وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 18 مايو 2024 بعد آخر انخفاض    أسعار الخضر والفاكهة في سوق العبور اليوم السبت 18مايو 2024    توريد 196 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة حتى الآن    الاحتلال يزعم اغتيال قيادي بارز في حركة الجهاد الإسلامي في غارة على رفح    لاعب نهضة بركان: الجميع يعي المسؤولية لحصد لقب الكونفدرالية    قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا.. صراع أوروبي على ضم محمد عبدالمنعم لاعب الأهلي    محافظ القليوبية يتابع امتحانات الشهادة الإعدادية العامة والأزهرية في بنها وطوخ    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي ب 33 مليون جنيه خلال 24 ساعة    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجنود الروس إلى 491 ألفا و80 جنديا منذ بدء العملية العسكرية    وزير التعليم يصل بورسعيد لمتابعة امتحانات نهاية العام.. صور    «الإسكان»: بدء تسليم أراضي «بيت الوطن» بالمرحلة التكميلية غدا    بداية من اليوم.. رابط التقديم في معهد معاوني الأمن 2024 عبر موقع وزارة الداخلية (تفاصيل)    باحثة ب«المصري للفكر والدراسات»: القاهرة تعمل لإيجاد حل جذري للأزمة في غزة    مصرع شخصين وإصابة 8 في حادث تصادم سيارتين بالشرقية    التحقيق مع عامل لسرقته 8000 دولار من داخل سيارة في كرداسة    «يضم 100 ألف قطعة».. متحف الفن الإسلامى يفتح أبوابه مجانا اليوم    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    أول تعليق من «الصحة» على متحور كورونا الجديد «FLiRT»    مصر تبدأ المناقشات مع صندوق النقد للحصول على 1.2 مليار دولار    بدء تسليم أراضي المرحلة الثامنة من «بيت الوطن» بالعبور الجديدة.. الثلاثاء المقبل    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    لمواليد 18 مايو.. ماذا تقول لك الأبراج في 2024؟    ليلى علوي: الزعيم عادل إمام مَثَل أعلى لينا وتاريخ عظيم    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    مصدر رفيع: مصر عازمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدانة ممارسات الاحتلال أمام العدل الدولية    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    قبل فتح اللجان، تداول امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالشرقية، والتعليم تحقق    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    جوري بكر بعد انفصالها: «صبرت كتير واستحملت اللي مفيش جبل يستحمله»    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة مصرتفتح باب الغد العربى الجديد
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 02 - 2011


(1)
كما يطل الفجر هالة خافتة الضوء تبشر بانبلاج الصبح شمسا تنشر نورها لتكون الحياة، كذلك أطلت انتفاضة الشباب فى مصر، وها أن الوطن العربى بأقطاره جميعا، فى المشرق كما فى المغرب، يتعرف على ذاته ويكتشف قدراته ويتحرك مندفعا إلى صنع تاريخه الجديد.
إن ميدان التحرير فى قلب قاهرة المعز هو الآن «المركز»، ففيه يؤكد شباب مصر قدرة «الشعب» الأعزل إلا من إرادته، على تغيير واقعه المهين، حتى فى مواجهة أعتى قوى التخلف والديكتاتورية المعززة بقدر من الحماية الأجنبية، وإسرائيل ضمنها وفيها وليست خارجها.
ففى ميدان التحرير فى قلب قاهرة المعز، كما فى الميادين والساحات والشوارع فى سائر مدن مصر وقصباتها، يستعيد الشعب حقه فى كتابة تاريخه، مستكملا ما باشرته الانتفاضة المباركة فى تونس، مضفيا على تكامل التجربتين القرار بإعادة صياغة الواقع العربى بإرادة الناس وعبر المواجهة المباشرة مع حكام القهر والعسف فى العديد من «الدول» العربية التى يغّيب حكامها شعوبها، موكلين إلى أنفسهم مهمة تمثيلها بتفويض مطلق ومفتوح... على الأبد.
لقد أثبت فتية مصر، ما كان أكده قبل أسابيع قليلة فتية تونس، من أن اجتماعهم على الهدف أقوى من كل أسلحة القمع التى، يمتلكها السلطان، وأفادوا من بعض حقائق العصر وأهمها أن العالم قد غدا قرية كونية، وان وسائل الاتصال الحديثة تربط بينهم وتوصل أصواتهم إلى العالم كله وليس إلى بعضهم البعض فقط، فتنوب عن المنظمات والأحزاب ووسائلها التقليدية (البيانات والمنشورات السرية وحتى الكاسيت التى تعمم ليلا وخلسة، واللقاء بعيدا عن أنظار شرطة القمع وأجهزة التنصت)..
