بدعم الصعود العالمي.. أسعار الذهب في مصر ترتفع إلي 3160 جنيها    نتنياهو: نسبة الضحايا المدنيين إلى المقاتلين في غزة هي الأدنى في حرب المدن الحديثة    قطر: اجتماعات مع حماس لسد الفجوات مع مقترح بايدن بشأن غزة    تعرف علي غيابات الأهلي أمام الداخلية بالدوري المصري    الغندور: السوبر الإفريقي بين الأهلي والزمالك سيُقام خارج مصر    أزمة الحجاج المصريين: بين جشع الشركات السياحية والإجراءات الحكومية    الداخلية تضبط قضايا إتجار في النقد الأجنبي ب6 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    موعد عيد الأب 2024.. أفكار هدايا غير تقليدية وأفضل العبارات للتهنئة    وزير المالية: تسليم 28 ألف سيارة صديقة للبيئة بأقل من سعرها وتقسيط على 10 سنوات بمبادرة «الإحلال»    أسعار الخضراوات والفواكه اليوم الجمعة.. البطاطس ب 20 جنيهًا    تركي آل الشيخ يرصد 60 مليون دولار لكأس العالم للرياضات الإلكترونية    بدائل الثانوية العامة 2024.. شروط القبول بمدارس «القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي»    بالإنفوجراف.. الهجرة تسلط الضوء على مميزات وخدمات صندوق "حماية وتأمين المصريين بالخارج"    وفاة قائد سيارة بعد محاولته إنقاذ حياة مواطن في دمياط    كوريا الجنوبية تحث موسكو على وقف التعاون العسكري مع بيونج يانج    إيرادات أفلام عيد الأضحى.. «ولاد رزق 3» يهيمن على الصدارة    «الداخلية» تُحرر 169 مخالفة للمحال غير الملتزمة بترشيد استهلاك الكهرباء    وزارة المالية تستعد لإطلاق منظومة إلكترونية للمقاصة بين مستحقات المستثمرين ومديونياتهم    بعد الإطاحة به من المنافسة.. خيبة أمل تصيب صناع الفن بعد تذيل أهل الكهف الإيرادات    إعلام فلسطينى: 21 شهيدا جراء الاستهداف المتواصل لمناطق متفرقة فى غزة فجر اليوم    بعد تسريبات حسام حبيب الأخيرة.. شقيق شيرين عبد الوهاب يعلن لجوئه للقضاء    تقرير: هل ينتقل رابيو إلى ريال مدريد؟    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة نفيسة    الاحتلال: نهاية الحرب بعد عملية رفح الفلسطينية.. وخفض قوات محور صلاح الدين    صرف 90% من مقررات سلع التموين عن شهر يونيو.. والمنافذ تعمل الجمعة حتى 9 مساءً    أحمد مات دفاعا عن ماله.. لص يقتل شابا رميًا بالرصاص في قنا    مدير آثار الكرنك: عقيدة المصري القديم تشير إلى وجود 3 أشكال رئيسية للشمس    أزهري يوضح أضلاع السعادة في الإسلام    "صدمة للجميع".. شوبير يكشف قرارا مفاجئا من الزمالك ضد محمد عواد    وزارة الصحة تفحص 454 ألف مولودا ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    استشاري نفسي يقدم روشتة للتخلص من اكتئاب الإجازة    أمين الفتوى محذرا من ظلم المرأة في المواريث: إثم كبير    في ذكري ميلاد عبد الحليم حافظ.. ناقد فني يوضح أبرز المحطات بحياة العندليب    رغم تذيله الإيرادات.. المخرج عمرو عرفة: فخور بإخراج فيلم أهل الكهف    ميسي بعد اجتياز عقبة كندا في كوبا أمريكا: الخطوة الأولى    طريقة عمل ميني بيتزا، سهلة ومناسبة لإفطار خفيف    