موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 5 يونيو 2025    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    إعلام فلسطيني: الاحتلال يقصف بكثافة خيام نازحين في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة    جماهير الأهلي تطالب بمحاسبة هاني شكري.. وتحرك قانوني عاجل    «وكمان تيشيرت أحمر».. مدرب الزمالك السابق يتحسر على انتقال زيزو إلى الأهلي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    أكثر من مليون ونصف حاج.. بدء تصعيد الحجاج إلى مشعر عرفات    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث سير ببني سويف    لقطات جديدة من حفل زفاف محمد شاهين والمنتجة رشا الظنحاني، ومفاجأة من العروس (فيديو)    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    ما هى أوقات استجابة الدعاء في يوم عرفه 2025 وأفضل الأعمال المستحبة؟.. الإفتاء توضح    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    أوكرانيا تعتمد على زيادة إنتاج الأسلحة في الخارج    «الطقس× العيد».. حار إلى شديد الحرارة وتحذير من الشبورة والرياح واضطراب الملاحة (نصائح الأرصاد)    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس اليوم الخميس.. والعظمى بالقاهرة 35    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    البيت الأبيض يرد على انتقادات ماسك لقانون الموازنة: العلاقات متناغمة وترامب ملتزم بدعم القانون    أمين مجمع البحوث الإسلامية الأسبق يكرم حفظة القرآن الكريم بمدينة طهطا    9 ذو الحجة.. ماذا يفعل الحجيج في يوم عرفة؟    سعر السمك والجمبري والكابوريا بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو 2025    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    أغانى الحج.. رحلة من الشوق والإيمان إلى البيت الحرام    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: أخيرا بهجت عملها (صور)    "عاد إلى داره".. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بدر بانون    مطار العاصمة الإدارية يستقبل أولى الرحلات القادمة من سلوفاكيا على متنها 152 راكبا (صور)    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    محافظ الدقهلية يتابع عمليات نظافة الحدائق والميادين استعدادا للعيد    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    وزيرة البيئة تنفي بيع المحميات الطبيعية: نتجه للاستثمار فيها    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    دعاء من القلب بصوت الدكتور علي جمعة على قناة الناس.. فيديو    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عزون شرق قلقيلية بالضفة الغربية    الأمم المتحدة تدعو إلى التوصل لمعاهدة عالمية جديدة لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية    «مدبولي» يوجه الحكومة بالجاهزية لتلافي أي أزمات خلال عيد الأضحى    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    التأمين الصحى بالقليوبية: رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    مسابقة لتعيين 21 ألف معلم مساعد    دبلوماسية روسية: أمريكا أكبر مدين للأمم المتحدة بأكثر من 3 مليارات دولار    مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى المبارك    «الأوقاف» تعلن موضوع خطبة عيد الأضحى    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    مصادر مطلعة: حماس توافق على مقترح «ويتكوف» مع 4 تعديلات    مصر تطلع المبعوث الصيني للشرق الأوسط على جهود وقف النار في غزة    نور الشربيني تتأهل لربع نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش وهزيمة 6 مصريين    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيار الذى لم تُجرّبه الأنظمة العربية
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 04 - 2009

بغض النظر عما يعنيه لنا التدخل فى العالم العربى، والذى نتفق على تسميته فى الغالب الأعم بالاحتلال، الحقيقة هى أن القوى الأجنبية تخبطت فى تطبيق إستراتيجيتها، على مدى عقد ونصف، ثم سعت إلى ضبط وتنقية إستراتيجيتها بينما تضاعف من تدخلاتها فى الدول العربية.
وكان العراق بمثابة حقل الاختبار لإستراتيجية الولايات المتحدة أو بالأصح للا إستراتيجية، التى تقف وراءها الأيديولوجيا العمياء والتبرير.
وتعتبر مفردات القوة العسكرية أكثر تعقيدا بالنسبة لما يعرف الآن ببناء الأمة فى فترة ما بعد الصراع أو فى ظل أوضاع الصراع الدائم. فالجيش الأمريكى يتحول من الصراع التقليدى إلى تطبيق عمليات استقرار فى ما يطلق عليه الآن «الدول غير المحكومة». وينصب التركيز على حماية الناس، وتقديم المساعدات والخدمات العامة، وبناء المؤسسات وقوات الأمن، والمساعدة فى إعادة بناء البنية التحتية المادية. ولا يقف أى من هذه التوجهات الجديدة أمام السؤال: «إلى متى؟»، أى كيف تصبح هذه العملية مستقلة ذاتيا وقادرة على البقاء دون توجيه من الخارج.
