على مقهى فى شارع محمد فريد يجلس الصديقان حمدى عبدالعزيز وسليم عثمان. فوقهما تنتصب لافتات دعائية لمرشحى الحزب الوطنى فى عابدين ورجب هلال حميدة فقط. ممنوع على بقية المرشحين تعليق لافتاتهم فى هذا المكان، والسبب «أنا مش بسيب أى حد يعلق، إلا اللى أنا عارفه، واللى خدمنى بس»، يقول علاء مرسى عطية، صاحب المقهى ووريثه. يعدد الصديقان العجوزان عثمان وعبدالعزيز أشهر النواب الذين شهدتهم عابدين منذ الثورة، وحفرتهم فى ذاكرتها: عبدالقادر حاتم، وفؤاد سراج الدين، وعبدالعال خليف، ومحمد حلمى الغندور، وحسين بدوى، والحفناوى، وحافظ شيحة. يتدخل عطية ويضيف إليهم طلعت القواس. يمتعض أحد الرجلين، ولا يعلق. يتفق الثلاثة على أن عابدين هى «عروس الدوائر»، و«أهم الدوائر الانتخابية فى مصر كلها، عشان فيها أصل البلد، فيها القصر والبنوك والبورصة ووزارة الداخلية»، ويختلفوا فى كل شىء آخر. «انت قاعد على أهم مقهى سياسى فى مصر، من هنا تخرج سياسيين كتير من أيام الخديوى، قبل 200 سنة، كل المرشحين لازم يمروا من هنا»، يتداخل صاحب المقهى، وهو يضع فنجان القهوة على المنضدة المعدنية الرثة: «والله لتشرب، دى مش رشوة». مؤسس المقهى، موسى عطية، تعرفه عابدين باعتباره أصغر عضو مجلس محلى فى مصر، وشقيقه سيد كان كذلك أيضا، أما ابنه علاء، وريث المقهى، فلم يعش فى جلباب أبيه السياسى، واكتفى بجلبابه «المهنى». عيناه الزرقاوان تلمع فيهما طيبة ومودة حانية لا تخلو من قسوة، يجلس وسط زبائنه، مبشرا بالحزب الوطنى: «احنا مع اللى يخدمنا خدمات ملموسة، مش يرمى لى مظروف فيه 25 جنيه، يعملوا إيه 25 جنيه للغلبان؟، كلمنى عن برنامج حقيقى مش شعارات». يدير الرجل عينيه نحو ازدحام الجالسين على المقهى، ويتابع: «احنا بنتفرج على مرشحين جاية من كوكب آخر وبتتكلم بلسان الدايرة، احنا زعلانين، احنا هنا عاملين تكافل اجتماعى مع بعض من غير جمعية مشهرة، واشترينا سيارة تكريم موتى بجهود الأهالى، مش مستنيين فلوس من مرشحين، الحاج طلعت القواس عمل خدمات، الحقيقة يشكر». كان طلعت القواس عضوا فى مجلس الشعب دورتين متتاليتين، منذ 1995، وحتى 2005، حتى نزل عن الكرسى لصالح جمال حنفى، النائب الإخوانى، «الناس رشحت حنفى كرها فى القواس، لأنه كان عمره ما خدم حد، وكان بيقول للناس: كارنيه المجلس فى جيبى من قبل الانتخابات بشهرين»، يتدخل أحد الجالسين فى الحوار. تبدو ملامح الغضب قليلا على وجه صاحب المقهى، ويستدرك سريعا وكأنه يسعى لتصحيح خطأ غير مقصود: «بس الصراحة لله، من 2005 والقواس مع الناس، عرف غلطته، وقدر يصلحها». الكل هنا يتكلم زاعقا، فصوت مكبرات الصوت ودوشة مؤتمر انتخابى فى الجوار، لمرشح تابع للحزب الوطنى، تكاد تصم الآذان، والمتحدث يتكلم بسخرية عن «زعيم الشيعيين فى مصر، وأهوه بالأوراق والمستندات، بيقول الكلام وعكسه فى نفس الوقت». يبدو المتحدث حريصا على ألا يصرح باسم من يقصده على وجه التحديد، ويكمل وفى صوته نشوة ظافرة: «تحبوا أتكلم عن سميحة بتاعت الإسكندرية، لو كان نسيها أجيب له صورتها، عشان يفتكر الليلة اللى دخلت معاه فيها، وسكرته وسرقت شنطة الفلوس والمسدس وهربت؟»، وتعلو أصوات الهتاف عبر الميكروفون: «كفاية.. حرام»، مع صوت طبل وصاجات وتصفيق متناغم. «المؤتمرات دى زفة، والمرشح هو العريس، ييجى ليلة الدخلة يدفع قرشين للمعازيم اللى هما إحنا، وياخد عروسته اللى هى مصر ويمشى، آدى النواب»، يعلق حمدى عبدالعزيز. يسند حمدى ذقنه على عكازه، مدققا النظر من وراء نظارته السميكة، ويكمل: «المرشح عايز ياخد مش يدِّى، دلوقتى بيدخل المجلس وهو معاه مليون يخرج وهو عنده 20، يدفع له قرشين قبل الانتخابات يلمهم 100، مش بنقول هاتوا شغل للعاطلين، عارفين أزمة الشغل فى العالم، بس كون موجود، حسس الناس إنك هنا». بالنسبة لحمدى، لا يوجد ما تسمى أحزاب الوطنى والوفد والتجمع ولا الإخوان المسلمين: «ما هى إلا مسميات بنسميها، لأزمة التقسيم إيه؟ ونخلق لنفسنا مشكلات وأحزاب، أهلى وزمالك بيلعبوا كورة، اللعبة واحدة والكورة واحدة، طب يضربوا بعض ليه؟»، يتساءل حمدى، سؤالا بطعم الإجابة. «تعال يا سولوم»، ينادى حمدى على صديقه سليم عثمان، ليشارك فى الحوار، يبدو الرجل الأسمر فى الستينيات من عمره: «أنا جعفرى، جنب النوبة»، يقول مبتسما. فى صبيحة يوم الانتخابات، سيخرج الصديقان حمدى عبدالعزيز وسليم عثمان، وكذلك صاحب المقهى علاء عطية، ليدلوا بأصواتهم، ولاختيار ثلاث (فئات وعمال وكوتة) من بين 62 مرشحا ومرشحة فى عابدين. لا يعرف حمدى لمن سيدلى بصوته حتى الآن: «لسه شوية، لما يظهروا كلهم ونعرفهم»، أما سليم عثمان، فقد حدد: «جمال حنفى طبعا طبعا، عشان ده حبيبى وأبوه كمان حبيبى، وربما.. ربما طلعت القواس». أما صاحب المقهى، والذى بدا متعصبا لثلاثة مرشحين رجال: طلعت القواس ومحسن فوزى ورجب هلال حميدة، فلن يكون بمقدوره أن ينتخب الثلاثة معا، بل عليه لحظة التصويت أن يتخلى عن أحدهم. يمكنكم متابعة مزيد من التغطيات من خلال مرصد الشروق لانتخابات برلمان 2010 عبر مرصد الشروق عبر فيس بوك مرصد الشروق عبر تويتر