وزير الإسكان: جار إنشاء الطريق الإقليمى الشرقى حول مدينة أسوان وتوسعة وتطوير كورنيش النيل الجديد    الصحة تنصح هؤلاء بإجراء تحاليل البول والدم كل 3 شهور    نماذج استرشادية لامتحان اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة 2024    إسقاط التهم عن طلاب بجامعة كولومبيا اعتقلوا في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين    سلوفاكيا تطمع في استغلال محنة أوكرانيا بيورو 2024    عاجل - انهيار جديد لجيش الاحتلال في غزة.. ماذا يحدث الآن؟    سول تستدعى سفير روسيا للاحتجاج على معاهدة بيونج يانج وموسكو    عاجل - "قطار بسرعة الصاروخ".. مواعيد وأسعار قطارات تالجو اليوم    أسعار الأسماك اليوم 21 يونيو بسوق العبور    توجيه سعودي عاجل بشأن رصد 40 حالة تسمم في جازان (تفاصيل)    سيولة وانتظام حركة السيارات في القاهرة والجيزة.. النشرة المرورية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 5 مساجد في المحافظات    حلمي طولان يناشد الخطيب بطلب شخصي بخصوص مصطفى يونس.. تعرف على السبب    طقس اليوم شديد الحرارة على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 38    ووكر: يجب أن نرفع القبعة للهدف الذي استقبله شباك منتخبنا إنجلترا    القس دوماديوس.. قصة كاهن أغضب الكنيسة ومنعه البابا من الظهور بالإعلام    تجار البشر.. ضحايا فريضة الحج أنموذجًا    أسامة قابيل يكشف حقيقة وجود أعمال سحرية على عرفات    البطريرك يلتقي عميد كلية اللاهوت بالجامعة الكاثوليكية في ليون    الحبس وغرامة مليون جنيه عقوبة الغش والتدليس للحصول على بطاقة ائتمان    القس دوماديوس يرد على الكنيسة القبطية: "ذهابى للدير وسام على صدرى"    تامر أمين عن وفاة الطفل «يحيى» بعد نشر صورته في الحج: «ربنا يكفينا شر العين» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيار الذى لم تُجرّبه الأنظمة العربية
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 04 - 2009

بغض النظر عما يعنيه لنا التدخل فى العالم العربى، والذى نتفق على تسميته فى الغالب الأعم بالاحتلال، الحقيقة هى أن القوى الأجنبية تخبطت فى تطبيق إستراتيجيتها، على مدى عقد ونصف، ثم سعت إلى ضبط وتنقية إستراتيجيتها بينما تضاعف من تدخلاتها فى الدول العربية.
وكان العراق بمثابة حقل الاختبار لإستراتيجية الولايات المتحدة أو بالأصح للا إستراتيجية، التى تقف وراءها الأيديولوجيا العمياء والتبرير.
وتعتبر مفردات القوة العسكرية أكثر تعقيدا بالنسبة لما يعرف الآن ببناء الأمة فى فترة ما بعد الصراع أو فى ظل أوضاع الصراع الدائم. فالجيش الأمريكى يتحول من الصراع التقليدى إلى تطبيق عمليات استقرار فى ما يطلق عليه الآن «الدول غير المحكومة». وينصب التركيز على حماية الناس، وتقديم المساعدات والخدمات العامة، وبناء المؤسسات وقوات الأمن، والمساعدة فى إعادة بناء البنية التحتية المادية. ولا يقف أى من هذه التوجهات الجديدة أمام السؤال: «إلى متى؟»، أى كيف تصبح هذه العملية مستقلة ذاتيا وقادرة على البقاء دون توجيه من الخارج.