لقد حطم هؤلاء الفتية الأبرار حاجز الخوف فى طول الوطن العربى وعرضه، بل إنهم نجحوا فى نقل الخوف إلى سلطة القمع وأجهزتها، فإذا هى ترتبك وتنشق على نفسها، لاسيما وأن الجيش فى تونس بداية وفى مصر الآن قد اتخذ الموقف الحاسم والحافظ لشرف سلاحه الذى يحمل تاريخ مواجهاته مع الاستعمار البريطانى ثم مع الاحتلال الإسرائيلى.
وها هى شرارات الثورة تتطاير فتشعل الحرائق فى قصور أهل النظام العربى من أقصى المغرب الى أدنى المشرق.
( 2)
وإذا كان لتونس الفضل فى إطلاق الرصاصة الأولى فإن المعركة الحاسمة على المستوى القومى هى هذه التى تشهدها مصر وتتوالى تداعياتها فى مختلف الأرجاء.
بعد تونس، ونتيجة للجغرافيا، ارتج النظام الحديدى المقفل على نفسه فى الجزائر، فإذا به يفتح خزائنه المتخمة بالذهب ليحاول رشوة شعبه ببضعة مليارات من الدولار، تخفيضا فى أسعار الحاجيات الضرورية، وبإطلاق سيل من الوعود بتنفيذ مشاريع عمرانية وإنتاجية كانت نائمة فى أدراج حملة الأختام فى انتظار الرشوة الأعلى.
الأخطر: إن هذه النظام الذى يحكم كغيره من أنظمة القمع فى الدنيا العربية قد اضطر إلى رفع حالة الطوارئ المعلنة فى البلاد منذ بداية التسعينيات، والتى اتخذ النظام من تنامى شعبة الإسلاميين وفوزهم فى المرحلة الأولى من الانتخابات التى عطلها خوفا من الفوز الكاسح لأولئك الذين كانوا رفاق السلاح فى ثورة التحرير ثم فى جبهة التحرير الوطنى الحاكمة!
وفى المغرب يسود القلق، فبرغم ثبات العرش إلا أن الأحزاب التى تتناوب على الحكم فى ظله، قد شاخت بمعظمها، وغيب الموت أو المرض قياداتها ذات التاريخ النضالى، وتقدم الصفوف «نخبا» من البيروقراطيين أو الخارجين من أحزابهم أو عليها، فى حين يغرق الشعب المغربى فى دياجير فقره، وتختفى خلف الواجهات اللامعة للمدن، بعيدا عن القصور الملكية هائلة الفخامة، مدن الصفيح التى يحتشد فيها بمجموعها ملايين الفقراء والمعدمين والعاطلين عن العمل، من أحفاد أبطال التحرير الذين قضوا فى ميادين الجهاد ضد الاحتلال الأجنبى وحفظوا كرامة العرش وأسرته الحاكمة.
أما فى اليمن فقد أكمل الحاكم بأمره فى صنعاء فصول الكوميديا التى يلعب بطولتها منذ دهر، والتى يتقلب دوره فيها بين الخليفة والإمام والسلطان والرئيس المنتخب وشيخ العشيرة والقائد الأعلى والإمبراطور...
وهكذا خرج على الناس معلنا التوبة عن طلب التمديد أو التجديد، مقسما بأغلظ الإيمان انه لن يورث الحكم باعتباره من ضياعه ابنه أو أخاه أو بعض ذوى القربى، وانه سيجرى انتخابات حرة، وانه سيرفع يده عن المؤسسات لكى تسود الديمقراطية والعدالة والمساواة بين مواطنيه الذين يهربون من بؤس فقرهم إلى الجنة الوهمية فى مجالس القات حيث يخزنون أحلامهم فى التغيير!
(3)
فإذا ما اقتربنا من قلب المشرق فوجئنا برئيس الحكومة التى لما تكتمل فى العراق نورى المالكى، يخرج على الناس متعهدا بالا يطلب ولاية ثالثة، مع انه بالكاد قد باشر ولايته الثانية، وبعد انتخابات مدولة، شاركت فيها إضافة إلى الإدارة الأمريكية وقوات احتلالها التى استكملت ما كان بدأه الطاغية صدام حسين من تدمير للعراق، دولة ومؤسسات ووحدة شعب، دول عدة، أبرزها تلك التى فى الجوار، ثم العشائر والقبائل والطوائف والمذاهب والعناصر، التى أسهم الجميع فى استيلادها، مرجعين ارض الرافدين الى مرحلة ما قبل الدولة، فارضين على شعبه ضروبا من التقسيم الأخذ الى حرب أهلية لا تنتهى.
ولعل ملك الأردن الذى بالكاد يعرف « العربية» قد استخدم تعبير «الهلال الشيعى» كعنوان لمسلسل من الحروب الأهلية التى كان العمل جاريا لإطلاقها بامتداد الوطن العربى، بدءا من لبنان وصولا الى العراق أو بالعكس، مع علامات استفهام حول الأوضاع فى الجزيرة العربية بقلبها وأطرافها، لاسيما فى البحرين والكويت، وتساؤلات عن انعكاس ذلك كله على «المنطقة الشرقية» فى مملكة الذهب الأسود.
