المهم أن علاقتى بالأستاذ توثقت جدا خلال هذه النصف، أو الثلث ساعة التى نعود فيها معا إلى البيت! وأخذت الأحاديث تشرق بنا وتغرب، وأخذت أسأله عن رأيه فيما يجرى فى البلد، وفيما يقال فى ندوته، ومقارنتها بندوة أوبرا، وندوة ريش. وللأستاذ نجيب طريقة مدهشة فى الإجابة عن الأسئلة، فقد كان يشعر فيما أتصور أننى ممتلئ بأسئلة كثيرة، لذلك كان يقدم لى إجابات موجزة وحاسمة ودقيقة، فكأنما نلعب معا لعبة (تنس الطاولة أو البينج بونج) سؤال من هنا، وإجابة من هناك! حتى إننى سألته مرة عن أسئلته هو! فنحن جميعا، بخاصة فى مرحلة الشباب، نمتلئ بالأسئلة، ونبحث عن الإجابات، فهل نجيب محفوظ (وهو فى السبعينيات من عمره وقتئذ) مازالت تشغله بعض الأسئلة، ومازال يبحث عن إجابات؟ فكانت إجابته: نعم، فثمة أسئلة تظهر من حين لآخر، وتدفعنا للبحث عن إجابات، لعلها ليست نفس الأسئلة القديمة، إذ إن لكل سن أسئلتها، ولكل مرحلة عمرية تساؤلاتها. ومن أهم الأسئلة التى كنت أتمنى أن أعرف إجابتها من الأستاذ، سؤال عن الرغبة القوية فى المعرفة حين تسيطر على الإنسان، فقد كانت ومازالت رغبتى فى المعرفة أكبر بكثير من قدراتى على التعلم والبحث والتحصيل، وكنت أتساءل، هل مع التقدم فى العمر ستقل هذه الرغبة الجنونية؟ وكعادة محفوظ فى النظر إلى الأمور، وانتقاء الكلمات، ولموضوعيته، لم يقدم لى إجابة عامة، ولكنه قال لى إن تجربته الشخصية تقول إن رغبته للمعرفة لم تنقص مع تقدمه فى العمر. وهنا يجب أن أذكر أننى، وخلال صحبتى الطويلة مع الأستاذ، كنت دائما ما أتأمل بدهشة، وإعجاب شوقه العارم، ورغبته القوية فى متابعة ما يجرى، وفى معرفة ما لا يعرفه من معلومات، وفلسفات، وعلوم، وفنون، وآداب، و.. و.. فعلى سبيل المثال، لم يتمكن الأستاذ من التمتع بمميزات الكمبيوتر، ولا شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت»، ومن ثم فقد كنت أشرح له كيفية التعامل مع هذا الجهاز المدهش، كما أحادثه عن عالم الإنترنت العجيب. وقد قال لى إنه لو كان يستطيع، أى لو كان بصره يسمح له، لخاض هذا العالم الجديد بنفسه.