مفتي الجمهورية يستقبل عميد كلية أصول الدين بالهند ويؤكد أهمية تعزيز التعاون    مناقشة إنجاز وحدات السكان بمجالس المدن بسيناء    زيلينسكي يصل برلين للقاء قادة أوروبا وبحث الأزمة الأوكرانية    تشكيل توتنهام ضد باريس سان جيرمان على لقب السوبر الأوروبي    وزير العمل يثمن جهود الداخلية في ضبط 10 شركات وهمية لإلحاق العمالة بالخارج    مفتي الجمهورية يستقبل مفتي «بلجراد» ويبحثان سبل تعزيز التعاون لخدمة مسلمي أوروبا    نجم المصري البورسعيدي: نستحق التتويج بالبطولات مثل بيراميدز    رئيس الأركان الإسرائيلي: نواجه حربًا متعددة الساحات ونتبنى استراتيجية جديدة    السكة الحديد تُعلن مواعيد تشغيل قطارات خط القاهرة - السد العالي    مدحت قريطم يدعو لاستئناف قوافل التوعوية بقواعد المرور بالمدارس والجامعات    انطلاق بطولة كأس مصر للتجديف الجمعة القادمة من مياه قناة السويس بالإسماعيلية    كريم محمود عبد العزيز ينتظر عرض فيلمه طلقنى خلال الفترة المقبلة.. صورة    استشاري نفسي يُحلل شخصية محمد رمضان: «يُعاني من البارانويا وجنون العظمة»    رمزى عودة: الانقسام الداخلى فى إسرائيل يضعف نتنياهو وقد يسرّع الدعوة لانتخابات    أنا زوجة ثانية وزوجى يرفض الإنجاب مني؟.. أمين الفتوى يرد بقناة الناس    أمين الفتوى: اللطم على الوجه حرام شرعًا والنبي أوصى بعدم الغضب    إجراءات صارمة وتوجيهات فورية فى جولة مفاجئة لمحافظ قنا على المنشآت الخدمية بنجع حمادي    محافظ المنيا ورئيس الجامعة يفتتحان وحدة العلاج الإشعاعي الجديدة بمستشفى الأورام    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: حماس عليها أن تقدم أولوية إنقاذ شعبنا    ارتفاع مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير في أمريكا وتراجع البنزين    جامعة الفيوم تنظم قافلة طبية بقرية اللاهون    إخلاء سبيل 6 متهمين بالتشاجر في المعادى    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    محافظ الجيزة يعتمد تخفيض تنسيق القبول بالثانوية العامة ل220 درجة    موراتا: سعيد بالانضمام إلى كومو ومستعد لتقديم كل ما لدي    الرئيس والإعلام ورهانه الرابح    رئيس اتحاد اليد بعد التأهل التاريخي: قادرين على تخطي إسبانيا    كرة سلة.. سبب غياب إسماعيل مسعود عن منتخب مصر بالأفروباسكت    بيكو مصر تخفض أسعار أجهزتها المنزلية 20%    محمود ناجي حكما لمباراة أنجولا والكونغو في أمم إفريقيا للمحليين    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    انتشار حرائق الغابات بجنوب أوروبا.. وفاة رجل إطفاء وتضرر منازل ومصانع    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    وزير الخارجية بدر عبد العاطي ضيف أسامة كمال الليلة على dmc    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    تفاصيل توقيع بنك القاهرة وجهاز تنمية المشروعات عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر.. صور    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    ثنائي العود يحيي أمسية في حب فيروز وزياد الرحباني بقصر الأمير طاز    تفاصيل أول مشروع ل راغب علامة بعد حل أزمته مع نقابة الموسيقيين    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    شروط تقليل الاغتراب لأبناء مطروح الناجحين فى الثانوية العامة    وزير الصحة يشكر النائب العام على سرعة الاستجابة في واقعة "مستشفى دكرنس"    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    «الترويكا الأوروبية» تهدد بإعادة فرض عقوبات على إيران في هذه الحالة    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يحتال المصريون لكسب القوت؟
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 04 - 2009

الحضارة المصرية ظلت على طول تاريخها حضارة العمل الشاق والجهد الدؤوب، فهى حضارة زراعية، وما كان من الممكن أن يستطيع الناس سكنى وادى النيل قبل أن يتمكنوا من تجفيف المستنقعات التى أحاطت بالنهر وتهيئتها للزراعة، فضلا عن انتزاع الغاب والحلفا والبردى التى أحاطت بالنهر، ثم حفر القنوات والترع، وإنشاء التلال أو الأكوام التى أقاموا فوقها قراهم، حتى لا يجرفها فيضان النهر الهادر، هذا فضلا عن استئناس وتربية الحيوانات والطيور. وإذا تقدمنا درجة أعلى فى سلم الحضارة فسنجد المصريين وقد قدوا الحجارة الضخمة من محاجرها، ونقلوها بأحجامها الهائلة مئات الكيلومترات، ليقيموا منها الصروح والأعمدة والتماثيل والمسلات الخالدة، بعد أن يبذلوا جهدا رشيقا فى هندستها ورسمها وحفرها حفرا غائرا أو بارزا.