السؤال لا يطرح إلا عندما يسقط الضحايا من الجنود ويبدأ غضب الرأى العام فى الضغط من أجل سحب القوات وإعادتها إلى البلاد. وهذا هو الوقت الذى تبدأ فيه المفاضلة بين الأشياء: «الثمن الذى ندفعه» مقابل «نوع الحكومة التى يمكن أن نتعايش معها؟» و«ما المشكلة إذن، إن كان شياطين الأمس، من بعثيى العراق وطالبان أفغانستان يمكنهم المساعدة فى تحقيق الاستقرار فى المكان والسماح لنا بالانسحاب؟».
لقد لجأت القوى الأجنبية إلى تحقيق الاستقرار القصير المدى من خلال ترتيبات مع الجماعات والقبائل والطوائف العرقية أو الدينية أو الجماعات السياسية المحلية. وسعت إلى ترسيخ سياسات للهوية تفرضها الظروف وليس المبادئ، دون إدراك لمدى ملاءمة الصيغة على المدى الطويل.
ويعنى بناء الدولة إعادة تحديد الصيغ السياسية التى يمكن أن توحد المجتمعات من جديد. وينبغى أن يكون لعمليات إعادة صياغة المجتمع هذه جذورها فى تراثه الخاص. ويجب أن تكون تلك هى نقطة الانطلاق لعملية إعادة البناء، وهى النقطة التى تحدد الإستراتيجية الشاملة وتضعها، لكنها تقع على ما يبدو خارج نطاق المهام التى يمكن أن تقوم بها القوى الخارجية.
لذا، دعونا نتفق على أنه كلما أسرعت هذه القوى الخارجية بالرحيل كان أفضل. لكن ما إن تحدد قوات الاحتلال جدولا للانسحاب حتى يصبح التحدى هو تحدى اللاعبين على الأرض. إذ لابد لهم من نقل تركيز جهودهم على محاربة الاحتلال إلى المهمة الأكثر تعقيدا والمتمثلة فى وضع الصيغة السياسية. والمتطلبات كثيرة: مقاربة نابعة من ظروف البلاد وتتماشى مع واقعها، ووطنية تقر بعلاقات خاصة ببعض البلاد المجاورة أو الأجنبية مع بقاء الأولوية للمصلحة الوطنية، وعقلية ديمقراطية ذات مسحة براجماتية، ومهارات للتفاوض، وإدراك راسخ لأن البديل للعيش معا هو الموت معا. وخيار الانفصال غير قابل للحياة ببساطة فى الشرق الأوسط، على عكس البلقان، حيث نجد كيانا إقليميا راسخا مثل الاتحاد الأوروبى يمكنه مد مجالات التعاون ودعم الدول الجديدة التى تجد صعوبة فى البقاء بدون هذا الدعم.
لكن من يستطيع التصدى للمسائل الحساسة الكامنة خلف التوترات الطائفية: ما مصدر انعدام الثقة والقلق بين الطوائف؟ هل هو عائد إلى هيمنة طائفة دون باقى الطوائف؟ أم إلى دولة ضعيفة، وجار مهيمن، وجيش قوى؟ ما هى الضرورات الحيوية أو الوجودية التى تقف وراء المواقف المتشددة لكل طائفة؟ ما الذى كان يؤلف بين الأمة أصلا قبل انهيار النظام السياسى السابق: التاريخ المشترك، أم القيم المشتركة، أم العدو الخارجى المشترك؟ كيف يمكن للصياغة السياسية أن تحقق قدرا من الاستقلال الذاتى وحدا أدنى من الحصانة للكيان القومى فى مواجهة المناورات الخارجية؟
ويتوقف هذا كله على سؤال أساسى، هو تحديدا: ما هى القاعدة أو المبدأ المؤسِّس الذى يمكن أن يقود إلى صيغة سياسية تضمن تقاسم السلطة وقيام مجتمع قائم على السلم، يتسق مع هويته ومعتقداته وحاجاته وولائه للدولة؟
