برلماني يطالب بإحالة مقيم الطعن ضد "جمعية الرسوم القضائية" للتأديب    حدث منتصف الليل|تفاصيل مكالمة الرئيس السيسي ونظيره الإيراني.. وسيناريوهات تعامل الحكومة مع الحرب    عضو بنقابة المحامين يكشف آخر تطورات الطعن على وقف الجمعية العمومية    ممثل المستأجرين: تعديلات قانون الإيجار القديم تفتقر إلى العدالة وتتجاهل ظروف البسطاء    أول بيان من الجيش الإسرائيلي إلى الجمهور بعد القصف الأمريكي على المواقع النووية الإيرانية    رئيس مجلس النواب الأمريكي: العملية العسكرية في إيران رسالة واضحة لأعدائنا وحلفائنا    فوكس نيوز: ست قاذفات بي-2 انطلقت من الولايات المتحدة    كأس العالم للأندية.. تعادل سلبي بين ريفر بليت ومونتيري في الشوط الأول    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة ريال مدريد ضد باتشوكا اليوم.. والمعلق    "مشفق عليه".. محمد بركات يرد على انتقادات ميدو للأهلى    أزمة مخدرات وإيقاف.. أبرز المعلومات عن يوسف البلايلي نجم الجزائر والترجي التونسي    خلال ساعات.. إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية اليوم (استعلم عنها من الرابط الرسمي)    دون إصابات.. السيطرة على حريق داخل شقة في البساتين    مخرج «لام شمسية» يكشف رد فعل رئيس الرقابة بعد مشاهدته أول خمس حلقات    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟.. أمين الفتوى يجيب    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    د. هاني أبو العلا يكتب : استثمار الطاقات.. شعار ترفعه جامعة الفيوم    براتب 9200 جنيه.. 200 وظيفة للشباب في مجال الأمن و الحراسات    أخبار 24 ساعة.. نقل بعض رؤساء لجان الثانوية العامة لإحكام السيطرة على سير اللجان    هل سيتم رفع سعر رغيف الخبز؟.. وزير التموين يجيب    التعليم تعلن عن رغبتها في التعاقد مع 9354 معلم لغة إنجليزية    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    يونس: يجب توفير المناخ المناسب لنجاح "جون إدوارد"..والموسم المقبل فارق في مستقبل الزمالك    محسن صالح يطالب بعدم إشراك زيزو في مباراة بورتو بكأس العالم للأندية    بدء الموسم الصيفي ينعش فنادق البحر الأحمر والإسكندرية    مان سيتي ضد العين.. جوارديولا: مباريات مونديال الأندية صعبة ومتكافئة    انتهاء عمليات البحث أسفل ركام عقار حدائق القبة النهار بعد استخراج كافة الجثث    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    إيران وإسرائيل تتبادلان الضربات    وزير الشباب والرياضة يتفقد نادى نقابة المهن التمثيلية فى حضور أشرف زكى    الصحف المصرية.. تحركات متسارعة وبرامج انتخابية طموحة    وسائل إعلام إيرانية: تم إسقاط عدة قنابل من طراز GBU-57 يبلغ وزنها 14 طنا على منشأة فوردو النووية    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    ترامب: موقع فوردو النووى انتهى تماما    الخطيب يوجه رسالة طارئة للاعبي الأهلي.. سيف زاهر يكشف    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    استهداف مجمع نووي في أصفهان للمرة الثانية منذ بدء الهجمات على إيران    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    «موازين» يطلق فعاليات دورته ال 20 تحت شعار «إيقاعات العالم»    «المشروع X» يواصل الصدارة.. و«في عز الضهر» إيرادات ضعيفة    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 يونيو 2025 (تحديث الآن)    سعر البصل والليمون والخضروات بالأسواق اليوم الأحد 22 يونيو 2025    استمرت لأكثر من 12 عامًا.. «مصالحات الأزهر» تنهي خصومة ثأرية بأسيوط بين «آل الشهاينة» و«آل العقل»    وجهات نظر    من غير مكملات.. أهم الأطعمة الغنية بفيتامين د    ابعد عنها بعد الساعة 10مساءً.. 6 أطعمة تسبب الأرق    بسبب حكم غيابي.. احتجاز زوجة مدرب منتخب مصر في الإسكندرية    تصل للمؤبد.. احذر عقوبات صارمة لبيع المنتجات المغشوشة    وزارة التضامن الاجتماعي بكفر الشيخ يشهد فاعليات ختام البرنامج التدريبي    إنطلاق امتحانات المواد الأساسية لطلاب الثانوية العامة بأداء اللغة العربية اليوم    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات من شوارع عاصمة البحيرة.. صور    كأس العالم للأندية| التشكيل الرسمي ل فلومينينسي وأولسان في الجولة الثانية    صبحي موسى ومأزق التنوير العربي    د.حماد عبدالله يكتب: السينما المصرية!!    كيف تحافظ على برودة منزلك أثناء الصيف    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدارة التغيير فى الثورة المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 02 - 2011

عندما شرعت فى كتابة هذه السطور كان كل ما يمكن أن يقال من آراء بشأن الثورة المصرية العظيمة قد قيل.