ولان العمل كان أساس الحضارة وأكل العيش لدى المصريين فقد ذخر تراثهم الثقافى بتمجيد ذلك العمل، انظر مثلا: الإيد البطالة نجسه، اسعى يا عبد وأنا أسعى معاك، ازرع كل يوم تأكل كل يوم، محدش بياكلها بالساهل، أكل العيش مر.
وسوف أحاول هنا إلقاء الضوء على بعض تلك المهن التى تشير إلى احتيال المصريين لكسب القوت. بعض تلك المهن قد انقرضت وانتهى زمانها وبعضها نشأت وازدهرت. ولا نقصد بالاحتيال هنا المعنى الشائع للنصب والتدليس وإنما نقصد بذل الجهد واستفراخ الوسع، وكما يقول طه حسين «يحتال للعلة حتى يبرأ منها ويحتال للفقر حتى يخرج منه».
وأول تلك المهن التى انقرضت تلك المهنة الغريبة التى كانت تسمى «التصييف»، وكانت تنتشر فى القرى فى مواسم الحصاد. حيث تظهر سيدة من الفقيرات بين الحقول تحمل على كتفها كيسا كبيرا من القماش يحوى بعض الحلوى اللذيذة أو بعض الإكسسوار الرخيص مع علبة تحوى بعض السردين والملوحة. تسعد الأم بالسردين الذى يغنيهن عن عناء التفكير فى غداء عمل لأطفالها وزميلاتها اللاتى يساعدنها فى العمل، ويسعد الأطفال الصغار بالحلوى والإكسسوار. كل هذا تمنحه السيدة مقابل أن يدعها صاحب الحقل تتجول فيه بحثا عن كيزان الذرة أو سبلات القمح المنسية بين الحشائش.
ثم تأتى مهنة «الأبونيه» فقد كانت المواصلات إلى القاهرة شحيحة وغالية الثمن بالقياس إلى غالبية أهالى القرى والبلاد من الفقراء، والذين كان لكثير منهم مصالح وحوائج يحتاجون قضاءها من القاهرة، من هنا تأت مهنة «الأستاذ فلان الأبونيه» والأبونيه كما نعلم هو كارنيه يتيح لحامله أن يسافر بسعر مخفض، ويدور هذا «الأستاذ الأبونيه» على أصحاب الحوائج: أب يريد أن يرسل لابنه الذى يدرس هناك ويعيش فى بولاق الدكرور، بعض النقد المحدود، مثقف ريفى يريد شراء الكتاب الفلانى من دار الهلال، سيدة تريد أن تبعث لأقاربها فى روض الفرج بعض الزبد والجبن، بنات يردن شراء مجلة حواء وبعض الترتر وخرج النجف من الموسكى، واحد يريد استخراج شهادة من دار المحفوظات بالقلعة. ولقد شهدت بنفسى من يريد من «الأبونيه» أن يقرأ له الفاتحة فى مقام «الست أم هاشم»، وبالطبع يدفع كل صاحب حاجة بعض القروش التى يقنع بها «الأستاذ الأبونيه» مكسبا يعوضه عناء السفر والشحططة فى «تروماى» القاهرة طيلة النهار.
