الطريق من مقر اتحاد الكتاب بالزمالك إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية يستغرق أكثر من ثلاث ساعات فى يوم مثل أمس الأول: عيد الميلاد المجيد. تأخر وفد الكتاب الذين كانوا على موعد مع البابا شنودة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وتهنئته بالعيد، نحو ساعتين، انشغلوا خلالها بمناقشة قضايا الأدب، ومحاولات تفسير الأسباب الحقيقية وراء حادث الإسكندرية. اجتمع الكل على أن النظر إلى التربية والتعليم والخطاب الدينى هو أساس الموضوع. الزحام بدأ من ميدان التحرير، ومع صعود السيارة كوبرى أكتوبر بات المشهد مرعبا، وبعد فترة طويلة جدا، وصلت السيارة إلى منزل غمرة، حيث برج الكاتدرائية على مرمى البصر. بعد مشاورات مع رجال الأمن، فتحوا الطريق للسيارة التى أقلت محمد سلماوى رئيس الاتحاد، وخيرى شلبى وإبراهيم أصلان وجابر عصفور وأحمد عبد المعطى حجازى ويوسف الشارونى وفاروق شوشة. الفرحة لم تتم، فقد كان شارع رمسيس عند غمرة مثل جراج كبير، لا تتحرك فيه السيارات خطوة واحدة. بالهاتف عرف الوفد أن الأمر ليس زحاما عاديا، ولكن قوات الأمن سدت الطريق عند مطلع كوبرى غمرة، ومع المحاولات عرف القائمون على المرور فى المنطقة أن هناك وفدا ثقافيا رفيعا فى طريقه للبابا، فقرروا فتح الحارة اليسرى من الطريق لتمر السيارة، ولكن دون جدوى. لأن المشكلة تعقدت أكثر عندما اتجهت كل السيارات إلى الحارة المرورية التى فتحت فزاد الزحام، وبدأ أعضاء الوفد يفقدون أمل اللحاق بموعدهم، خصوصا أنهم كانوا يعرفون أن قداسة البابا على موعد مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بعد موعد الكتاب مباشرة. «إحنا حاولنا، لو قدرنا نوصل يبقى كويس، ولو ما قدرناش يبقى عملنا اللى علينا»، قالها جابر عصفور، لكن المشكلة أنه لم يكن هناك سبيل للعودة، فالطريق لا توجد به فتحات للعودة، ولا بد من المواصلة حتى غمرة. الكاتب محمد سلماوى اتفق مع باقى ركاب السيارة فى وجود عذر لهذا الارتباك والقلق بعد جريمة الإسكندرية، خصوصا بعد الأنباء التى ترددت يومها عن العثور على قنبلة فى إحدى كنائس المنيا، الخبر الذى اتضح أنه شائعة. بصعوبة بالغة وصلت السيارة إلى كوبرى غمرة، وأشار رجال الشرطة إلى أنه لا بد «من ترك السيارة هنا والترجل إلى مبنى الكاتدرائية». كان جابر عصفور يعانى آلاما مبرحة فى ساقه، وبدأ يفكر فى الانتظار بالسيارة، لكن الأصدقاء شجعوه على استكمال الطريق، «فات الكتير ما بقى إلا القليل». الطريق من نهاية كوبرى غمرة إلى الباب المقصود بالكاتدرائية كان عرضه نصف متر اصطف على جانبيه رجال الأمن، وعند الباب انتظر الوفد إبلاغ المسئولين بالداخل كى يخرج من يصطحب المجموعة، وتركت ضابطات الأمن مقاعدهن ليجلس إبراهيم أصلان وجابر عصفور ويوسف الشارونى الذى كان يسير ببطء شديد معتمدا على عصاه. داخل القاعة رحب رجال الكنيسة بالكتاب، كانوا يعرفونهم: «نحن أصدقاؤكم على الورق، ونعرفكم جيدا من خلال ما تكتبون»، قالها أحد الأساقفة بود وترحاب كبيرين، وتذكر عصفور مع المضيفين أيام الصبا عندما كان يذهب مع أصدقائه المسيحيين إلى الكنيسة ويذهبون معه إلى المسجد، وكيف أنه كتب أكثر من مرة فى هذه المسألة، فداعبه أحد الأساقفة: «أنت إذن جابر خاطرهم»، وعرّف الرجل نفسه ببشاشة: «أنا الأنبا موسى أسقف الشباب»، يكمل: «ذات مرة كتبت مقالا، ورد فيه عن دون قصد مصطلح الأقباط، وكنت أقصد المسيحيين، ففوجئت بمقال الكاتب نبيل عمر يرد على منزعجا، ويقول أن الأقباط ليسوا فقط المسيحيين، ولكن كلنا أقباط». وطالت الدردشة فى انتظار البابا، حول المظاهرة التى قام بها شباب شبرا، ومعناها المحترم، الذى خرج مع الهتافات «اسمى جرجس أخويا حسين، شعب واحد مش شعبين». مع دخول قداسة البابا شنودة إلى القاعة، تهللت أسارير الموجودين، لكن أحدا لم يغفل محاولات البابا فى مداراة أحزانه وراء بشاشته أثناء الترحيب بالضيوف، وقال له رئيس اتحاد الكتاب إن هذه الزيارة للتهنئة بالعيد، وليست للعزاء فى ضحايا جريمة الإسكندرية: «لأن هؤلاء الضحايا ضحايانا، ولن نعزى أنفسنا». وأهدى جابر عصفور للبابا شنودة نسخة من كتابه «نقد ثقافة التخلف»، فلفت نظره العنوان مختلفا حول مصطلح «ثقافة التخلف»، فهو يرى أن الثقافة لا بد وأن ترتبط بالتقدم. قبل المغادرة، دخل القاعة أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى لتهنئة البابا بالعيد. كانت رحلة الخروج أسهل قليلا من الدخول، فالكل كان مشغولا بأجواء الاحتفال ولم يكن هناك من يصحب الوفد، ورغم إجهاد أعضاء الوفد من الرواح والمجىء حتى العثور على طريق صحيح، بانت البهجة على وجوههم عندما تصادف خروجهم إلى السيارة مع انطلاق أجراس الكاتدرائية بنغمات رائقة تستقبل العيد المجيد، ربما ذكرتهم بالأيام الخوالى.