رحل إبراهيم الحرايجي، أمين الشرطة الإسماعيلي، منتحرًا بطلقة من مسدسه الميري أطلقها داخل فمه، وبقي سر انتحاره لغزًا لا يزال يثير التساؤلات. الوجوم والذهول يكسوان ملامح أشقائه وجيرانه في قرية الكيلو 2 بالإسماعيلية، الكل يتحدث عن أخلاق الشاب الذي كان يخطو نحو عامه الثلاثين، وعلاقته الطيبة بجيرانه وتصرفاته المتزنة البعيدة تمامًا عن مجرد الشك في اضطرابه نفسيًّا. قبل عام، وفي نفس المنزل، توافد أهالي القرية رجالا ونساء لتقديم واجب العزاء في والد إبراهيم، الذي خرج إلى عمله في الصيد، وعاد غريقًا، وهو المشهد الذي تكرر في وفاة الابن الأصغر، واتشحت القرية بالسواد. البيوت المتجاورة لعائلة إبراهيم تتنوع ما بين المبنى بالطين والحجارة والمسلح، وتتخللها قطع زراعية خضراء وأشجار كثيفة أصبحت وكأنها بيت واحد أعلن الحداد على فقيده. داخل منزل الأسرة البسيط ذي الثلاثة طوابق، والذي يضم 5 أشقاء (3 أولاد وبنتين) التقت "الشروق" ب"غريب"، شقيق إبراهيم الأكبر، قال الرجل والحزن يبدو على وجهه: شكوى إبراهيم الوحيدة كانت من العمل، رغم أنه سعى كثيرًا حتى التحق بمعهد أمناء الشرطة بعد حصوله على دبلوم الزراعة، وعين شرطيًّا بإدارة المرور منذ 7 سنوات، وتولى عمله في المزلقانات، ومن فترة قال لي: "أنا عايز أشتغل في الشغل الإداري، زهقت من الوقوف على المزلقانات، أنا ناوي أطلب نقلي لإدارة المرور". يضيف الأخ: "لكن المشكلة ما توصلش لدرجة إنه ينتحر"، وبإنفعال شديد ينفي عن شقيقه الاضطراب النفسي، ويقول: "كان زهرة العيلة، طول عمره مؤمن ويعرف ربنا وسلوكه سوي والجميع يشهد له، وفكرة وفاته منتحرًا تزعجني جدًّا لأني مش عارف سبب انتحاره". غريب قبل أن يتوجه لتأدية الصلاة بمسجد القرية رفض تمامًا نشر صورة شقيقه وردد: "خلاص اللى حصل حصل، وإبراهيم مات، صورته إيه فايدتها؟"، وسار فى طريقه. أما زوجة إبراهيم التى أصيبت بصدمة عصبية فور علمها بالحادث، فترقد في شقتها أعلى شقة الأسرة، تاركة رعاية ابنتها عائشة، والتي لا تتعدى الشهرين من عمرها، لإحدى عمتيها. عاطف عبد الله، أحد جيران الأسرة، أكد على السمعة الطيبة وهدوء طباع إبراهيم وقال: "آخر ما أتوقعه أن ينتحر وبهذه الطريقة البشعة". محمد، صبي من المنطقة، قال: أنا شفته قبلها بيوم كان راجع هو وزوجته وشايل بنته وشكله كان مبسوط. أما الحاج فاروق، الخفير الذي يسكن في البيت المجاور لمنزل الشاب المنتحر، فيصفه بأنه "أجدع واحد في المنطقة، وبعيد عن المشاكل، الكل بكى عليه، حتى الأطفال". التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة أكدت أن إبراهيم ترك وردية عمله بمزلقان الدوحة بمنطقة الشيخ زايد في الإسماعيلية قبل انتهائها، واستقل سيارة أجرة، وفور ركوبه أخرج سلاحه الميري، ووضعه في فمه وأطلق الرصاص، فخرجت الطلقة من رأسه. أما السر؟ فلا تزال التحقيقات عاجزة عن الوصول إليه.