وكان ملفتا، بل مستفزا، أن تندفع الأسرة السعودية إلى إعلان مساندتها للحكم المهدد بالسقوط فى مصر، نتيجة لانتفاضة شعبه، وان تجهر بدعمها لهذه السلطة المتهالكة والمتوقع أن يطوى التاريخ صفحتها بين يوم وآخر.
وبديهى أن معظم تلك المشيخات التى صارت «دولا»، فى غياب قدرة الأمة على القرار، قد جهرت بمساندة النظام المتهاوى فى مصر، خضوعا لأمر امريكى لا يرد، وحماية لنموذج ردىء للحكم يبعد الشعب العربى الأعظم عديدا وخبرة وإيمانا بالدولة والأغنى تاريخا بالتجارب، وعدة الأمة فى مواجهة أعدائها لاستنقاذ مستقبلها... ففى غيبة مصر يتعاظم حجم الصغير وتختل منظومة القيم فإذا القرار فى أيدى أعداء الأمة.
فى أى حال، فقد تجاوزت الأمة بفضل الانتفاضة المجيدة فى مصر، وطليعتها التونسية مخاطر الفتنة الكبرى الجديدة التى كان يراد لها أن تشعل الأرض العربية، وان تغرق الأمة بدمائها، عبر تنظيم تصادم مقصود بين مكوناتها، باستخدام الطائفية والمذهبية أسلحة فتاكة فى حرب أهلية لا تنتهي، والنصر فيها أفظع من الهزيمة، اذ ستتساقط الدول والكيانات وتغرق الشعوب فى بحر من دمائها، بينما يحتفل أرباب الهيمنة الاميركية والاحتلال الإسرائيلى بانتصار تاريخى لم يكن يدانى أحلامهم..
(4 )
وهكذا يتخلص الحلف الجهنمى للشركاء فى إطلاق شرارة الفتنة من الأمة العربية جميعا: من ادعاءات وحدتها التى ستغرق فى بحر دمائها، ومن قضية فلسطين عنوان جهادها من أجل التحرر واستعادة قرارها المصادر، ثم من «جماهيرها» التى إن اجتمعت أسهمت فى صناعة العالم الجديد، وان تبعثرت واقتتلت أعيدت الى الجاهلية، بينما الدنيا تسير الى غد مبهر لم يكن يخطر فى بال الشعراء أو كتاب روايات الخيال العلمى.
إن لفلسطين حضورها العظيم فى أى انتفاضة عربية، حتى وان ظلت الشعارات المحلية طاغية فى هتافات المحتشدين فى ميدان التحرير وسائر الساحات، فى مصر أساسا، ومن قبل فى تونس ثم فى الجزائر وصولا الى اليمن.
ذلك أن فلسطين تستبطن شعارات الحرية والكرامة واستعادة القرار الوطنى، بقدر ما تتبدى واضحة فى الهتاف ضد الطغيان وقهر الإرادة. ففلسطين هى التجسيد العملى لإرادة التحرر، وهى العنوان المضىء للغد العربى فى كل أرض عربية.
وليس الا تحايلا على الواقع وطمسا للحقيقة، أن تدعى حكومة الاحتلال الإسرائيلى انها ليست قلقة من انتفاضة الشعب فى مصر، وان الأحداث تؤكد «أنها الدولة الوحيدة التى تحظى بالاستقرار فى هذه المنطقة المضطربة»..
لقد كشفت الانتفاضة تهاوى «السلطة الفلسطينية» وترديها، متوجهة الى شعب فلسطين وليس الى التنظيمات، سواء تلك التى شاخت ولم تخرج من الميدان لأنها لم تجد من يخرجها حاملا راية التحرير مجددا، أو تلك التى تشغلها «السلطة» عن الوطن ومشروع الدويلة المرتهنة لإرادة العدو عن استعادة وحدة الشعب المبعثر بين هويات عدة، عربية وأجنبية.
وليس من باب الأحلام أن نتصور ميلادا جديدا لحركة التحرير الفلسطينية.
إن أهل النظام العربى جميعا يعيشون مخاوف لحظة السقوط.
إن مصر تعود لتتقدم الصفوف نحو الأهداف التى عز الوصول إليها فيما مضى..
( 5)
ان عروبة جديدة، معافاة وواعية بقوانين عصرها، هى تلك التى تستولدها انتفاضة مصر، ومعها انتفاضة تونس، وسائر التحركات الشعبية التى تستعد لإكمال المسيرة فى الأقطار العربية الأخرى.
حمى الله انتفاضة شعب مصر، التى تفتح باب الفجر لشمس الغد العربى الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.