"عالمك من صنع يديك" شعار ترفعه العوالم الإفتراضية على الإنترنت وفي مقدمتها عالم سكند لايف الإلكتروني الشهير (الحياة الثانية).. وقد يتساءل البعض ما هي "الحياة الثانية" .. وأين توجد هذه الحياة؟ وما سر أهميتها التي تزداد يوما بعد يوم؟ وهل يمكن أن تكون بديلا للحياة الواقعية؟ بداية "سكند لايف" أو الحياة الثانية تحتوي على كافة أشكال الحياة الإنسانية حيث يتصرف المقيمون فيها وكأنهم سكان في مدينة واقعية فيمارسون أعمالاً ونشاطات تحاكي الواقع؛ كالتجول وتشييد المنازل وتأسيس المكاتب والشركات، بل وممارسة الرياضة ومشاهدة حفلات السينما والموسيقى وحضور الفعاليات الثقافية. ويماثل "سكند لايف" في بنائه شكل الألعاب ثلاثية الأبعاد، ولكن ما يميزه عنها إمكانيات التفاعل والتعارف بين رواده، والبيئة المصممة للتعايش وإلقاء المحاضرات والتعليم بجانب الترفيه، وأطلقه فليب ليندن عام 2003 من مختبره في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، ويبلغ عدد سكانه حاليا نحو 16 مليون مشترك بزيادة شهرية ما بين 300 – 400 ألف مشترك. وسيلة التواصل بين رواد هذا المجتمع الافتراضي الكتابة أو بالصوت ، والتنقل إما بالمشي أو بالطيران، كما يمكنك هنا امتلاك سيارة أو حتى طائرة لتنقلك إلى حيث تريد.. هل رأيتم أروع من ذلك. والمشترك يبدأ حياته في "الحياة الثانية" بالتسجيل في موقعها الإلكتروني ليصبح لديه avatar أو شخصية مجسدة ، وبعد التسجيل يصبح شخصية افتراضية يمكنه التفاعل والتعايش مع أمثاله بالصوت والكتابة (الشات) كما يمكنه ممارسة مختلف أنواع الأنشطة الإنسانية. بعد أن أتممت التسجيل بدأت رحلتي في سكند لايف باستكشاف هذا العالم والتعرف عليه عن قرب خاصة بعد الشهرة التي يحصل عليها يوما بعد يوم . مرحلة الاستشكاف كانت مهمة للتعرف عن قرب على ملامح الحضور الاقتصادي والسياسي والثقافي والديني في هذا العالم ، وأهمية هذا العالم وجدوي خوض غماره. هل تصدق أن لهذا العالم اقتصاده القوي ! ، وعملته "ليندين دولار" والتي يمكن تحويلها بالدولار الأمريكي حيت أن 250 ليندين = 1 دولار أمريكي ويتم تبديل العملات من خلال مصارف وبنوك تابعة لمؤسسة ليندين لابس. وبلغ الناتج القومي للحياة الثانية عام 2006 حوالي 64 مليون دولار أمريكي. طبقة من اغتنوا من اقتصاد "سكند لايف" تتألف من شخصيات ابتكرت نشاطات تجارية فردية من أبرزها تصميم الأزياء و بيع واستئجار الأراضي ، وقد قدر محللو الأسواق العالمية حركة التداولات التجارية داخل هذا الاقتصاد الافتراضي بنحو مليوني دولار يوميا ومن المدهش أن البعض نقل نشاطاته جميعها في هذا العالم وأصبح يقضي ما بين 6 إلى 8 ساعات يوميا في هذا العالم ومنهم "تشي تشانج" أول مليونيرة في هذا العالم التي حققتها من عملها في سمسرة العقارات وبيع الأراضي وتصميم الأزياء ووصل حجم نشاطها حدا جعلها تدشن شركة بداخل "الحياة الثانية" يعمل بها نحو 30 شخصا. تشي وغيرها من رجال الأعمال الذين أثروا نقل أنشطتهم بالكامل لداخل عالم افتراضي رفعوا شعار : (سكند لايف..عالم يربح من ورائه من يجيد أصوله). افتراضي؟ نعم، لكنه مربح. وهناك العديد من كبريات الشركات العالمية تمارس أنشطتها في الحياة الثانية مثل آي بي ام، وديل وتويوتا، وكوكاكولا، وبيبسي وسوني، وأديداس وغيرها. أترك الاقتصاد الذي يزداد رواجا يوما بعد يوم لأنتقل في مرحلة الرصد للحضور السياسي والدبلوماسي ، حيث قادني محرك البحث في هذا العالم لمعرفة أن دول جزر المالديف والسويد وأخرها أستونيا بشرق أوروبا قد أفتتحوا سفارات لهم في الحياة الثانية بما يمثل حلقة الوصل بين زوار هذه السفارات وبين الأجهزة الحقيقية. ليس هذا فحسب فعلي الصعيد السياسي اتجه عددا من السياسيين خصوصا الأمريكيين إلى افتتاح مكاتب افتراضية كمقرات لحملاتهم الانتخابية إبان الإنتخابات الأمريكية من بينهم الجمهوري جون ماكين والديمقراطي باراك أوباما إضافة إلى هيلاري كلينتون. الحضور الإعلامي لا يقل قوة عن سابقيه فقد دشنت وكالة رويترز للأنباء جزيرة افتراضية في عام 2006 وعينت مراسلها الصحفي آدم رويترز لتولي مسئولية أعمالها. وإلى جانب رويترز، كانت بي بي سي من المؤسسات الاعلامية التي أبدت اهتماما بالحياة الثانية فنظمت مهرجانا موسيقيا هناك حضره نحو 200 ألف شخص. وهناك أيضا قناة سكاي نيوز وهي لها جزيرتها الافتراضية المطابقة تماما لمواصفات الاستوديو الخاص بها في الواقع. وكذلك هيئة الإذاعة الإسترالية ، والسي ان ان. وفي مصر، أطلق مركز "كمال أدهم" للتدريب والبحث الصحفي بالجامعة الأمريكية غرفة أخبار افتراضية، في تجربة صحفية جديدة تتخطى الحواجز الجغرافية، وتقوم بأدوار إعلامية وتدريب للصحفيين وعقد المؤتمرات الصحفية مع كبار رجال السياسة في العالم. أبهرني كذلك كيفية استغلال الجامعات الأمريكية لسكند لايف في التعليم والتدريب حيث أقامت أكثر من 70 جامعة فروعا لها في الحياة الثانية. وقام المركز الثقافي البريطاني بافتتاح ثلاث جزر لتعليم اللغة الانجليزية في الحياة الثانية. بجانب هذه الحضور المتنوع النشاطات، تطالعك ال "سكند لايف" بوجه آخر ديني وروحاني فهناك المساجد والكنائس والمعابد، ولا تفاجأ إذا عرفت أن مناسك الحج قد تم محاكاتها بشكل أقرب ما يكون للواقع بدءا من الميقات مرورا بالحرم المكي بمآذنه التسعة ومنى وعرفات والمزدلفة انتهاءً بالهدي وأماكن الحلق والتقصير. هل أتعبتك هذه الزيارات ، إذن التقط أنفاسك واذهب للإستجمام والراحة حيث جزيرة اليابان الافتراضية أو حيث جزيرة دهب المصرية السياحية. أكتشفت في مرحلة الرصد أن هذا الوجه ربما هو الوجه المضيء للحياة الثانية لكن هناك وجه آخر سلبي يتمثل في انتشار النوادي الليلية والجزر المعدة لممارسة الدعارة المرئية إضافة إلى انتشار كافة أشكال الجريمة: فمؤخرا فتحت الشرطة البلجيكية تحقيقا في جريمة اغتصاب افتراضية وقعت في الحياة الثانية. كما وقعت عدة هجمات إرهابية في الحياة الثانية باستخدام قنابل نووية افتراضية ومنها تدمير هيئة الإذاعة الاسترالية. وأخيرا الدعوة مفتوحة أمامكم لزيارة الحياة الثانية واستثمار هذه الحياة الجديدة في عالم الانترنت، ربما نجد على خريطته مكانا فاعلا ومؤثرا. www.secondlife.com