دموع حارة وبكاء بصوت مرتفعة، لفت انتباه المارة. إنها السيدة التى تشحذ بجوار محطة مترو البحوث، فور علمها من المارة أن الرئيس رحل. كانت نائمة وقت إعلان البيان، «وبعدين لقيت كل الناس بتحتفل». استيقظت السيدة على أصوات أبواق السيارات العالية، وهتافات الشباب فى شارع التحرير «والله وعملوها الرجالة ورفعوا رأس مصر بلدنا». اقتربت العجوز من إحدى المارة وسألت: فيه إيه؟. الشاب مد يده إلى جيبه وأعطاها بعض المال، وقال لها بصوت يخترق الشارع المهلل «دا كل اللى فى جيبى، الراجل انزاح». العجوز كانت متابعة للثورة، ولكن لم تفهم كلمات الشاب الحماسية التى قالها وانطلق سريعا، وبعدها سمعت من هتافات الشباب «تنحى .. تنحى». «هو مشى بجد؟». يسأل أحد المارة الذى خرج من محطة مترو البحوث، على أصوات الفرحة التى ملأت الشارع، وأجابه بائع من المخبز، «البيان لسه حالا قالوا إنه مشى». يصرخ الرجل الخمسينى «ولاد الثورة يا رجالة»، وسجد على الأرض سريعا بعيون باكية. انطلق إلى محطة المترو سريعا ووقف فى وسط المحطة وصرخ بأعلى صوته: حسنى مشى يا مصريين .. الثورة نجحت يا شعب. وقرر بعض الركاب الخروج إلى الشارع بدلا من ركوب المترو. وكتب بعض الشباب على أرض الشارع بالنار «ثورة شبابية»، وأطلق سائقو الميكروباص الأبواق مع السيارات الملاكى. ورفع الأطفال الأعلام من السيارات، وسأل عبدالرحمن صاحب الثلاث سنوات «مصر كسبت الماتش يا بابا». ضحك الأب وهو يبكى على أغنية «يا حبيبتى يا مصر» التى بثتها إحدى الإذاعات عقب إذاعة البيان «ده أصعب ماتش فى حياتنا». لكن الابن الأكبر حسين سأل الأب «بابا هى مصر غلبت مين؟»، الأب بنظرة حنونة رد «مصر غلبت الظلم، وخدت الحرية». وبعد أقل من نصف الساعة من الخطاب بدأ سكان شارع التحرير فى الانطلاق بسيارتهم إلى ميدان التحرير، للاحتفال بالحرية مع شباب الثورة. وفى شارع جامعة الدول العربية رفض الشباب الحديث عن أى توقعات عن الحياة فى مصر بعد نجاح الثورة، ورد شاب ثائر، «افرحوا بقى أنتوا إيه مش بتعرفوا تفرحوا». وهتف بعض الشباب «أخيرا هنشوف ريس تانى»، وقالت مى طالبة الثانوية العامة «الله.. أخيرا هاشوف صورة حد تانى فى المدرسة غير حسنى». أما أسرة أحمد الصغير التى انطلقت من المريوطية إلى المهندسين للاحتفال وعلى الرغم من الزحام الشديد الذى يعيق حركة السيارات، كان يهتف مع ابنته الصغيرة نور «مصر .. مصر». وكانت الصواريخ والألعاب النارية مازالت تنطلق عندما قال أحمد بفرحة شديدة «أنا مش مصدق إنى اتولدت فى عهد مبارك.. وبنتى كمان»، وأشار إلى بطن زوجته التى تجلس بجواره فى السيارة «كدا بقى ابنى الجديد ييجى فى عهد جديد».