رئيس هيئة النيابة الإدارية يستقبل وزير العدل    شيخ الأزهر يلتقي الرئيس الإيطالي ويؤكدان ضرورة الالتزام بخطة السلام في الشرق الأوسط    مدبولي يناقش الرؤية المقترحة لإعداد النسخة المحدثة من وثيقة سياسة ملكية الدولة    وزير العمل يشارك في ملتقى هواوي السادس للتوظيف    طريق جديدة لجرارات القصب لتخفيف الزحام بأرمنت والمحافظ يتابع التنفيذ    بدء صرف معاشات نوفمبر الأسبوع القادم.. «التأمينات» تعلن الجدول الرسمي للمستفيدين    رئيس جامعة المنصورة يستقبل فريق مركز الحفريات الفقارية    جولة ترامب الآسيوية.. باكستان تسعى لإغراء واشنطن وقطع الطريق على الهند    "إكسترا نيوز": 400 شاحنة مساعدات عبرت إلى غزة ضمن مبادرة "زاد العزة"    لا يمكن إيقافه.. كيف تحول مبابى إلى كابوس برشلونة؟    الزمالك يتقدم بتظلم ضد عقوبات الاتحاد الأفريقي لكرة اليد    شوط أول سلبي بين سموحة و الجونة في الدوري الممتاز    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    تموين المنيا: ضبط 283 مخالفة خلال حملات رقابية على الأسواق والمخابز البلدية    العدالة تنصف طفلة قليوب وتقضى بالسجن المشدد 10 سنوات لمُعتديها    عقاب رادع.. المشدد 15 سنة لشاب أطلق النار على الشرطة في شبرا الخيمة    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    المتحف المصري الكبير.. أيقونة حضارية تستعد لافتتاح تاريخي وترويج عالمي    الفائز بجائزة النجمة البرونزية بمهرجان الجونة..الفيلم المصري المستعمرة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي    محمد سلام: عودة مفاجئة ومسيرة صعود صنعت حب الجمهور.. وانتقال للبطولة بمسلسل كارثة طبيعية    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    ذبابة الرمل السوداء القاتلة: خطر صامت يهدد الأطفال بعد وفاة طفل في الأردن بلدغتها    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: إصابة 3 في انهيار عقار بالكورنيش.. ومتحف المجوهرات يحتفل بالعيد السنوى ال39    مدير تعليم سوهاج يشارك في الاجتماع التنسيقي لتنفيذ مبادرة الأنيميا والتقزم    متي يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025؟    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    جدول مواقيت الصلاة غدًا الثلاثاء 28 أكتوبر بمحافظات الصعيد    شرم الشيخ تشهد انطلاق اجتماعات المجلس التنفيذي للإنتوساي    «فنانون ومبدعون».. ما هي الأبراج التي تتمتع بخيال واسع؟    الكاتب أسامة علام: تعلّمت من محمد المخزنجي أن الكتابة عن الكاركتر هو البطل الحقيقي    عمان.. مباحثات أردنية أمريكية بشأن تثبيت وقف إطلاق النار غزة    اليوم.. عزاء شقيق فريدة سيف النصر بمسجد عمر مكرم    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    عاجل- إنهاء حالة الطوارئ في جنوب إسرائيل لأول مرة منذ 7 أكتوبر    أوعى «الوعي» !    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    بيان من مستشفى بدر الجامعى بحلوان بشأن حادث طريق القاهرة السويس    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    المصري يجهز ملفًا مصورًا لتصعيد أزمة طرد صلاح محسن أمام الكاف    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    وزير الثقافة يشهد احتفالية اليوم العالمي للتراث غير المادي (صور)    إنفوجراف| تصريحات ترامب فور وصوله مطار طوكيو خلال جولته الآسيوية    وزير العمل: إصدار القانون الجديد محطة فارقة في تحديث التشريعات الوطنية    «ده تهريج».. تعليق ناري من شوبير على أزمة دونجا قبل السوبر    علاج 1674 مواطنا بقافلة طبية بالشرقية    شيخ الأزهر: الحروب العبثية كشفت انهيار النظام الأخلاقي في العالم    بكام الطماطم النهارده؟.. أسعار الخضراوات والفاكهة فى الوادى الجديد    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    بكم طن عز الآن؟ سعر الحديد اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 محليا و أرض المصنع    شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام بروما: لا سلام بالشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    دعاء الحج والعمرة.. أدعية قصيرة ومستحبة للحجاج والمعتمرين هذا العام    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارمن بنت الغجر
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 10 - 2010

خيالى، وربما خيال معظم أبناء وبنات جيلى مدين بالكثير لسينما الخمسينيات والستينيات. ثم إن جانبا مهما من حصيلة تراكم ما عرفنا وتعلمنا مدين لهذا الخيال، الذى ساهمت فى تشكيله أفلام تلك الفترة. يحضرنى هذا فى مناسبة الحملة الأوروبية الشرسة ضد شعب الغجر، طردهم نيكولا ساركوزى متهما إياهم بأنهم يهددون سلامة المواطنين، ويخرقون قوانين النظافة ويعتدون على أبهة الجمال، قدس أقداس فرنسا ويشوهون صورة مدينة الأنوار. طردهم عمدة روما عاصمة إيطاليا بحجة أنهم يمارسون أعمالا تخالف القانون، ويقيمون فى مخيمات وكرافانات لا تراعى قواعد الصحة ولوائح البلديات وقوانين العمل.
