من بين الجموع يخرج محمد عامل البناء فى جلبابه البسيط، يرفع بروازا خشبيا كبير الحجم يخفى جسده تماما، ثبت عليه صورتين من الجانبين لمرشح حزب الغد نافع عبدالهادى. أمام مدرسة يوسف جاد الله التجريبية، إحدى اللجان الانتخابية لدائرة الهرم والعمرانية قالت إحدى السيدات «الانتخابات فيها تزوير»، لأن الصناديق الخشبية «وصلت اللجنة مليانة أصوات، وطبعا علشان خشب محدش هيشوف حاجة». وارتفعت أصوات السيدات التابعات لمرشح الإخوان خالد الأزهرى، «إحنا هنعمل محضر». ورد شاب من أتباع مرشح الحزب الوطنى «إيه الكدب ده الصندوق زجاج مش خشب»، وبدأ يتجه إلى الفتيات اللاتى وقفن للمشاهدة «ممكن تنتخبى معانا مرشح الحزب الوطنى». الأجواء أمام المدرسة ليست هادئة يتجمهر المارة، والتابعون للمرشحين وأحيانا يمر مرشح بنفسه ليتفقد الأوضاع. يتصبب محمد عرقا وهو يقول: «كتافى وجعتنى»، بلهجته الفلاحى، وكل ما يحلم به فى نهاية يوم الانتخابات أن يحصل على مبلغ يعود به لزوجته وطفليه فى مركز أبوصير بالبدرشين. منذ الثامنة صباحا تم توزيع محمد وعشرة من عمال البناء على اللجان الانتخابية التابعة لدائرة الهرم والعمرانية. «أنا مش عارف مبهدلين نفسهم على إيه». يتعجب محمد من السيدات الواقفات أمام اللجنة الانتخابية. «أصل أنا شغال مع راجل مقاول وهو بيجامل المرشح». يبتسم محمد فى فخر «أصل المرشح ده واخد دور كامل على أربع شقق فى عمارة الراجل اللى بشتغل معاه». وفى رأى محمد أن هذا هو السبب وراء المجاملة، ويشير إلى الميكروباصات الصغيرة التى تسير فى شارع الهرم مزينة بلافتات مرشح حزب الغد «ده أصلا متفق مع عربيات كثير علشان تنقل الناس هنا». منذ خمسة عشر عاما وقف محمد فى نفس المشهد الانتخابى، «أصلى عملت الشغلانة دى 3 مرات»، ولكنه لم يهتم أبدا بأسماء المرشحين ولا اتجاهاتهم السياسية، فقط يؤدى مهامه ليثبت ولاءه لصاحب العمل. وقتها كان شابا فى مقتبل العمر، «كنت بشتغل مبيض محارة»، وكان يعمل مع نفس الرجل الذى يمتلك مجموعة مطاحن للدقيق ومبانى عديدة، على حد قول محمد. محمد الذى لا يجيد القراءة والكتابة لا يعرف اسم المرشح الذى يحمل لافتته الكبيرة، ولا لأى الأحزاب ينتمى، ولكنه يقارن بين الانتخابات فى القاهرة وبلدته الصغيرة «هناك فى احترام للعائلات والمرشحين مش بيقطعوا على بعض زى هنا». يشير أحمد نجل المرشح الحزبى لمحمد ليرفع اللافتة إلى أعلى أكثر، حتى تظهر للمارة فى شارع الهرم، «أنت سرحت ولا إيه؟»، أحمد يوجه اللوم لمحمد بابتسامة بسيطة، وهو يقف أمام بوابة المدرسة مباشرة وفى يده، أوراق الدعاية الصغيرة التى تحمل صورة والده وفى خلفيتها نتيجة العام الجديد. «مافيش ناخبين». يعلق أحمد أن معظم الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لوالده «إحنا اللى جايبينهم بالعربيات لحد هنا». لكن هناك عددا قليلا جدا من الناخبين يذهب إلى اللجنة الانتخابية «مش محدد هو عايز ينتخب مين؟». يمكنكم متابعة مزيد من التغطيات من خلال مرصد الشروق لانتخابات برلمان 2010 عبر: مرصد الشروق عبر فيس بوك مرصد الشروق عبر تويتر