ أكثر من اتجاه، ويعد أبرزها قيمة وقدر المبدع. ففى العالم الغربى هناك أسماء مثل بيتهوفن، وموتسارت، وباخ، وفيردى، وغيرهم ما زالوا يكرمون من دولهم. أما نحن هنا فى مصر فالأمر مختلف، تجد الاهتمام بمطرب درجة ثالثة. فى حين أن الرموز توضع على الهامش. والأمر لا يتوقف عند ذلك فقط. بل تجد القيمة المادية معكوسة فالمبدع فى أوروبا هو صاحب الابتكار الذى منحه الله القدرة على الخلق الذهنى. أى أنه يعطيك عملا فنيا من العدم. وهذا لا يتوافر إلا فى المؤلف، والملحن بالنسبة للأغنية. ورغم ذلك تجد المطرب يحصل على نصيب الأسد فى كل شىء بداية من الشو الإعلامى، ونهاية بالأجر بل والأكثر أن اسم الملحن، والمؤلف ربما لا يذكر أن مطلقا رغم أن الصوت مجرد مؤدٍ. لذلك عندما قرروا فى أوروبا منح حقوق الأداء العلنى منحوها لصاحب الحق الذهنى، والفكرى وهو المؤلف، والملحن ليس بمعنى أن عبدالحليم يغنى ننسى الطويل، والموجى وعبدالوهاب. ● هل هناك خطة باعتبارك رئيس جمعية المؤلفين والملحنين، سوف تضعها لإصلاح تلك المشكلات المتراكمة؟ بالطبع نعم سوف أتخذ خطوات ملزمة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون لكى يعود الحق لأصحابه. ● خلال السنوات الأخيرة كانت لديك مشكلات مع الاتحاد هل انتهت؟ لم تنته. والمشكلة هى أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يدفع سنويا للجمعية 400 ألف جنيه فقط. رغم أن قنواته ومحطاته الإذاعية تقوم فى الأساس على الأغانى. وشعرت بألم شديد عندما علمت أن هناك مقدمى برامج يحصلون على أجور بالملايين فى حين أن الجمعية تحصل على ملاليم. وبالتالى من الطبيعى أن تجد بين المؤلفين والملحنين فقراء لا يملكون ثمن الخبز. هذا كله لأننا عشنا عصرا لا يعترف بالإبداع والمبدع. ● لكن البرامج تدعمها الإعلانات التى تستقطبها شخصية مقدمة؟ أتحدى أى إنسان يقول هذا. أمنح هذه الفرصة لأى شاب سوف تأتى الإعلانات أيضا. والغريب أن هذه الملايين تذهب لمقدم البرنامج، وعندما يطلبون استضافة أى فنان يرفضون منحه المقابل المادى لظهوره بحجة أنهم التليفزيون المصرى. ولا أعرف هل هو تليفزيون الدولة علينا فقط. أم على الجميع. ثم إنهم يدفعون أرقاما فلكية أيضا لنجوم المسلسلات، وعندما تتحدث عن الموسيقى والغناء كأنك تذبحهم. ● لماذا اخترت هذا التوقيت تحديدا لإعادة تقديم مطالبك؟ هذه ليست مطالب شخصية لى. ولأننى أقل المستفيدين الآن من كل شىء. لكننى يجب علىّ أن أطرح مشكلات فئة من المبدعين. فهل يعقل أن يحصل الملحن الكبير على 6 آلاف جنيه والمؤلف على 4 آلاف. ● لكن البعض الآن يربط بين المطالب والثورة؟ أولا الثورة يجب أن نفخر بها جميعا. لأنها ثورة علمية وراقية، ومشرفة لمصر أمام العالم. لكننى لم أستغل الفرصة. لكن حان الوقت لكى ينظر للمبدع بشكل مختلف. وهنا لابد أن أذكر مثالا على ما يعانيه المبدعون. من منا لا يعرف قيمة وقدر الملحن الراحل محمود الشريف؟ ما لا يعرفه العامة أن ابنته مريضة منذ فترة، وتحصل على منحة من الجمعية، وهذا يليق بها لو الأمور تسير بشكل جيد، واتحاد مثل الإذاعة والتليفزيون يدفع حقوق الأداء العلنى بشكل محترم. لن تصل ابنة مثل هذا الموسيقار إلى هذه الدرجة. وهى ليست الوحيدة لكن هناك نماذج كثيرة. المعايير فى مصر غير منطقية. ● لديك ولدان يعيشان فى فرنسا، وهما طبيبان كيف استقبلا خبر نجاح الثورة؟ منذ بداية الثورة، وهما شديدا الحماس لها. وكثيرا ما تحدثا معى عنها خلال الشهر الماضى. وزادت سعادتهما بعد أن لاحظا أن الأوروبيين غيروا من نظرتهم لمصر، ووضعوها فى الدول المتقدمة، وفى حقيقة الأمر هذا التغيير تجاه مصر لم ألاحظه من خلال أبنائى فقط، ولكن لى أصدقاء فى دول أوروبية، وأمريكية تحدثوا إلىَّ كانوا سعداء بها جدا. ● لماذا سمحت لأبنائك بالسفر إلى فرنسا فى سن مبكرة؟ أولا حاولت أن أضعهم فى مناخ صحى مناسب. حتى يستطيعا الدراسة. وهما تركا مصر منذ 20 عاما وكانا يرغبان فى دراسة الطب، وبالفعل وجدا هناك الأمور مختلفة. فالموهبة هناك تحدد اتجاها، خضعا لأول اختبار جاءا فى المرتبتين السابعة، والثامنة من إجمالى 70 اجتازوا الاختبار من بين ألفى طالب. فى نفس الوقت الذى كان فيه طب القاهرة يقبل ثلاثة آلاف طالب سنويا. ● هل كنت تتوقع نجاح الثورة؟ كان عندى إحساس روحانى بأن الله لن يتخلى عنها. ● كيف ترى مستقبل مصر؟ أفضل بكثير مما يتوقعه المصريون. نحن الآن فى طريقنا لنكون بجوار الدول المتقدمة. وأنا كنت حزينا جدا خلال السنوات الماضية لأن دولة بحجم مصر تعيش على الإعانات القادمة من الخارج. هذا لا يليق بنا. ● وموسيقيا؟ هناك شباب عظيم من الموسيقيين لكنى، أتمنى أن يأخذوا من الكبار قدوة لهم. ● كيف ترى الأغانى الوطنية التى تغنت بالثورة؟ أغلبها لا يليق بهذه الثورة العظيمة التى قام بها الشباب. لذلك أتمنى من الإذاعة، والتليفزيون أن يتبنوا الأعمال الجادة التى تؤرخ لهذه الثورة العملاقة. ● هل أنت مع ضرورة عودة لجان الاستماع لقوتها؟ بالطبع. لأن الفترة الماضية شهدت دخول الكثير من الأصوات من الأبواب الخلفية. وأتصور الحرية تعنى الالتزام، وتطبيق القانون. لأن الفن لا يتقدم فى زمن الفوضى، وهذا ما حدث خلال السنوات الأخيرة. فوضى أدت إلى تدهور فى حال الأغنية. وترويج للهلس على أنه غناء. ● لكنهم كانوا يتعللون بأن المنافسة مع الفضائيات تقتضى هذا؟ أنا ضد هذا. وضد من يقول إن الناس تريد هذا. لأن هذا معناه أن نترك الدعارة، والمخدرات فى كل مكان. لأن البعض يريدها. فالفن لم يخلق للتسلية. فهو إبهار، وغذاء روحى، وعلى أجهزة الإعلام أن تعى هذا جيدا، وعليهم أن يستعينوا بالكبار مثل محمد على سليمان، وحلمى بكر، وعمار الشريعى، وميشيل المصرى. يجب أن نعالج جميع المشكلات. ● إذن أنت مع ضرورة وجود ثورة ضد الغناء الهابط؟ طبعا، وبالمناسبة هذا ليس معناه أن القديم يسود. لأن هناك شبابا من الملحنين، والمطربين على أعلى مستوى فنى. ● الثورة أفرجت عن إحدى أغانيك «يا بلادى.. يا أغلى البلاد يا بلادى»؟ هذا صحيح وأتصور أن الثوار قدموها ضمن الأغانى التى تقدم فى إذاعة الميدان. لأننى قدمتها بصدق لخطة عبور قواتنا المسلحة للقناة. ونفس الشعور امتلكنى لحظة نجاح الثورة. ● كيف تنظر لشباب الثورة؟ هذا الجيل جعلنى أطمئن على البلد، وأحمد الله أننى عشت حتى شاهدت هذه اللحظة مع هذا الشباب المتحضر. أنا أيقنت أننا نعيش عصرا جديدا عندما شاهدتهم من شرفة منزلى، وهم يقومون بتنظيف الشوارع. هنا قلت مصر بخير. ● لكن جيلك لم يشارك الثورة فرحتها بأعمال غنائية؟ اتصلت ببعض المسئولين، وطلبت فقط توفير الموسيقيين لكنهم طلبوا تأجيل الأمر لحين تعيين رئيس اتحاد جديد. وبالمناسبة مع كل حدث تمر به مصر كنت أطلب من أسامة الشيخ أن أشارك بعمل. لكنه كان يتعلل بعدم وجود ميزانية. ثم أفاجأ بالملايين تدفع للمسلسلات والبرامج. ● عاصرت جمال عبدالناصر، والسادات ومبارك ما شهادتك عليهم؟ أنا لست سياسيا. لكننى سوف أقول إحساسى كفنان. خلال فترة ناصر. لم يكن هناك انفتاح،. وكنت كلما أسافر مع فايزة احمد للخارج يجب أن تحصل على تأشيرة خروج، والمبلغ المالى المتاح للخروج به خمسة جنيهات فقط. وهو أمر يعكس أن الوضع لم يكن جيدا من حيث الحرية. السادات كانت بداية الحرية. وهو كإنسان كان ملتزما، فلاح يعرف قيمة المصرى، وكان يتمتع بذكاء كبير. وهذا الفارق بينه وبين ناصر كان واضحا. لأن جمال كان يقول «أنا هارمى إسرائيل فى البحر». والسادات كان يقول لن أحارب حتى فاجأهم بالعبور. ويكفيه أنه حرر سيناء. ولو كان بالبلد إمكانات لفعل أكثر من هذا. مبارك. كان عصرا غريبا ناس تسافر للعلاج بالخارج وناس تموت فى مصر من قلة العلاج. ● وموسيقيا؟ ناصر كان ينظم حفلات لعبدالوهاب وأم كلثوم، وحليم، وكان شديد الإعجاب بهم. والسادات كان فنانا قويا. أما مبارك فكان اهتمامه بالرياضة. وكأنه يعتقد أن البلد سوف يستمد سمعته من الرياضة. وهذا عيب جدا. الصورة فى عهده انقلبت تماما. ● فى النهاية ماذا عن حالتك الصحية؟ عندى مشكلات فى الأطراف. عند اللمس، والتذوق سوف تقل مع الوقت. لكنها لن تنتهى. وهذه الأعراض عبارة أن أى شىء أمسكه أشعر وكأن هناك شيئا بلاستيكيا على يدى. إلى جانب الأمر بالعضلات.