هل هى القومية، أم العروبة، أم الإسلام، أم الإقليمية، أم الرأسمالية، أم مزيج من بعض هذه الولاءات؟ هل يمكن أن يكون مبدأ آخر لم نجربه من قبل؟
من المهم هنا التحلى بقدر كبير من الأمانة والشفافية يسمح بالاعتراف بإخفاقات الماضى. فالقومية العربية لم تدمج التعددية عند تعاملها مع واقع مجتمعات قائمة على التنوع مثل العراق، والسودان حتى تسعينيات القرن الماضى؛ وبدرجة أقل الجزائر. فقد فشلت الأصولية تماما فى الحفاظ على وحدة الأمة السودانية منذ التسعينيات وحتى اليوم، وفى أفغانستان وباكستان، ثبت أن ما فعلته نسختهما المتشددة من طالبان كان كارثة، لم تحل بالنساء وحدهن بل بكل الأمة والمدنية جمعاء. والأطر الإقليمية القائمة إما هياكل فارغة كما هو حال اتحاد المغرب العربى، أو لا تقدم حلولا للتحديات الوجودية التى تواجهها الدول كما فى حالة مجلس التعاون الخليجى. فالثروة لا تكون وسيلة للتماسك إلا إذا تواصل تدفقها. وبرغم بعض الإنجازات الوظيفية الناجحة، فقد فشل المجلس إلى حد كبير فى توفير إطار للمجتمعات يعكس مصيرها المشترك.
والإقرار بهذه الإخفاقات لا يؤدى إلى نتائج حتمية. فقيام قومية ديمقراطية أمر ممكن، كما تثبت تركيا. وتمثيل التنوع فى مؤسسات الدولة ليس ضعفا بالضرورة، والهند مثال حى على هذا. ويمكن تحقيق الحكم الدستورى فى أفغانستان والعراق والسودان، مثلما سبق وحدث فى جنوب إفريقيا وزيمبابوى.
ومن الغريب حقا أن الديمقراطية هى أنجع أنواع العلاج لترميم دول الشرق الأوسط الممزقة. ووجه الغرابة هو أن المجتمعات العربية والمسلمة ترفض بطبعها الخضوع للقانون. فالعادات كثيرا ما تتغلب على القوانين، وليس هناك نظام من النظم القائمة يتبنى سيادة القانون كأداة حقيقية للحكم. لكن الخيار الدستورى ليس مجرد نص تلتزم به الحكومة والمواطنون. إنه، أولا وقبل كل شىء، عملية ديناميكية تحدد الجماعات بمقتضاها شروط عقد اجتماعى يقوم على المواطنة المتكافئة، ثم الشروع فى بناء المؤسسات ووضع الآليات لضمان مشاركة المواطنين، حتى يصبح الدستور وثيقة حية.
وليست الدستورية مفهوما مثيرا، فهى لا تسمح بالخطب النارية وتعبئة الجماهير. وهى لا تبدو كمشروع عظيم يستحق الحياة أو الموت فى سبيله. لكنها قد تكون أنسب المبادئ لإعادة بناء المجتمعات الممزقة وحماية المجتمعات الآمنة من التمزق.
ولبنان هو أقرب البلاد لتبنى الدستورية كصيغة سياسية. ونظامه القائم على المحاصصة والمساومة لا يصلح كثيرا كمثال لبناء مجتمع حديث، لكن قدرة نخبته السياسية على المساومة فى أكثر اللحظات تأزما واضحة للعيان. وفى كل مرة، تجدد طوائفه السبعة عشر اتفاقا مزعزعا باحترام صيغة تقاسم السلطة الواردة بالدستور والقسم على العيش معا. والخيار الدستورى لا يكرس الاحتفاء ببُنى المجتمع العتيقة أو يتجاهلها. بل إنه يسعى إلى تنظيم الواقع فى إطار يوازن بين التمثيل والفاعلية. فهل العراق فى طريقه لتنفيذ الدستورية؟ وهل يمكن للسودان وأفغانستان تبنى الدستورية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.