قالت هيئة مفوضى الدولة فى حيثيات توصيتها بإصدار حكم برفض دعوى إلغاء انشاء جدار عازل بين مصر مع قطاع غزة، إنه «لا يحق للقضاء المصرى النظر فى ذلك أو إبداء رأيه فيه، لأن الأمر كله من سلطات رئيس الجمهورية ولا يحق للقضاء مراقبته»، مضيفة أن «المادة 74 من الدستور تتيح لرئيس الجمهورية اتخاذ الإجراءات السريعة المناسبة لمواجهة الأخطار المحدقة بسلامة الوطن». واعتبرت هيئة المفوضين وهى هيئة قضائية بمجلس الدولة تصدر توصيات غير ملزمة للمحاكم أن قرار إنشاء الجدار «يندرج تحت هذه المادة الدستورية»، وأن أسباب القرار «أمنية بحتة يدخل تقييمها فى سلطة رئيس الجمهورية». وجاء فى التقرير، الذى حصلت «الشروق» على نسخة منه، أن المادة 73 «تلزم رئيس الجمهورية بالدفاع عن مصالح الشعب وسلامة الوطن، والمادة 151 تمنحه حق إبرام المعاهدات وإبلاغها لمجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة»، مستندا فى تبرير إنشاء الجدار العازل باعتباره «عملا سياديا» إلى (اتفاقية المعبر)، التى عقدت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بصفتها «الاتفاقية المنظمة لانتقال المواطنين الفلسطينيين عبر حدود قطاع غزة»، وأكد التقرير أن الأحكام القضائية لمجلسى الدولة المصرى والفرنسى استقرا على أن «أعمال الدفاع عن الحدود والتحكم فى سيادة الدولة هى أعمال سيادية وليست إدارية، ولا يجوز الطعن فيها»، لافتا إلى أن «دراسة الاختصاص الولائى لمحكمة القضاء الإدارى يعتبر من النظام العام، ويكون مطروحا دائما أمام المحكمة كمسألة أولية أساسية تقضى فيها المحكمة من تلقاء ذاتها دون دفع من الخصوم، وبالنظر لموضوع الدعوى فإنه لا يخضع لرقابة القضاء عموما والقضاء الإدارى بصفة خاصة». من جهته، قال السفير إبراهيم يسرى، مقيم دعوى إلغاء إنشاء الجدار العازل، إن تقرير المفوضين «ركز اهتمامه على أوجه دفاع الحكومة أكثر مما أبداه المدعون»، منتقدا إصرار الحكومة على «تفادى الرقابة القضائية بالاحتماء ب(فزاعة أعمال السيادة) رغم مبادئ القضاء المصرى المستقرة على عدم التوسع فى تصنيف هذه الأعمال، حفاظا على المشروعية والمصلحة الوطنية العليا». وأضاف: «جميع حيثيات التقرير مردود عليها بالواقع والقانون، فحالة الضرورة القصوى والخطر الجسيم المذكورة فى المادة 74 من الدستور لم تتحقق على الإطلاق، لأن مواطنى قطاع غزة لم يشكلوا لأى مواطن خطرا جسيما ولم يؤثروا سلبا على أمن المجتمع والنظام العام». وشدد يسرى على أن اتفاقية المعبر «لم تكن مصر طرفا فيها حتى تطبق عليها، كما أن أجلها انتهى قانونا لعدم تجديدها»، وأن التقرير «تجاهل ضرورة سريان القواعد الحاكمة لجميع منافذ الجمهورية على حدود مصر مع غزة، لأنه منفذ مثل الموانئ والمطارات»، كما تغاضى عن «التزامات مصر الناشئة عن معاهدات دولية صارت جزءا من التشريع المصرى». وقال إن لجنة تقصى الحقائق بغزة التابعة للأمم المتحدة «أوصت بإلزام كل الدول الجارة لفلسطين باتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين فى وقت الحرب، وبطلان إغلاق المعابر الحدودية من وإلى غزة أو فرض قيود عليها، لتلافى تعريض السكان المحليين للمشقة والحرمان، كما أوصى بمحاكمة كل من شارك فى حصار القطاع بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية». واستشهد يسرى على بطلان الجدار العازل بالفتوى التى أصدرتها محكمة العدل الدولية عام 2004 بشأن بناء إسرائيل جدارا عازلا مشابها لما تبنيه مصر حاليا على الحدود بينها وبين قطاع غزة، حيث رفضت المحكمة اعتبار بناء الجدار مسألة سيادية أو قرارا سياسيا، وادعاءات إسرائيل بأن له اعتبارات أمنية، وقررت أن بناء مثل هذا الجدار ينتهك حرية الفلسطينيين فى التنقل ويخالف معاهدة الحقوق السياسية والمدنية. وأوضح أن محكمة النقض أرست الاعتراف بالقانون الدولى العرفى وسريان أحكامه داخل مصر، مما يلزم الحكومة بالالتزام باتفاقيات لاهاى 1907 وجنيف واتفاقية اللاجئين 1951 والبروتوكول المكمل لها 1967 وإعلان الأممالمتحدة بشأن حق اللجوء الإقليمى 1967 والاتفاقية الخاصة بحالة عديمى الجنسية 1961 وميثاق جامعة الدول العربية، وهى تقضى جميعا بفتح حدود مصر الشرقية مع غزة فى حالة الحرب أو الحصار. ومن المقرر أن يرد يسرى على تقرير المفوضين فى 15 مارس المقبل أمام محكمة القضاء الإدارى، علما بأن الدعوى رفعت منذ عام كامل وأحيلت للمفوضين فى 5 أغسطس الماضى.