هذه المرة تابعت الحملة عن بعد. عدت لأرى صور الغجر يرتدون ملابس رثة، وعلى وجوههم المتعبة خط الشقاء تجاعيده، وأجسادهم النحيفة تنبئ عن علل وأمراض شتى، ومن حولهم تركض أو ترقد حيوانات شتى، خيل وكلاب وقطط ودجاج، وتسد الطريق إلى داخل المخيم عربة منكسة ذراعاها تشبه عربات كانت تنقل المهاجرين إلى الغرب الأمريكى خلال سنوات «توسع المستوطنين الأوروبيين فى غزو القارة الأمريكية».
رأيت قبل سنوات عديدة غجرا فى أحياء عشوائية تحيط بمدن فى شرق أوروبا كانوا فى غالبيتهم سمر البشرة وأقرب إلى قصر القامة، لاحظت إمعانهم فى تمسكهم بتقاليدهم وطرق معيشتهم وملبسهم، سمعت وقتها أنهم يدينون غالبا بديانة الشعب، الذى يعيشون على هامشه. يكسبون قوتهم من أعمال الحدادة والغناء والرقص والوساطة فى تجارة الخيول، ومن هنا ربما انتشرت سمعتهم كأمهر من سرق الخيول. أما النساء فغالبيتهن يقرأن الكف والفنجان ويوشوشن الودع وينثرن الحصى ويفتحن الورق. قرأت أنهم منتشرون فى جميع قارات الأرض ولكن غير معروفة بالدقة أعدادهم ولا حتى بالتقريب. يقدر مسئولون أوروبيون عددهم فى أوروبا باثنى عشر مليونا ويقدره آخرون بما يزيد على 22 مليونا. تقول الروايات إنهم جاءوا من شمال شرق الهند فى وقت ما من « الألفية الأولى»، وأقاموا فترة فى إيران انقسموا خلالها إلى ثلاث مجموعات الجيتانو وكالدريش والمانوش. وصلوا إلى أوروبا فى القرن الخامس عشر، حيث اضطهدتهم جميع الحكومات والكنائس مما دفع البعض منهم إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة فى القرن الثامن عشر. ويقال إن أكثر من نصف مليون غجرى ماتوا فى معسكرات اعتقال النازى، هؤلاء تتجاهلهم كتابات المحرقة النازية التى ركزت على موتى اليهود فكان أن قامت لهم دولة على فلسطين ولم تقم للغجر دولة على أى مكان.
وفى الربع الأخير من القرن العشرين ومع نشأة وتطور الاتحاد الأوروبى عاد ينتعش الميل الطبيعى لدى الغجر للتحرك عبر الحدود بدون قيود. عادوا يمارسون الحج إلى جنوب فرنسا مرة كل عام حيث كنيسة سانت مارى دو لا مير. ومن هناك يقررون على طريق العودة الإقامة لبعض الوقت فى فرنسا أو ايطاليا أو هولندا أو النمسا مما دفع دول أوروبا الغربية إلى وضع قيود جديدة على حركتهم وأغلبها يخالف قوانين حرية التنقل لجميع مواطنى دول الاتحاد الأوروبى. وجميعها على كل حال لا يعترف به «الغجرى»، الذى يكره كل قيد يحد من حريته ويتخذ موقف العداء من أى مؤسسة يشعر بأنها يمكن أن تتدخل فى شئونه وتسلب حقه فى أن يعيش حرا. عرفنا عنه كراهيته للدولة والزواج وتمرده الدائم عليهما.
كانت الأحداث الأخيرة حين طاردتهم شرطة فرنسا وإيطاليا فرصة اطلعنا خلالها على عشرات الصور، التى التقطت لهم خلال ترحيلهم وقرأنا تحقيقات ومقالات عديدة تصف تارة عنادهم الشديد ودهاءهم الأسطورى وشاهدنا العديد من شرائط الأخبار تحكى عن محنتهم. لا أستطيع إنكار أننى تعاطفت معهم وتفهمت تقديسهم للحرية، وفى الوقت نفسه تعاطفت مع جماعات وجمعيات وشعوب حريصة على جمال المدن، التى تعيش فيها وعلى ونظافتها وروعة حدائقها ونقاء هوائها خاصة وأنا من بلد صارت شهرتها فى قذارتها وقبح ميادينها وفساد هوائها. تفهمت منطق غير المتعاطفين مع حق الغجر فى الحرية وبقيت متفهما شكوى الغجر من تقصير حكومات أوروبا فى رعايتهم وتنويرهم وتحسين سبل معيشتهم.
فى النهاية.. اكتشفت أننى بعد أن أعلنت عن تفهمى وتعاطفى عدت وبسرعة إلى صورة عن الغجر احتفظت بها فى خيالى لسنوات عديدة، صورة ريتا هايوارث فى الفيلم السينمائى الذى لعبت فيه دور كارمن الغجرية الإسبانية. ترقص على قارعة الطريق فى أحد شوارع مدينة إشبيلية أمام دورية الشرطة، وتغنى عن الحب.. «هذا العصفور المتمرد»، الذى لا يرضى بقيد «»Lamour est en oiseau rebella، وتلقى بزهرة تحت أقدام الجندى غير المبالى بجمالها دون خوسيه الذى لعب دوره جلين فورد. كان الفيلم الذى حمل اسمها منقولا عن أوبرا كارمن التى كتب قصتها بالفرنسية الروائى ميريميه عام 1845 ووضع موسيقاها بيزيه وافتتحت عام 1875.
لم تكن كارمن فى الفيلم سمراء ولا قصيرة القامة ولم يكن شعرها أجعد ولكنها كانت مثل كل الغجر تقدس حريتها وترفض الحب إن حمل قيدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.