بغض النظر عن حق الشباب الذى فجر الثورة فى أن يتمسك بمطلبه الأساس فإن المرء عندما يلقى نظرة شاملة على ما حدث فى مصر منذ يوم 25 يناير المجيد لا يصدق نفسه، ففى حوالى أسبوعين حققت مصر بفضل شبابها ما أخفقت فى تحقيقه طيلة عقود: عُيِّنَ نائبٌ لرئيس الجمهورية وتغيرت الوزارة مع التحفظ على الطريقة التى شكلت بها، وهو تحفظ يشارك فيه رئيس الوزراء نفسه وسقط إلى الأبد مشروع التوريث، وأُطيحَ بالمكتب السياسى للحزب الوطنى المسئول عن كارثة تزوير الانتخابات البرلمانية مع كل الملاحظات حول التشكيل الجديد للمكتب ودخلت قوة سياسية مهمة هى الإخوان المسلمين إلى دائرة الحوار، وهى القوة التى ظل النظام يركز فى سخرية على إنها محظورة، ومع أننى لست من مؤيدى فكرة الحكم الدينى على الإطلاق بكل صورها وأشكالها إلا أن دخول الإخوان المسلمين ساحة الحوار من شأنه أن يكون عامل استقرار فى اللحظة الراهنة، خاصة أنهم قد ساهموا بصورة أو أخرى فى الثورة الحالية إلى الدرجة التى خشى معها البعض أن يكونوا بسبيلهم إلى سرقة الثورة والقفز على الحكم فى هذه اللحظة التاريخية.
ما تحقق كثير إذن، وما لم يتحقق أكثر لكن الفكرة كما سبقت الإشارة أن أحدا لم يكن يتصور أن تحدث هذه التحولات فى أيام قليلة. لكن هذا لا يعنى أن ثورة شباب مصر بلا مشاكل، وهى مشاكل تتعلق بإدارة عملية التغير الثورى الراهن، وعندما يراجع المرء هذه العملية بطول الوطن العربى وعرضه منذ حصلت بلدانه على استقلالها فى أعقاب الحرب العالمية الثانية يجد أنها بدأت بداية هزيلة عبر آليات الانقلابات العسكرية الخالية من أى مضمون، وكان بعضها رهنا بمصالح أجنبية لا شك فيها، وانتهت هذه الانقلابات كما بدأت من دون أن تحدث تغييرا يذكر، ونموذجها الأشهر هو الانقلابات العسكرية السورية فى أربعينيات القرن الماضى وخمسينياته. ثم دخلت عملية التغيير منعطفا جديدا عبر انقلاب عسكرى أيضا تمثل فى ثورة يوليو 1952، وهو انقلاب أيده الشعب بوضوح لأنه كان يستجيب لمتطلبات التغيير فى ذلك الوقت، الأمر الذى فتح الباب لتكييفه على أنه ثورة، لكن البعض لم يكن يرى فيه سوى نظام ديكتاتورى عسكرى، وإن كان قد تميز بالتأكيد عن سابقيه من الانقلابات العسكرية بأنه تبنى مشروعا حقيقيا لتغيير يقوم أساسا على الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية بالإضافة إلى أبعاده العربية المعروفة.
وبهزيمة يونيو 1967 اهتزت شرعية النظام على نحو جذرى، والواقع أنه لولا مواصلة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى لسيناء لانتهت هذه الشرعية تماما، غير أن الأسوأ أن يوليو 1952 فتح الباب أمام عديد من الانقلابات التى تشبهت به وإن لم يكن هدفها سوى الاستئثار بالسلطة، وحتى تلك التى أحدثت تغييرات إيجابية فى المجتمع بالغت فى قمع جماهيرها على نحو غير مسبوق أفقد ما حققته أى قيمة. ثم تكفلت التطورات بسقوط هذه النظم أو معظمها، لكن السقوط تم هذه المرة بآلية غير مسبوقة تمثلت فى بعدين أساسيين: أولهما أن التغيير الثورى تم بفضل نخبة مدنية، وثانيهما أن هذه النخبة تكونت أساسا من الشباب، وعندما نقول أساسا فإننا نقصد أن فئات من جميع الأعمار شاركت فيها وإن بقى الشباب هم المكون الرئيسى لقاعدة قوتها. بدأت هذه العملية الثورية الجديدة فى تونس، لكن تعقد إدارة التغيير فى بلد كمصر جعل عملية التحول الثورى تأخذ أبعادا أكثر تعقيدا بكثير، ويكفى مثلا أن المؤسسة العسكرية التى يُذكَر لها فضل حماية أمن مصر فى لحظات الانتقال الحرجة التى أُطلِقَت فيها قوى الشر من عقالها فى محاولة لوأد الثورة يكفى أن هذه المؤسسة لم تتخل عن رئيس الجمهورية عكس الحالة التونسية.