السؤال لا يطرح إلا عندما يسقط الضحايا من الجنود ويبدأ غضب الرأى العام فى الضغط من أجل سحب القوات وإعادتها إلى البلاد. وهذا هو الوقت الذى تبدأ فيه المفاضلة بين الأشياء: «الثمن الذى ندفعه» مقابل «نوع الحكومة التى يمكن أن نتعايش معها؟» و«ما المشكلة إذن، إن كان شياطين الأمس، من بعثيى العراق وطالبان أفغانستان يمكنهم المساعدة فى تحقيق الاستقرار فى المكان والسماح لنا بالانسحاب؟».
لقد لجأت القوى الأجنبية إلى تحقيق الاستقرار القصير المدى من خلال ترتيبات مع الجماعات والقبائل والطوائف العرقية أو الدينية أو الجماعات السياسية المحلية. وسعت إلى ترسيخ سياسات للهوية تفرضها الظروف وليس المبادئ، دون إدراك لمدى ملاءمة الصيغة على المدى الطويل.
ويعنى بناء الدولة إعادة تحديد الصيغ السياسية التى يمكن أن توحد المجتمعات من جديد. وينبغى أن يكون لعمليات إعادة صياغة المجتمع هذه جذورها فى تراثه الخاص. ويجب أن تكون تلك هى نقطة الانطلاق لعملية إعادة البناء، وهى النقطة التى تحدد الإستراتيجية الشاملة وتضعها، لكنها تقع على ما يبدو خارج نطاق المهام التى يمكن أن تقوم بها القوى الخارجية.
لذا، دعونا نتفق على أنه كلما أسرعت هذه القوى الخارجية بالرحيل كان أفضل. لكن ما إن تحدد قوات الاحتلال جدولا للانسحاب حتى يصبح التحدى هو تحدى اللاعبين على الأرض. إذ لابد لهم من نقل تركيز جهودهم على محاربة الاحتلال إلى المهمة الأكثر تعقيدا والمتمثلة فى وضع الصيغة السياسية. والمتطلبات كثيرة: مقاربة نابعة من ظروف البلاد وتتماشى مع واقعها، ووطنية تقر بعلاقات خاصة ببعض البلاد المجاورة أو الأجنبية مع بقاء الأولوية للمصلحة الوطنية، وعقلية ديمقراطية ذات مسحة براجماتية، ومهارات للتفاوض، وإدراك راسخ لأن البديل للعيش معا هو الموت معا. وخيار الانفصال غير قابل للحياة ببساطة فى الشرق الأوسط، على عكس البلقان، حيث نجد كيانا إقليميا راسخا مثل الاتحاد الأوروبى يمكنه مد مجالات التعاون ودعم الدول الجديدة التى تجد صعوبة فى البقاء بدون هذا الدعم.
