فى الخامسة والنصف من مساء أمس الأول الجمعة تجمع أقل من خمسين شابا وفتاة فى لمح البصر فى شارع إسماعيل أباظة المتفرع من شارع قصر العينى. وفجأة أخرجوا لافتات كانت مطوية.. فردوها، ورفعوها وبدأوا فى إطلاق هتافات تدعو إلى الوحدة الوطنية. لسوء الحظ لم أستطع سوى مشاهدة أقل من ثلاث دقائق من عمر المظاهرة من نافذة شقتى، لكنها كانت دقائق حافلة وموحية ومؤثرة. الهتاف اللافت للمظاهرة هو «اصحى يا مصر»، إضافة إلى الهتاف الذى صار تقليدا فى معظم المظاهرات والمسيرات التى خرجت فى أعقاب التفجير الإرهابى بالإسكندرية وهو «اسمى مينا واسمى حسين.. شعب واحد مش شعبين». عندما علا صوت المتظاهرين انفتحت كل نوافذ المنازل.. خرج الجميع ليعرفوا ماذا يحدث.. وبعضهم أشار للمتظاهرين بيده تأييدا لهم. الأكثر لفتا للنظر.. فتاة لا يزيد عمرها على العشرين.. محجبة تحمل فى يدها منشورات، لا أعلم محتواها وإن كان يسهل التخمين، خصوصا أن بعض الهتافات كانت ضد تقصير الحكومة وأجهزتها. الفتاة كانت تحاول إعطاء كل شخص بالشارع ورقة من المنشورات.. البعض كان يأخذها بدافع الفضول.. والبعض الآخر يمانع ويحاول التملص والهرب من استلام المنشور وكأنه فيروس قد يصيبه بالجرب. فتى لا يزيد عمره على الخامسة عشرة يعمل فى أحد المحال بالشارع حاول الالتحاق بالمظاهرة، لكن صاحب المحل نهره فعاد أدراجه بسرعة.. بدأت المظاهرة تبتعد فى اتجاه ضريح سعد وشارع نوبار، وصوت الهتافات يخفت لكن المؤكد أنها تركت أثرا ولو قليلا لدى بعض المواطنين الخائفين أو غير المكترثين.. قد يقرأ أحد هذا المنشور.. فيفكر ويتأثر ويقرر أن يكون إيجابيا.. ويتخذ قرارا نهائيا أن مشكلة المصريين ليست هى الفتنة الطائفية. مشكلة المصرى ليست المسيحى ودينه، ومشكلة المسيحى ليست المسلم ودينه.. لكن مشكلة الاثنين معا هى الاستبداد والفساد وغياب الديمقراطية. أمثال هؤلاء المتظاهرين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين يستحقون أن نحييهم ونشد على أيديهم، لأنهم فهموا القضية بسرعة رغم صغر سنهم، والأهم أنهم قرروا أن يكونوا إيجابيين، ونزلوا الشارع فى مسيرة سلمية والأكثر أهمية أن هدف المظاهرة يفترض أن عليه إجماعا كبيرا من الجميع.. فمعظمنا على الأقل مع المواطنة والمساواة. رغم كل مأساوية ما حدث فى كنيسة القديسين فى سيدى بشر فإنها كشفت لنا عن أشياء جيدة كثيرة كنا نظن أنها اختفت.... فعندما يكون هناك الكثير من الشباب.. مسلم ومسيحى، يخرجون إلى الشارع ويهتفون ولا يخشون هراوة الأمن أو سيف الاتهامات والمحاكمات وربما السجون، فالمؤكد أن الإصلاح ليس هدفا مستحيلا، والأكثر تأكيدا أن شق وحدة هذا الشعب وإثارة الفتنة الطائفية ليست هدفا سهل المنال للساعين إليه. كثيرون تصوروا أنه وبعد اعتقال وبدء المحاكمة العاجلة للنشطاء الثمانية الذين تظاهروا أمام كنيسة العذراء بشبرا فإن بقية النشطاء سوف يجلسون فى منازلهم ولا يجرأون على التظاهر مرة أخرى، لكن مظاهرة مساء الجمعة الماضية وغيرها على بعد أمتار من وزارتى الداخلية والعدل ومربع الوزارات، أثبتت أن هؤلاء ورغم قلة عددهم يملكون قضية عادلة يدافعون عنها. لو كانت الحكومة جادة فى مقاومة التطرف فعليها أن تشجع أمثال هؤلاء الشباب.. لأنهم رصيدها الحقيقى لمواجهة الإرهابيين وقوى الظلام.