هذه السمات الجديدة للنخبة القائمة بالتغيير تتضمن دون شك إيجابيات لا حدود لها، ويكفى أنها تعنى للمرة الأولى فى بلد كمصر إدارة التغيير الثورى عن طريق نخبة مدنية، وأن هذه النخبة هى دون جدال نخبة المستقبل التى حرمت كثيرا من حقها فى المشاركة فى صنع مستقبل وطنها حتى كادت أن تفقد انتماءها لهذا الوطن، لكن هذه السمات الإيجابية لا تعنى من ناحية أخرى أن ثورة الشباب بلا مشاكل، ولا شك أن المشكلة الأهم هى أن شباب الثورة دون قيادة موحدة، وأعلم أن البعض سيسارع إلى نفى هذا الحكم، ولكن حتى إذا كان شباب التحرير موحدى الإرادة على مطلب واحد ومشروع بالتأكيد فإنهم بمفهوم المخالفة يجب أن يسلموا أن الشباب الذين غادروا ميدان التحرير لعدم تمسكهم بمطلب رحيل رئيس الجمهورية أكثر تقبلا لفكرة الحوار، وأكثر ثقة فى استحالة خداع النظام لجماهيره. مرة أخرى يجب كذلك التسليم بأنه بسبب هذه المشكلة أى مشكلة القيادة فإن قوى كثيرة بعضها أحزاب «كرتونية» وبعضها أفراد لا يستحقون أن يوجدوا فى المشهد السياسى الراهن أصلا دون إنكار للقيمة الرفيعة لعدد من الأشخاص الذين بادروا بالحوار ويحاولون إدارته على نحو يصل بالوطن إلى بر الأمان قد سارعت أى هذه القوى إلى محاولة القفز على الثورة. صحيح أن الشباب لا يعترفون بصفتهم التمثيلية، لكنهم من الناحية الواقعية صاروا موجودين فى مشهد الحوار الحالى. وهذه المسألة أى مسألة وحدة القيادة مشكلة يتعين على شباب الثورة أن يحلها جذريا فى أسرع وقت ممكن مع الاعتراف بصعوبة هذه المهمة بكل تأكيد.
بل إن المهزلة أن بعض القوى الخارجية التى لم يعرف عنها دعم التطور الديمقراطى الحقيقى لا فى مصر ولا فى غيرها كالولايات المتحدة، أو القوى التى لا ناقة لها ولا جمل فى الثورة المصرية كإيران، قد شاركت فى محاولة القفز على الثورة وسرقتها. ومع ذلك فإن ثمة مسألة مهمة يتعين على شباب الثورة أيضا أن يعترفوا بها بغض النظر عن طهارتهم المطلقة، وهى أن الثورة المصرية الراهنة لابد أن تكون ساحة لفعل قوى معينة تعمل من أجل مصالحها، ومع كل التقدير للمقاومة الفلسطينية فى غزة فإن خروج أحد قادتها من السجن ودخوله إلى وطنه بعد الحد الأدنى من مدة السفر من السجن إلى غزة يعنى أن هناك تنظيما رفيع المستوى وراء المسألة، والأمر نفسه ينسحب على تفجير أنبوب الغاز فى العريش. ما أقصده إذن أن ثمة فارقا بين البراءة المطلقة للثورة من شبهة التأثر بمخططات خارجية وبين ضرورة أن يأخذ شباب الثورة فى اعتباره وجود مخططات تعمل بدأب حاليا فى الساحة المصرية من أجل تحقيق مصالحها. وأخيرا وليس آخرا فإن شباب الثورة يجب أن يبحث بجدية فى معضلة تداعيات الثورة على الاقتصاد المصرى، بمعنى أنه لا يجب أن يكتفى بالإصرار على رحيل الرئيس، ولكن عليه أيضا أن ينظر فى الآليات التى يمكن بها تقليص آثار الثورة على اقتصاد الوطن.
هذا الشباب العظيم إذن تستحق مصر منه أن يبلور قيادة لثورته غير المسبوقة على نحو يكفل حمايتها، وأن يهتم بالنظر فى اقتصاد الوطن بالإضافة إلى اضطلاعه بمهمة التغيير التاريخية فى بلد طال شوقه للتغيير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.