لكن من يستطيع التصدى للمسائل الحساسة الكامنة خلف التوترات الطائفية: ما مصدر انعدام الثقة والقلق بين الطوائف؟ هل هو عائد إلى هيمنة طائفة دون باقى الطوائف؟ أم إلى دولة ضعيفة، وجار مهيمن، وجيش قوى؟ ما هى الضرورات الحيوية أو الوجودية التى تقف وراء المواقف المتشددة لكل طائفة؟ ما الذى كان يؤلف بين الأمة أصلا قبل انهيار النظام السياسى السابق: التاريخ المشترك، أم القيم المشتركة، أم العدو الخارجى المشترك؟ كيف يمكن للصياغة السياسية أن تحقق قدرا من الاستقلال الذاتى وحدا أدنى من الحصانة للكيان القومى فى مواجهة المناورات الخارجية؟
ويتوقف هذا كله على سؤال أساسى، هو تحديدا: ما هى القاعدة أو المبدأ المؤسِّس الذى يمكن أن يقود إلى صيغة سياسية تضمن تقاسم السلطة وقيام مجتمع قائم على السلم، يتسق مع هويته ومعتقداته وحاجاته وولائه للدولة؟
هل هى القومية، أم العروبة، أم الإسلام، أم الإقليمية، أم الرأسمالية، أم مزيج من بعض هذه الولاءات؟ هل يمكن أن يكون مبدأ آخر لم نجربه من قبل؟
من المهم هنا التحلى بقدر كبير من الأمانة والشفافية يسمح بالاعتراف بإخفاقات الماضى. فالقومية العربية لم تدمج التعددية عند تعاملها مع واقع مجتمعات قائمة على التنوع مثل العراق، والسودان حتى تسعينيات القرن الماضى؛ وبدرجة أقل الجزائر. فقد فشلت الأصولية تماما فى الحفاظ على وحدة الأمة السودانية منذ التسعينيات وحتى اليوم، وفى أفغانستان وباكستان، ثبت أن ما فعلته نسختهما المتشددة من طالبان كان كارثة، لم تحل بالنساء وحدهن بل بكل الأمة والمدنية جمعاء. والأطر الإقليمية القائمة إما هياكل فارغة كما هو حال اتحاد المغرب العربى، أو لا تقدم حلولا للتحديات الوجودية التى تواجهها الدول كما فى حالة مجلس التعاون الخليجى. فالثروة لا تكون وسيلة للتماسك إلا إذا تواصل تدفقها. وبرغم بعض الإنجازات الوظيفية الناجحة، فقد فشل المجلس إلى حد كبير فى توفير إطار للمجتمعات يعكس مصيرها المشترك.
والإقرار بهذه الإخفاقات لا يؤدى إلى نتائج حتمية. فقيام قومية ديمقراطية أمر ممكن، كما تثبت تركيا. وتمثيل التنوع فى مؤسسات الدولة ليس ضعفا بالضرورة، والهند مثال حى على هذا. ويمكن تحقيق الحكم الدستورى فى أفغانستان والعراق والسودان، مثلما سبق وحدث فى جنوب إفريقيا وزيمبابوى.
ومن الغريب حقا أن الديمقراطية هى أنجع أنواع العلاج لترميم دول الشرق الأوسط الممزقة. ووجه الغرابة هو أن المجتمعات العربية والمسلمة ترفض بطبعها الخضوع للقانون. فالعادات كثيرا ما تتغلب على القوانين، وليس هناك نظام من النظم القائمة يتبنى سيادة القانون كأداة حقيقية للحكم. لكن الخيار الدستورى ليس مجرد نص تلتزم به الحكومة والمواطنون. إنه، أولا وقبل كل شىء، عملية ديناميكية تحدد الجماعات بمقتضاها شروط عقد اجتماعى يقوم على المواطنة المتكافئة، ثم الشروع فى بناء المؤسسات ووضع الآليات لضمان مشاركة المواطنين، حتى يصبح الدستور وثيقة حية.
وليست الدستورية مفهوما مثيرا، فهى لا تسمح بالخطب النارية وتعبئة الجماهير. وهى لا تبدو كمشروع عظيم يستحق الحياة أو الموت فى سبيله. لكنها قد تكون أنسب المبادئ لإعادة بناء المجتمعات الممزقة وحماية المجتمعات الآمنة من التمزق.
ولبنان هو أقرب البلاد لتبنى الدستورية كصيغة سياسية. ونظامه القائم على المحاصصة والمساومة لا يصلح كثيرا كمثال لبناء مجتمع حديث، لكن قدرة نخبته السياسية على المساومة فى أكثر اللحظات تأزما واضحة للعيان. وفى كل مرة، تجدد طوائفه السبعة عشر اتفاقا مزعزعا باحترام صيغة تقاسم السلطة الواردة بالدستور والقسم على العيش معا. والخيار الدستورى لا يكرس الاحتفاء ببُنى المجتمع العتيقة أو يتجاهلها. بل إنه يسعى إلى تنظيم الواقع فى إطار يوازن بين التمثيل والفاعلية. فهل العراق فى طريقه لتنفيذ الدستورية؟ وهل يمكن للسودان وأفغانستان تبنى الدستورية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.