إفراج النائب العام عن سبعين من المحتجزين فى أحداث العمرانية، بعد يومين فقط من تسريب الكنيسة لأنباء حول غضب البابا شنودة الذى قد يتطور إلى اعتكاف فى مقره الرهبانى بوادى النطرون، أعاد للأذهان عرض الشريط المعتاد لعلاقات الجذب والشد بين الدولة والكنيسة. فعلى بعد نحو 800 كيلو متر من مقر البابا بالكاتدرائية الكبرى بالعباسية، مازالت محكمة أمن الدولة طوارئ بنجع حمادى تؤجل الحكم فى قضية قتلى عيد الميلاد (7 يناير) والتى راح ضحيتها ستة أقباط ومسلم، وهو التأجيل الذى يتزامن مع تأجيلات متتالية لنظر قضية طفلة فرشوط التى قيل إنها كانت سببا فى أحداث عيد الميلاد، وبحسب مصادر كنسية من محامين مقربين للبابا، فهذه هى قواعد اللعبة المعتادة والتقليدية للشد والجذب بين الدولة والكنيسة، تأجيل القضايا وحبس أكبر عدد ممكن من المتهمين حتى يمكن التفاوض عليهم لصالح ملفات تريد الدولة حسمها. وبحسب كمال زاخر مؤسس التيار العلمانى القبطى، فإن الترضية المعتادة من الدولة فى هذه المواقف،تأتى بتقديم هدايا للبابا من نوع تعيين عدد من الأقباط المقربين له فى مجلس الشعب، أو إقرار قانون أو تسهيل مجموعة تصاريح ببناء كنائس دفعة واحدة، أو حتى الموافقة على إجراءات غير قانونية مثل عدم الإعلان عن مكان وفاء قسطنطين أو كاميليا شحاتة زوجتى الكاهنين، ومنعهم من الظهور على العلن. الجديد هذه المرة، بحسب زاخر، أن الحزب الوطنى أسقط مرشحين أقباطا مهمين ومقربين من البابا، مثل رامى لكح وغيره فى الصعيد، وحتى فى التعيينات التى تأتى كمجاملة، وأقبل على تعيين معارض كنسى، لا يقبله البابا بأى حال ، هو النائب جمال أسعد. البابا من جهته، أبدى عدم استعداده لتغيير القواعد، واستياءه من السياسات الجديدة للوطنى، فلوح بالاعتكاف، بل أوقف إرسال الدعاوى الرسمية للمسئولين فى عيد الميلاد، والذى عادة ما يكون أبرز نجومه جمال مبارك أمين لجنة سياسات الحزب الوطنى، على غير ما هو الحال فى عيد القيامة الذى لا يحضره رجال الحزب الوطنى، وهو ما أفسح المجال فى عيد القيامة الماضى ليصبح الدكتور محمد البرادعى أبرز النجوم. سياسات الوطنى الجديدة، دفعت رجلا مثل الدكتور ثروت باسيلى وكيل المجلس الملى العام، والمعروف بتقربه من جمال مبارك أمين سياسات الحزب الوطنى، دفعته إلى التعبير عن غضبه فى تصريحات ل«الشروق» بالقول «الحكومة لا تعدم من يدافع عنها، لكنها فى هذه المرة، فى أحداث العمرانية، لا تجد من يدافع عنها، فماذا نقول لأقباط المهجر الغاضبين، وكيف نبرر استخدام الرصاص الحى مع متظاهرين عزل»، تصريحات باسيلى كانت فى محلها فقبل يومين نظم أقباط أوروبا مظاهرة حاشدة فى جينيف ضد سياسات الحكومة فى التعامل مع قضية الأقباط، بمشاركة منظمات أوروبية، وأعضاء البرلمان النمساوى، والأكاديمية السياسية، وبمشاركة أسقف فيينا العام بيشوف فرانس شارل. وبعض السياسيين، ونظم مئات الأقباط الغاضبين فى نيويورك مظاهرة خرجت من الكنيسة إلى مقر الأممالمتحدة. البابا الذى لم يعلن اعتكافه، ولم ينفه، فضل العودة إلى القواعد القديمة: إعلان الغضب، والتلويح بإلغاء احتفالات عيد الميلاد واسترجاع أجواء سبتمبر 1981، والبقاء اختياريا فى الدير، كما فعل فى أزمة وفاء قسطنطين قبل ست سنوات، وهو القرار الذى دفع الدولة للموافقة له على كل طلباته فى هذه الأزمة فى حينها، تلويحات البابا الجديدة نجحت فى الإفراج عن سبعين معتقلا من العمرانية فى أقل من 48 ساعة، ويبقى ملف نجع حمادى وبقية المعتقلين مفتوحا.