الحوار مع بطرس بطرس غالى، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان لم يكن منصبا على حالة حقوق الإنسان فى مصر، فلم يكن من السهل تفويت الفرصة فى الحديث معه عن سياسة مصر الخارجية أيضا لأن الرجل شغل مناصب مرموقة فى الداخل حتى وصل لمنصب وزير الدولة للشئون الخارجية، ثم عمل سكرتيرا عاما للأمم المتحدة. انتقد غالى فى حواره مع «الشروق» سياسة مصر تجاه أفريقيا وخاصة دول حوض النيل وأكد أن الدور المصرى تراجع فى أفريقيا منذ فترة التسعينيات بعد انتهاء الحرب الباردة وحصول جميع الدول الأفريقية على استقلالها. وبقدر استرسال غالى فى الحديث عن الشئون الخارجية وخاصة الأفريقية واتهامه مصر بالانشغال بالقضية الفلسطينية على حساب قضايا أخرى، بدا متحفظا فى الحديث عن الكثير من القضايا الداخلية، رافضا الحديث عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحملة البرادعى. وأكد غالى خلال الحوار المسجل أن وجوده خارج مصر فترات طويلة لا يؤثر على أداء المجلس القومى، موضحا أن دوره هو تحسين صورة مصر فى الخارج. كما يرى غالى أن التعذيب فى مصر تراجع بعكس ما جاء فى التقرير الأول للمجلس الصادر قبل ست سنوات الذى وصف التعذيب فى مصر بأنه يتم بشكل منهجى، واتهم قوى أجنبية بالتدخل فى الأزمات الطائفية فى مصر، وإلى نص الحوار: • عودتك إلى مصر جاءت بعد أيام قليلة من إجراء الانتخابات البرلمانية.. فما تقييمك لهذه الانتخابات؟ لا أريد التهرب، لكن لم أكن فى مصر أثناء إجراء هذه الانتخابات، والفكرة الوحيدة التى أريد قولها إننى كنت أرغب فى زيادة أعداد المعارضة فى البرلمان فقط. • لكن المفترض أن هناك تقريرا يعده المجلس عن الانتخابات، بشكل عام..هل ترون أن الانتخابات.... رد مقاطعا، التقرير لم يصدر بعد وسيخضع للمراجعة والتصحيح ولا أقدر الحديث عنه. • إلى أى مدى تتطابق هذه الانتخابات مع المعايير الدولية للانتخابات؟ المعايير تختلف باختلاف البلاد، واختلاف الظروف، والجو السياسى، ولا نستطع أن نقول إنها معايير واحدة وهذا هو الخطأ، فعندما تجرى انتخابات فى رواندا نجد أن الأغلبية لقبائل «الهوتو»، فما أهمية هذه الانتخابات إذا كانت الأغلبية مضمونة للقبيلة على حساب قبائل أخرى؟ الذى أريد قوله إن الانتخابات مجرد خطوة فى طريق الديمقراطية ولكنها ليست الديمقراطية، فالديمقراطية هى احترام حقوق الإنسان، وتدعيم الهيئات الحكومية، واتصالات خارجية، عشرات الموضوعات، الانتخابات مجرد خطوة أولى. • معظم الوقت أنت خارج مصر، كيف تتابع وتدير المجلس؟ أولا: لو حسبت ستجدين المدة التى أقضيها وأنا فى الداخل، تساوى المدة التى أقضيها فى الخارج. ثانيا: أجرى اتصالا يوميا مع الأمين العام للمجلس. ثالثا، وهذا هو الأهم: وأنا موجود فى الخارج أعمل إعلاما للمجلس ولصورة مصر من خلال هذا المجلس، وأحضر المؤتمرات المشتركة بين المجلس ودول عربية، أو بين المجلس ومنظمة فنية متخصصة. • وأنت خارج مصر.. هل وصلتك صورة خالد سعيد الذى يحاكم اثنان من رجال الشرطة بتهمة تعذيبه؟ لا. • لم تتابع الواقعة أو تقرأ تقارير عنها؟ قرأت وتابعت لكننى لم أتابع المتابعة المطلوبة وكان عندى عشرات المشاكل، «هذه الحالة بالنسبة لكم هنا تعتبر مشكلة أساسية، لكن أنا عندى لما أعرف أجيب رئيس جمهورية دولة (أ) لافتتاح مؤتمر عن حقوق الإنسان فى مصر أهم بكثير من موضوع آخر، طبعا ستقولون هذا غير متصل بحقوق الإنسان، لكن هذا وثيق الصلة، فوجود رئيس دولة فى مصر للحديث فى مؤتمر أو ندوة عن حقوق الإنسان يعتبر تدعيما لحقوق الإنسان». هذه قاعدة عامة وأنت تحدثيننى عن حالة واحدة، ولا أريد التقليل من أهمية هذه الحالة، لكن أقول لك لا أقدر على متابعة التفاصيل ولدينا خبراء يبحثون الشكاوى ويزورون السجون، على سبيل المثال، أنا لم أزر السجون ولا مرة لأننى اعتبر أن وقتى أهم للاتصال مع الآخرين، وعندنا فى المجلس تقسيم عمل، أنا مهتم بالعمل فى الخارج من خلال الاتصال مع المنظمات الدولية وغير الحكومية، والمجالس المماثلة، والحكومات الأجنبية، فى الدول الأخرى، والاتصال بالرأى العام الأجنبى، لتدعيم صورة مصر فى الخارج من خلال نشاط المجلس واهتمامنا بحقوق الإنسان. • بمناسبة الحديث عن التعذيب، التقرير الأول للمجلس القومى وصف التعذيب بأنه منهجى، والآن وبعد أكثر من ست سنوات.. كيف ترى ظاهرة التعذيب؟ رأيى أنها تراجعت، بدليل أن هناك محاكمات لبعض الضباط الذين اشتركوا فى التعذيب، وتراجعت أيضا بمعنى أن الرأى العام اهتم بها والمجتمع الدولى اهتم بها، ودون مشاركة الرأى العام لا نستطيع النجاح، فنحن فى حاجة لتأييد الرأى العام. • ما هى أهم التشريعات التى يقترح المجلس الدفع بها فى الفترة المقبلة؟ ننتظر صدور التقرير السنوى حتى نرى توصيات اللجان المختلفة، وما زلنا فى مرحلة تحضيرية. • بعض الجمعيات الأهلية، خاصة الحقوقية، متخوفة من تمرير قانون جديد يفرض قيودا جديدة عليها، فماذا سيكون موقف المجلس؟ نحن مهمتنا الدفاع عن المنظمات غير الحكومية التى تتولى الدفاع عن حقوق الإنسان، ونتعاون معها وندعوها فى مؤتمرات، وننفذ مشروعات مشتركة، فهذه المنظمات تكاد تكون مكملة للمجلس وهى تكملة شعبية. • فى تصورك.. كيف يجب أن يكون حدود دور جهة الإدارة، سواء وزارة التضامن أو الاتحاد العام، فى عمل الجمعيات؟ كل هذا سابق لأوانه لم يصدر القانون ولا أقدر الرد بشكل نظرى، ننتظر صدور المشروع وحينها نتكلم أو نعارض أو نؤيد. • ما رأيك فى حملة دعم البرادعى مرشحا للرئاسة فى 2011؟ أنا لا أتدخل فى السياسة. أنا «عجزت»، كنت زمان نشيط فى السياسة وأكتب مقالات بانتظام وأشارك فى ندوات، أما الآن فأجعل نشاطى مقصورا على تحسين صورة مصر على المستوى الدولى، وانفتاح مصر على العالم الخارجى. • لكن توجد وجهة نظر تقول إن الدستور المصرى به مشكلة، فالمادة 76 تضع شروط ترشيح لمنصب الرئاسة مقيدة ولا تحترم تكافؤ الفرص، فتصبح شخصية مرموقة مثل البرادعى غير قادرة على الترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة وهذا يتعارض مع حقوق الإنسان؟ لا تدخلى حقوق الإنسان فى تفاصيل سياسية خاصة بدولة معينة، ففى ساحل العاج جرت انتخابات، أعقبها الآن وجود اثنين من الرؤساء يتنازعان على المنصب، هل نقول هذا مخالف لحقوق الإنسان. هذه قضية خاصة بهذه الدولة وحقوق الإنسان مرتبطة بحالات محددة وكثير منها بعيد عن السياسة. «وألف ما يقدرش يترشح لأنه خبير وليس سياسيا لا علاقة له بحقوق الإنسان»، خطأ أن نتصور أن الإصلاح يأتى من خلال حقوق الإنسان. • فى تصورك.. ما أسباب تكرار الأزمات الطائفية فى مصر؟ «عندك أزمات طائفية فى باكستان بين الشيعة والسنة، وصراعات قبلية فى رواندا بين «الهوتو» و«التوتسى»، رغم أن كلهم كاثوليك. • لكن ما يحدث فى مصر.. هل يرجع لأسباب ثقافية أم قانونية أم ماذا؟ «أم تدخل أجنبى له مصلحة فى إفساد صورة مصر فى الخارج وإضعاف الهيكل المصرى». • كيف يمكن أن يكون الدور الأجنبى موجودا فى هذه الأزمة؟ الدور الأجنبى موجود، ليس لدى تفاصيل، لكن الخلاف بين الشيعة والسنة فى باكستان بسبب الدور الأجنبى، وأيضا التدخل الأجنبى سبب الأزمة بين السنة والشيعة فى العراق، التدخل الأجنبى مصدر من مصادر الاحتكاك الطائفى لكنه ليس المصدر الوحيد. • ما تقييمك لسياسة مصر الخارجية تجاه الدول الأفريقية؟ أهملنا فى السنوات الأخيرة القارة الأفريقية، وهذا يرجع لسببين، الأول أن مصر لعبت دورا فيما يتعلق بمكافحة الاستعمار، كان عندنا النادى الأفريقى فى الزمالك بمثابة جهة تساعد على مد الأسلحة، ونيلسون مانديلا عندما جاء إلى مصر أراد زيارة هذا النادى، كان لنا دور ومصر كانت تساعد جميع البلاد الأفريقية على التحرر، انتهى هذا الدور واستقلت البلاد الأفريقية. الركن الثانى كان عندنا قاسم مشترك أكبر من خلال دورنا القيادى الذى كنا نلعبه فى حركة عدم الانحياز ونحاول إقناع الدول الأفريقية أن تتبع هذه الحركة، إذن القاسم المشترك الأكبر الإيديولوجى هو عدم الانحياز كان يربط بين هذه الدول ومصر وكانت تلعب مصر دورا قياديا مع الهند ويوغوسلافيا انتهى هذا الدور بانتهاء الحرب الباردة فأركان السياسة الخارجية والدور المصرى انتهت ولم نستطع أن نجد أهدافا جديدة. • هل هذه العوامل هى التى تسببت فى المشاكل بين مصر ودول حوض النيل؟ لا المشاكل بين مصر ودول حوض النيل قديمة، وحاولت وأنا وزير عدة مرات حلها ولم أنجح. • لماذا لم يتحقق النجاح؟ فى رأيى السبب هو الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والاهتمام بالقضايا الداخلية ومكافحة التيار الأصولى هذه كلها أسباب أدت لضعف الاهتمام بدول حوض النيل، وهذه مشكلة ستظهر فى السنوات القادمة والدول النامية تواجه هذا النوع من المشاكل بسبب عدم القدرة على التخطيط للمستقبل فهو من سمات الدول المتقدمة. • كيف ترى وضع مصر وسط دول حوض النيل إذا تحقق الانفصال السودانى ووجدت دولة جديدة فى الجنوب السودانى؟ لن توجد مشكلة كبيرة فالعبرة ليس بوجود دولة أخرى وإنما العبرة باستعداد مصر للاهتمام بالجنوب سواء ما يسمى الخرطوم أو ما يسمى جوبا، و85% من مياه نهر النيل من إثيوبيا ورغم ذلك لم ننجح فى تحسين العلاقات معها. • لكن يقال إن إسرائيل وأمريكا لهما دور كبير...؟ رد مقاطعا: لا، لا، لا، هذه عقدة المؤامرة. فى مقال نشر فى صحيفة «نيو هيرالد تريبيون» منذ أيام، عن عقدة المؤامرة، يؤكد أنه كلما كانت الدولة ضعيفة ولا تعرف طريقة لحل مشاكلها، تلجأ لهذا الأسلوب لإخفاء هذا الإخفاق وتقول فيه مؤامرة. • من القضايا الخارجية التى أحدثت ضجة فى العالم تسريبات موقع «ويكيليكس»، هل تعتقد أنها بالأهمية التى تتناسب مع الضجة المصاحبة لها؟ لا، لأن هذه المعلومات معروفة لمجموعة من الخبراء وأى خبر لو خرج عن طرفين يصبح معروفا، فالبرقية التى يرسلها السفير الأمريكى فى إثيوبيا الأجهزة الإثيوبية على علم بفحواها والأجهزة الأمريكية وأجهزة دولة ثالثة مهتمة بهذه العلاقات ستكون ملمة بأهم ما جاء فى هذه البرقية، الفرق الوحيد الذى فعلته تسريبات «ويكيليكس» أن هذه البرقية تنشر فى الصحف وقبل ذلك محتوياتها لم تخرج عن دائرة محدودة من الخبراء. • لكن.. هل يؤثر النشر على نطاق واسع فى الصحف على العلاقات الدبلوماسية الدولية؟ لا أظن فالعلاقات الدبلوماسية مرتبطة بأوضاع اقتصادية والهجرة والبترول وتحالفات عسكرية مرتبطة ببيع أسلحة وعدة عناصر. • فى رأيك.. ما الذى تحتاجه القضية الفلسطينية لتجد طريقا إلى الحل؟ الأزمة تحتاج لجيل جديد، حتى نجد حلا لها، وقلت إننى متشائم ولا أرى السلام فى إسرائيل كما كان الوضع بالنسبة لموشى والسادات، فالسلام يبنى على أكتاف جيل جديد وهو يحتاج وقتا وصبرا وعملا مستمرا.