وهناك أيضا مهنة تبييض النحاس إذ ينادى فى الحى مناد يقول: «أبيض نحاس أبيض»، وفى أحد الوسعايات يشعل المبيض النيران وتأتى إليه السيدات بحلل النحاس التى اسودت من الصناج الذى يصاحب نار وابور الجاز أو الكانون، وبعد أن يدعك المبيض النحاس لتنظيفه يقوم بتسخينه ويمر عليه بإصبع من القصدير الذى يذوب على النحاس المتوهج وتعود الأوانى النحاسية إلى لون القصدير اللامع.
ومن المهن التى انقرضت أيضا مهنة السمكرى الذى يصلح بوابير الجاز والكلوبات بعد أن انتشر البوتاجاز أو الغاز والكهرباء فى القرى والبلاد.
ومن المهن التى انقرضت أيضا القراقوز الذى لم يكن يتطلب سوى «زمارة» من الصفيح والجلد فى حجم أقل من نواة حبة الزيتون يضعها الرجل فى فمه وبرفانا خشبيا تقف وراءه العرائس المحببة: السيدة، العمدة، الخفير ثم القراقوز البطل بصوته الذى كان يسحرنا ونحن أطفال فى حكايات ساذجة تزخر بالعنف والبذاءة والجاذبية فى نفس الوقت. ومثل ذلك مهن الحاوى ونافخ النار وآكل الزجاج والنائم على المسامير، والذى يطلب رجالا أشداء يربطونه بالحبال ليتخلص منها وأظن أنها قد انقرضت جميعا وربما تظهر على استحياء فى هذا المولد أو ذاك.
ومن المهن التى بدأت وصنعتها الظروف المتغيرة، مهنة الواقف فى طابور العيش ذلك الطابور الذى يمتد طويلا أمام الأفراد للحصول على الرغيف المدعوم وهو قليل ونادر. وقد وجد بعض الشباب والأطفال فى طابور العيش مصدرا للرزق، إذ يسعى إلى تدبير رأس مال لا يزيد على ثلاث جنيهات، فيقف فى الطابور ليشترى خمسين أو ستين رغيفا ويتنحى جانبا ليقوم ببيعهم لرجل أو امرأة لا تسمح ظروفهم بالوقوف فى الطابور الطويل مقابل قرش أو أكثر زيادة فى سعر كل رغيف، ويعاود الوقوف فى الطابور لشراء الخبز وبيعه من جديد وفى المساء يكون قد تجمع لديه من المال ما يفى بضرورياته.
وفى العاصمة وأمام المصالح الحكومية التى تكثر بها النساء العاملات المثقلات بالواجبات المنزلية، وعلى رأسها طهو الطعام، تكثر بائعات الخضار الذى تم تجهيزه للطهى. فبإمكان السيدة العاملة أن تشترى أكياس الخضار المجهز بمختلف أنواعه وأكياس الباذنجان والكوسة التى أعدت للحشو. وقل مثل ذلك فى أسواق السمك حيث يقبع خلف كل بائع من يملك ساطورا وقرمة وبعض السكاكين ليقوم بتنظيف السمك وتقطيعه.
ولقد أصبحت بعض المصالح الحكومية سوقا موازية للسوق الرسمية وعلاقات الزمالة بين الموظفين تقطع نصف المسافة بين البيع والمكسب، فنجد موظفا أو موظفة يبيع لزملائه سلعا بالنقض أو التقسيط من الملابس إلى المصنوعات الجلدية والعطور والساعات. وأعرف أحدهم وهو يحمل شنطة سامسونايت كبيرة نسبيا يخرج منها كالحاوى أى شىء يطلبه زميل أو زميله: جوارب، كرافتات، ساعة، ولاعة، قميص نوم، وكان يبيع أيضا ما أعدته له زوجته من ساندوتشات البيض والجبن الرومى ليستبدل بهم الفول والطعمية ويربح الفرق بين السعرين.. هذه بعض إبداعات المصريين فى التحايل على الفقر وشظف العيش، نعم قد يكون أكل العيش مر، ولكن الذى أمر منه هو الفقر وذل السؤال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.