توالت العناوين الساخنة على شريط الأنباء منذ انسحاب الشرطة وحالة الفوضى التى سادت البلاد فى جمعة الغضب، حتى أصبح سجن شبين الكوم مركزا لمطاردات دامية. صراعات بالسنج والمطاوى بين السجناء من المنوفية، والسجناء من شبرا، «والضباط هم اللى بيحرضوا عليها، وبيدوا للناس سلاح». كميات قليلة من الطعام تؤدى لتشاجرات دموية على أطباق الأرز والعدس. ترحيلات عشوائية إلى سجون بعيدة دون أن يعلم المسجون وجهته. هذه هى بعض الأنباء التى تتسرب من داخل عنابر سجن شبين الكوم بالنوفية، حيث يتصل المساجين بنشطاء حقوق الإنسان والمحامين عبر الهواتف المحمولة المخبئة، لإبلاغهم بآخر التطورات المأساوية داخل السجن. يروى أحد السجناء ل«الشروق» عبر الهاتف حكاية يوم 29 يناير التى لا ينساها. بعد فتح الزنازين فى التاسعة والنصف صباحا لتناول وجبة الإفطار، تجمع السجناء فى مظاهرة مرددين «الله أكبر، لا إله إلا الله». يقول السجين إن المظاهرات خرجت تطالب بالعدل والتحقيق فى «التهم الملفقة» التى دبرها ضباط الداخلية، على حد زعمه. إلا أن هذه المظاهرات سرعان ما تمت مواجهتها بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحى، طبقا لرواية المساجين. «كان معانا ناس مصابين كتير جدا، وناس مريضة فى حالة صعبة»، دون أدنى رعاية صحية كما يقول سجين بتهمة اتجار بالمخدرات، يؤكد أن عدد ضحايا المعركة وصل 65 قتيلا على الأقل. فى حين تشير تقارير صحفية عن أرقام متضاربة لعدد الضحايا بين 5 و20 قتيلا وعدد من الإصابات. بعد قمع المتظاهرين وتدخل الجيش، يقول المساجين إنهم حرموا الطعام والمياه النظيفة لأكثر من 12 يوما، «كنا بنكسر المواسير ونشفط منها الميه علشان نعرف نعيش»، فى حين ظلت جثث القتلى دون دفن لأكثر من 5 أيام حتى فاحت رائحتها فى السجن كله، طبقا لوصف آخر. أما الآن فالمساجين يقضون أغلب أوقاتهم فى حوش السجن بعد تدمير العنابر وتكسير الزنازين، وغرق بعضها فى مياه الصرف، كما عادت وجبات الطعام بكميات أقل من المعتادة، طبقا للمساجين، فى حين منعت إدارة السجن أى زيارات. «الروايات عما يحدث فى قسم شبين الكوم متضاربة»، كما تؤكد ماجدة بطرس، الناشطة الحقوقية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتى تحقق فى أحداث السجن. أحد روايات السجناء تزعم أن بعضهم اعتصم بمسجد السجن مع جرحى المعركة، فدخل جنود السجن وأعدموا الجرحى داخل المسجد بالرصاص. «وما حدش يقدر يحدد إن كان فيه شهود عيان لهذه الواقعة، ولا هى حكاية بيسمعوها ويرددوها من بعض». تقول ماجدة إن مصلحة السجون تحاول تفريق المساجين على سجون مختلفة لإخلاء سجن شبين الكوم وإصلاح ما لحق به من تلفيات، وهو ما تسبب فى قلق للمساجين خوفا من أن يتم نقلهم بعيدا عن أهلهم. «ونحاول أن نتأكد من إن المساجين المصابين يتم نقلهم لسجون بها مستشفيات لتوفير العلاج المناسب»، كما تقول ماجدة. الرواية الرسمية للأحداث يذكرها العميد خالد حمدى، مدير مكتب اللواء عبدالجواد أحمد مدير مصلحة السجون، فى اتصال هاتفى مع «الشروق». يصف اللواء ما حدث يوم 29 بأنه محاولة للهروب الجماعى للمساجين بمساعدة أهاليهم الذين حاولوا اقتحام السجن، مستغلين انسحاب الشرطة بعد جمعة الغضب. «الأمن المركزى استخدم القنابل المسيلة للدموع لتفريق الأهالى، واضطر لاستخدام الرصاص الحى داخل السجن»، وهو ما يبرره العميد بأنه إجراء قانونى. يشرح خالد إجراءات التعامل مع محاولات الهروب من السجن قائلا إن الجنود عليهم تحذير السجناء شفويا، ثم إطلاق رصاصات تحذيرية فى الهواء، ثم إطلاق النار على الأقدام، وأخيرا الضرب فى مقتل، وهو إجراء قانونى إن لم يمتثل السجين لأى من الخطوات الأولية. أسفرت المعارك عن حريق مستشفى السجن، ومخزن التعيينات الغذائية، وكسر مواسير المياه، وتدمير الزنازين. يؤكد العميد خالد أن الوضع الآن تحت السيطرة، وأنه قد تم إصلاح مواسير المياه، وإمداد المساجين بوجبات منتظمة. «لكن لازم ننقلهم لسجون ثانية وإخلاء السجن حتى يتم إصلاحه». مصلحة السجون أكدت ل«الشروق» أن العميد مجدى قد توجه لسجن شبين الكوم لتفقد الأمر بنفسه، ولم تستطع الجريدة حتى الآن الاتصال به لمعرفة آخر التطورات.