لم يحالف الحظ الرئيس الجديد للاستخبارات العسكرية اللواء أفيف كوخافى، فبعد مرور أيام قليلة على قوله أمام لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست إن النظام المصرى مستقر، بدأت الأرض تهتز فى مصر. صحيح أن الأحداث هناك لم تنته بعد، ومن المحتمل أن يصمد النظام، إلا أن حجم الاضطرابات وتوقيتها فاجأ الاستخبارات. إن مثل هذا الحظ السيئ ليس أمرا نادر الحدوث للذين يعملون فى مجال التقديرات الاستراتيجية، ففى صيف سنة 1988، أكد ضابط الاستخبارات العسكرية أمام لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست أن حرب إيران العراق المستمرة منذ ثمانية أعوام، ستستمر مدة طويلة، ولدى خروجه من الجلسة سمع من الإذاعة خبر انتهاء هذه الحرب إن المرات التى فشلت فيها الاستخبارات فى توقع سقوط أنظمة سياسية، معروفة جيدا. فالاستخبارات الأمريكية لم تتوقع سقوط نظام الشاه فى إيران إلى أن حدث ذلك، وقلائل قدّروا أن النظام الشيوعى فى الاتحاد السوفييتى يوشك أن يسقط. لكن فى المقابل هناك عدد من الحالات التى توقعت فيها الاستخبارات انهيار نظام معين، ومع ذلك، استطاع النظام أن يصمد ويبقى مستقرا. ففى سنة 1957 واجه النظام الهاشمى فى الأردن أوقاتا عصيبة للغاية، حين تبين وجود مؤامرة فى الجيش متورط فيها رئيس الأركان من أجل إسقاط الملك حسين. وكان تقدير الاستخبارات الإسرائيلية آنذاك أن الملك حسين لن يصمد أكثر من أسبوعين، لكن الملك صمد، وظل لوقت طويل أحد أقدم الحكام فى العالم إن التوقعات بشأن استقرار الأنظمة السياسية وقدرتها على الصمود أشبه بجوزة صلبة لا يمكن كسرها، ومن هنا كثرت الأخطاء. وفى الشرق الأوسط، هناك صعوبة خاصة فى مواجهة مشكلة استقرار الأنظمة لعدة أسباب هى: أولا، منذ سنة 1970 لم يجر إسقاط نظام عربى من الداخل، باستثناء النظام فى السودان الذى أسقط فى سنة 1989، كما أن مبارك مازال يحكم مصر منذ ثلاثين عاما، أما الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على فحكم تونس منذ سنة 1989. وقد أوجدت هذه الاستمرارية انطباعا بأن الأنظمة العربية تمكنت من أن تصبح أكثر شرعية، وأنها وجدت السبل للدفاع عن نفسها، فضلا عن أن مسألة الاستمرارية هذه صعبت اكتشاف الخلل. لقد كان من الواضح أن الضائقة الاقتصادية فى مصر هى التى أوجدت حال الغليان الداخلى، وأن الإخوان المسلمين يشكلون معارضة قوية للنظام، لكن النظرية كانت تقول إن النظام سينجح فى السيطرة على الوضع كما نجح فى الماضى . ثانيا، لم يكن هناك معلومات موثوقة تدل على حدوث اضطرابات فى وقت قريب. والمعلومات هى مشكلة حقيقية حتى بالنسبة إلى مسائل استراتيجية أخرى مثل تقديرات وقوع الحرب. ففى مثل هذه المسائل قد تكون هناك معلومات تحذيرية، لكنها ليست ذات قيمة نوعية، ولا موثوقا بها بما فيه الكفاية، أو أنه يمكن تفسيرها بطرق متعددة بحيث تتلاءم مع النظرية القائمة. لكن عندما تكون المشكلة تتعلق باستقرار الأنظمة، فليس لدينا معلومات مسبقة. فإذا كانت هناك مجموعة تآمرية، أو تنظيم معارض يسعى لإسقاط النظام، فإنه بالطبع لن يقدم معلومات عن نياته إلى أحد، فضلا عن أن هذه المعلومات لن تأتى عن طريق المتظاهرين الذين لا يعرفون فى أى اتجاه تهب الرياح. وهناك دائما من يحذر من أن نظاما معينا يوشك أن يسقط، لكن من دون معلومات ملموسة، ولا يوجد سبب يدعو إلى الأخذ بهذا التقدير. ثالثا، فى غياب المعلومات الأكيدة، لا يبقى أمام الاستخبارات إلا توقع مدى قدرة نظام معين على الصمود انطلاقا من مؤشرات محددة: الوضع الاقتصادى، وضع الجيش، حجم عدم الرضا وسط الجمهور، قوة الشارع، قوة المعارضة، مدى تصميم النظام على قمع أخصامه. لكن هذه المؤشرات لا تقول لنا ما سيحدث، ولا وجود لصيغة تحدد متى تتحول هذه المؤشرات إلى خطر يهدد النظام. لقد شهدت إيران حوادث قاسية فى يونيو 2009، وقد قام النظام بقمعها. والغليان فى مصر شبيه بما حدث فى يناير 1977، الذى لم يخرج يومها عن السيطرة. فلماذا، والحال هذه، لا تقدر الاستخبارات أن الاضطرابات فى إيران ستقمع وأن الاضطرابات فى مصر ستهدد النظام؟ إن مشكلة استقرار الأنظمة ليست محصورة بمصر. فثمة دول أخرى فى المنطقة عرضة للاضطرابات وللتغيير. وعلى ما يبدو، فإن العاصفة التى مرت على تونس ومصر أنهت عصر استقرار الأنظمة العربية، وزادت الوعى إزاء احتمال انتقال الاضطرابات إلى دول أخرى. لكن هذا الوعى لا يشكل حلا للمشكلات التى تواجهها الاستخبارات والأنظمة مثل: ما هى الأنظمة التى هى عرضة للاضطرابات، وأيها سينجو؟ متى ستحدث هذه الاضطرابات وما هو حجمها؟ ما هى القوى التى ستصعد إلى السلطة؟ ما هى انعكاسات ذلك على إسرائيل؟