«بالنسبة للاقتصاد المصرى يعد النمو وخلق الوظائف مسألة مهمة، ولكن تحقيق المساواة فى وصول فوائد هذا النمو لأكبر عدد من الناس، وتمكينهم من أن يكون لديهم قدرة أفضل على الاختيار، ونصيب اكبر من التعليم والصحة، ومستويات أعلى من المعيشة فهذا لن يتحقق من خلال النمو الاقتصادى وحده»، تبعا لما قاله خوسيه بيندا، المشارك فى إعداد تقرير التنمية البشرية لعام 2010، الذى تم إطلاقه يوم الخميس الماضى. وأكد بيندا فى حواره مع «الشروق» على أن فريق العمل الذى أعد التقرير خلص بعد دراسة تجارب التنمية فى العالم الى أن التركيز على تحقيق النمو الاقتصادى بدون الاهتمام الكافى بالسياسات ذات الطابع الاجتماعى لم تكن سياسة صائبة، «هناك العديد من الدول حققت نموا مرتفعا ولكنها لم تحقق الانجاز المطلوب فى التنمية، وأخرى على العكس أنجزت أهدافها التنموية فى مجالات التعليم والصحة، رغم معدلات النمو الاقتصادى الصغيرة»، معتبرا أن تجربتى إندونيسيا وكوريا الجنوبية من أبرز التجارب التى نجحت فى تحقيق نمو يتوازى مع التنمية. وأطلق تقرير التنمية البشرية الأخير مؤشرا جديدا لرصد المساواة فى الاستفادة من عملية التنمية، تم بموجبه تخفيض تقدير التنمية البشرية فى مصر من 0.620 نقطة الى 0.449 نقطة. وفيما يروج التقرير الى أن التكنولوجيا من الممكن أن توفر بعض الحلول الذكية لتطوير خدمات التعليم والصحة بدون تكاليف مرتفعة، تظل مشكلة تمويل تلك الخدمات فى مصر قضية لا يمكن تجاهلها، فى ظل ارتفاع عدد السكان الذى يفاقم من تكاليف التنمية، «لا نستطيع أن ننكر أن التكنولوجيا لا تقدر على حل مشكلات كتدبير الموارد لبناء المدارس وتدريب المدرسين، وهنا يأتى دور النمو الاقتصادى، ولكن لا يصح أن تركز على هذا العنصر فقط»، كما أضاف بيندا. وتثير تبعات الأزمة المالية على الاقتصاد العالمى جدلا محتدما هذه الأيام حول اولويات الانفاق العام فى ظل تصاعد معدلات العجز فى الموازنة، والذى يتوقع أن يبلغ 7.9% من الناتج المحلى فى مصر فى العام الحالى. فيرى البعض ضرورة تحفيز القطاع الخاص لخلق النمو وأخرون يرون أن الانفاق الاجتماعى والتنموى أكثر أهمية، ويقول بيندا إن هناك ضرورة لمشاركة جميع أطراف المجتمع فى تحمل اعباء الازمة، «ولكن يجب ان يوضع فى الاعتبار ألا تتحمل الفئات الأقل دخلا العبء الأكبر فى الأزمة، وألا يتم التراجع عن الانفاق على الاحتياجات الاجتماعية، بشرط ان يكون موجها للفئات المستحقة له». التضخم أحد أسباب الفقر تصل نسبة السكان الواقعين فى «الفقر متعدد الأبعاد» فى مصر إلى 6.4% بحسب التقرير، كما أن 6.9% من السكان معرضون لخطر الوقوع فى هذا النمط من الفقر الذى يقيسة البرنامج الانمائى للامم المتحدة على اساس الحرمان من الخدمات الاساسية. وتقدر الحكومة المصرية أنه فى عام 2009 كان 21.6% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. وليست السياسات العامة هى فقط المسئولة عن الفقر، حيث يحذر بيندا من أن ارتفاع معدلات التضخم، كما هو الحال بالنسبة لأسعار الغذاء فى مصر، قد يتسبب فى اسقاط المزيد من الناس فى براثن الفقر، أو «أن يهبط الفقراء الى مستوى الفقر المدقع». وينصح بيندا بمواجهة التضخم بمزيد من فتح السوق «لأن الأسعار العالمية للغذاء بدأت تتجه للتراجع»، علاوة على تطبيق سياسات نقدية تساهم فى تخفيض مستوى زيادة الأسعار، وسياسات داعمة للفقراء تستهدفهم على نحو أكثر كفاءة. ويرى معدو التقرير أن الديمقراطية عنصر أساسى لتحقيق التنمية، ويشير بيندا إلى أنها لن تتحقق فقط من خلال وجود مؤسسات كالبرلمان، ولكن المهم أن يكون الناس قادرون على المشاركة فى صنع السياسات العامة لبلادهم، وأن تتوافر الآليات التى تمكنهم من توصيل صوتهم، كوجود مجتمع مدنى قادر على التعبير عن المطالب الاجتماعية.