الأكيد أن جريمة الإسكندرية، حادثة كبرى، وعلامة فارقة فى تاريخ الأقباط الحديث، والأكيد أيضا أنها كشفت عن غضب كان مخفيا فى الصدور ومنزويا فى العقول.. الغضب انطلق وهاج وماج وبدا واضحا خلال الأيام الماضية.. أما ما هو منزو فى العقول ومغلقة عليه الأبواب فلم يطرحه أحد بصراحة ووضوح حتى الآن.. الغضب، هو بالضرورة نتاج طبيعى لبشاعة المشهد الذى جرى أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية ربما جاوره بعض الغضب المخزون من حوادث سابقة جرت وقائعها خلال الأعوام، غير القليلة، الماضية وهو غضب امتزج بالعنف والصوت العالى الذى يصل إلى حد الصراخ.. من الممكن تفهم كل ذلك.. لكنه للأسف لا يتيح الأمر للنقاش ولا يحيل القضية للحوار، بل يضفى على المشهد العام مزيدا من الشوشرة والارتباك وربما خلط الأمور بما يصعب مهمة طرحها أمام الرأى العام بالشكل الذى ينبغى أن تطرح به. خلف الأبواب المغلقة.. الكثير من قضايا الأقباط التى لم يتم حسمها حتى الآن، بل لم تطرح للنقاش العام، النقاش الحر الذى يؤدى إلى النتائج الجيدة.. بل كان يعمد الجميع إلى مواراة هذه القضايا خلف الأبواب المغلقة، أو تأجيل طرحها أو عرضها على الرأى العام.. وأعتقد أن مصر الآن فى حاجة ملحة لأن تعرف كل شىء، وتعلم دقائق الأمور، حتى يعرف هذا الشعب مستقبله، أو على الأقل عناوين ما ينتظره فى قادم الأيام. نحن نريد فتح الأبواب المغلقة ومعرفة ما ورائها لتقديمه وعرضه على الرأى العام بحثا عن مناقشة حرة لا يعطلها خوف، ولا يمنعها رغبة بعض الرافضين أيا كانت الأسباب، نعرض قضايا للمناقشة وفق قواعد واضحة جليّة تبحث عن الصالح العام لهذا الشعب.. وتتكفل بوضع الأمور داخل إطارها الصحيح. وراء الأبواب المغلقة، قانون دور العبادة الموحد وأزمة بناء الكنائس والمشاركة السياسية للأقباط، سواء فى الأحزاب القائمة، أو حتى عبر حركات التغيير.. لدينا أيضا وراء الأبواب المغلقة أسئلة كبرى تبحث عن إجابات جادة تخص كيفية تحول الأقباط من الهم الخاص إلى الهم العام، كيف يعودون للمشاركة فى جدول أعمال الوطن، وهو جدول مزدحم يحتاج مشاركة الجميع، جدول يعرف فقط المواطن باعتباره مصريا، لا مسلما أو قبطيا، جدول أعمال يهتم بالمأكل والملبس.. بالتعليم والعلاج بالنهوض بالحضارة.. جدول يحمل عنوانا وحيدا هو تقدم هذه البلاد. ورغم روعة المشهد الإنسانى بتضامن المسلمين مع الأقباط فى الحزن والغضب، ورغم التعبير الواضح عن الرفض القوى لما حدث منتصف ليل الجمعة الماضى بالإسكندرية.. ورغم كل المواقف المعبرة عن الإخاء فى هذا الوطن.. تبقى مناقشة القضايا القابعة وراء الأبواب هى البداية الحقيقية لحل مشكل صار مزمنا، وبات من الواضح أن تركه لا يحله وأن مواجهته باتت ضرورة قصوى. فى الصفحات المقبلة.. نفتح الأبواب بهدوء لطرح ما خلفها على الرأى العام بحثا عن مناقشة حرة هادئة بعيدا عن الغضب، وبعيدا عن العواطف الطيبة، التى هى حقيقية فعلا تجاه الأقباط، لأننا فى «الشروق» لا نرى سوى الحوار للخروج من هذا المأزق المتكرر والمؤلم والذى نخاف جميعا من عواقبه.. ففتح الأبواب أفضل من اقتحامها.