سبق أن تعرضت لتشكيل واختصاص اللجنة العليا للانتخابات فى مقال منشور فى جريدة الشروق يوم الثلاثاء 9/11/2010 حيث قلت فى ختامه: الخلاصة أن الحكومة عندما أعدت مشروع قانون اللجنة العليا للانتخابات كما شاهدنا لم تكن جادة فى قيام هذه اللجنة بوظيفتها التى تقوم بها فى كل بلاد الدنيا، فلم تمدها بالأجهزة والموظفين اللازمين للقيام بعملها ولم تهيئ لها الظروف المناسبة للقيام بها ولم تعطها من السلطات ما يمكنها من القيام بها، ولذلك أصبحت لجنة صورية منزوعة الأنياب والمخالب لا عمل لها سوى إعلان نتيجة الانتخابات بعد أن تكون وزارة الداخلية قد أعدتها بوسائلها على النحو الذى يرضيها ويعطى الحزب الوطنى أكبر نصيب فيها ثم يقف رئيسه مهنئا مباركا دوام السلطة والسعادة، وماذا يتوقع من لجنة يغلب على تشكيلها طابع الحزب الوطنى الذى يختار عن طريق مجلس الشعب ذى أغلبية الثلثين للحزب الوطنى أربعة من أعضائها ويختار مجلس الشورى ذو الأغلبية المطلقة للحزب الوطنى ثلاثة منهم، حيث يمثل هؤلاء الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات ويمثل رجال القضاء «أربعة» هم باقى أعضاء اللجنة، وبذلك أصبحت شبح اللجنة لا يراه أحد ولا يشعر بوجوده أو جسد بلا روح أو كما يقول المثل العامى «خيال مآته»، ومن أجل ذلك رأينا اللجنة لا تقوى على إرغام وزارة الداخلية على احترام أحكام القضاء بإدراج من استبعدتهم من قوائم المرشحين ولا تقوى حتى على إرغام اللجان المشرفة على قبول الأوراق على تنفيذ هذه الأحكام رغم أن هذه اللجان مكونة من عنصر قضائى يعلم ما هى الأحكام ويجب أن يحرص كل الحرص على تنفيذها ولكن لأن هذه اللجان يتولى تشكيلها وزير الداخلية طبقا لقانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 فإنها للأسف الشديد كانت خاضعة كل الخضوع لسلطانه وكأنهم ضباط شرطة وليس قضاة. لم تستطع اللجنة العليا للانتخابات إرغام لجان فحص طلبات الترشيح على احترام أحكام القضاء بإدراج أسماء من استبعدتهم رغم أن بعضهم أعضاء المجلس الحالى ولا يزال هذا الموضوع معلقا حتى الآن رغم أن الانتخابات ستجرى فى 28/11/2010 حيث لم يبق سوى أيام قليلة سيصبح قيد هؤلاء فى جدول المرشحين عبثا لا طائل من ورائه. هكذا شاهدنا اللجنة العليا للانتخابات فى الفترة منذ فتح باب الترشيح وحتى إجراء الانتخابات، وهى الفترة المهمة التى تمارس فيها اللجنة نشاطها كل خمس سنوات. وإذا كانت أغلب اختصاصات اللجنة تحتاج إلى معاونين لها للقيام بها وهو الأمر الذى تفتقده تماما فإن هناك اختصاصا واحدا لها يمكنها أن تقوم به بمفردها دون معاونة من أحد وهو بطبيعته لا يحتاج إلى هذه المعونة، هو الاختصاص المنصوص عليه فى الفقرة 6 من المادة 3 مكررا ومن القانون رقم 18لسنة 2007 بتعديل القانون رقم 72 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية وهى التى تنص على (إعلان النتيجة العامة للانتخابات والاستفتاء) وهذا الاختصاص هو خاتمة المطاف فى العملية الانتخابية وأهم عنصر فيها، وفى يد اللجنة أن تمتنع عن إعلان نتيجة أى دائرة حدث فيها تزوير أو مخالفة للقانون أو لتعليماتها التى أصدرتها وبذلك يمكنها فرض إرادتها واحترام وجودها على الجميع رغم ضعف إمكانياتها ويا حبذا لو أنها أعلنت من الآن أنها ستفعل ذلك لأن ذلك سيكون مدعاة إلى احترام قراراتها خوفا من النتيجة التى يمكن أن تترتب على ذلك، وقد يتساءل البعض عن الطريقة التى تتمكن بها اللجنة من التأكد من وجود عبث أو تزوير للانتخابات فى هذه الفترة المحدودة من الوقت ونحن نقول إن وسائل التزوير حقا كثيرة ومتعددة لا تكاد تقع تحت حصر ولكن هناك وسيلة واضحة وسهل إثباتها وكثيرا ما تستعملها محكمة النقض حين النظر فى الطعون الانتخابية التى تقوم بتحقيقها وهى عدم احترام أحكام القضاء الصادرة فى شأن هذه الانتخابات وعدم تنفيذها فإن بإمكان اللجنة العليا للانتخابات أن تمتنع عن إعلان نتيجة انتخابات أى دائرة لم يقم المسئولون فيها باحترام أحكام القضاء وتنفيذها، بل ويمكن للجنة أن تعلن بطلان هذه الانتخابات فى هذه الدائرة وأن تصدر تعليمات اللجان التابعة لها بذلك فى المحافظات والدوائر الانتخابية وهم تابعون لها، بذلك تستطيع اللجنة العليا أن تثبت وجودها فى اللحظة الأخيرة وأن تثبت أن فى مصر قضاء يمكن أن يقول لا للظلم والقهر والتزوير، هذه هى الفرصة الأخيرة للجنة فأرجو ألا تضيع منها ويضيع معه مستقبل مصر فى السنوات الخمس القادمة. [email protected]