فى الوقت الذى يثور فيه جدل كبير حول محتوى الوثائق السرية لتقنيات تعذيب المعتقلين التى أمر بنشرها الرئيس الأمريكى باراك أوباما، تتضح الصورة بشأن الكيفية القانونية التى تم بها تبرير هذه الأساليب واعتمادها فى إدارة بوش، وهو ما يوقع المسئولين عن تصميم هذه الأساليب فى مشكلة قانونية دون غطاء من الرئيس الجديد الذى ترك الباب مفتوحا أمام ملاحقة من أعدوا هذه المذكرات، بقوله إن ملاحقتهم شأن يعود للمدعى العام. وجاء ذلك معززا بتقرير جديد لمجلس الشيوخ الأمريكى أن مسئولين أمريكيين كبارا وليس «مجرد موظفين صغار» يقفون وراء تقنيات الاستجواب القاسية التى انتشرت من معتقل جوانتانامو إلى سجون أفغانستان والعراق. وقال التقرير: إن المسئولين الأمريكيين بدأوا الإعداد لما أصبح يعرف بتقنيات «الاستجواب المتقدمة» بعد أشهر من اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وقبل إصدار سلسلة مذكرات تؤكد أن هذه الممارسات قانونية. وهو ما يفتح الباب أمام مساءلة قيادات فى الإدارة الأمريكية السابقة. وعلى الرغم من قول مسئولين أمريكيين فى وكالة الاستخبارات أن أساليب الاستجواب جاءت بنتائج لم يكن يتاح الحصول عليها دون استخدامها، فإن الطبيب النفسى فى الجيش الأمريكى الميجور بول برونى أقر بأن بعض المعلومات المهمة لم يتم الحصول عليها تحت وقع الضغط الشديد على المعتقل. وصاغ هذه المذكرات مكتب المستشار القانونى بوزارة العدل، وهى الوحدة التى كانت فى بؤرة سلسلة من النقاشات خلال عهد إدارة بوش بشأن حدود السلطة التنفيذية ووسائل مكافحة الإرهاب. ومن مؤلفى هذه المذكرات الجنرال جاى بايبى، والذى كان وقتها مساعد المحامى العام، ثم عُين قاضيا بعد ذلك فى محكمة استئناف الدائرة التاسعة. وتتناول الوثائق التى سردتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بالتفصيل شرحا من مسئولى المخابرات للأساليب التى يريدون استخدامها ثم رد خبراء القانون فى مكتب المدعى العام جون أشكروفت عليها، بالإضافة إلى إسداء النصح القانونى فى كيفية استخدام تلك الأساليب، بالإضافة إلى التوصية باستخدام عدة أساليب تعذيب مجتمعة لاستخراج المعلومات. وتقول منظمات حقوقية إن حتى هذه النصائح تم المبالغة فى تطبيقها. وقسمت أساليب التعذيب التى بلغت 14 أسلوبا إلى: 1 أساليب الضغط على المعتقل بدون الاقتراب منه وتشمل: الحرمان من النوم (من أغسطس 2002 إلى مايو 2005). يقول مسئولو المخابرات فى خطاب إلى مكتب المدعى العام لطلب تبرير هذه التقنية: «بشكل عام فإن المعتقل الذى خضع لهذا التكنيك يكون واقفا، وقدماه موثوقتان ويداه أيضا موثوقتان إلى الأمام وهو ما يمنعه من النوم. لكنه أيضا يسمح له بحركة ضئيلة فى مساحة من اثنين إلى ثلاث أقدام». ويقول الخبراء الذين أجازوا هذا الاسلوب: «إنه من الواضح أن منع شخص من النوم لا يؤدى إلى ألم جسدى شديد ولا يشكل ذلك إجراء يمكن أن يؤدى إلى وقف الحواس طالما كان الحرمان من النوم (كما أبلغتمونا أنكم تنوون الاستعانة به) يستخدم فى فترات محدودة، قبل أن يصاب الشخص المتعرض له بالهلوسة واختلال الحواس الذى يمكن أن ينجم عن ذلك». ونصح الخبرء المحققون ب«أنه من المهم أن يخضع المعتقل للملاحظة الطبية عندما يصاحب الحرمان من النوم أساليب أخرى للاستجواب بسبب خطر انخفاض حرارة الجسم». التعرى الإجبارى (مايو 2005) تقول المخابرات إنه «يجوز أن يبقى المعتقل عاريا على شرط أن يكون فى درجة الحرارة المحيطة وصحته تسمح بذلك». ويأتى التبرير القانونى بالقول: «على الرغم من أن بعض المعتقلين يشعرون بالإهانة من هذا الأسلوب، خاصة إذا كانت لديهم حساسية ثقافية وإمكانية أن تشاهدهم النساء من الضباط، فإنه لا يمكن أن يشكل ذلك ألما عقليا أو معاناه طبقا للدستور». التلاعب فى نظام التغذية ويقوم هذا الأسلوب على استبدال الطعام العادى بسائل بوجبة أخرى تحتوى على سوائل ليست شهية مما يؤدى إلى إنقاص وزن المعتقلين. ويبرر الخبراء ذلك بأنه «على الرغم من أننا لا نساوى بين الشخص الذى يدخل فى نظام إنقاص وزن بشكل طوعى مع معتقل يخضع لنظام التلاعب بالغذاء كوسيلة للاستجواب، فنحن نعتقد أن هذا الأسلوب يشبه برامج كثيرة لإنقاص الوزن منتشرة فى الولاياتالمتحدة وتؤدى إلى نتيجة مشابهة بل إلى تقليل أكبر فى السعرات الحرارية». 2 «أساليب التصحيح»: وهى تستخدم لتصحيح وضع المعتقل أو إفاقته أو صدمه لتحقيق هدف آخر من أهداف الاستجواب ومن هذه الطرق: الصفع على البطن (منذ مايو 2005) «فى هذا الأسلوب يقوم المحقق بضرب المعتقل على بطنة بظهر يده المفتوحة. ولابد ألا يكون المحقق مرتديا خواتم أو أى مجوهرات فى يده». ويرد الخبراء القانونيون بأنه «على الرغم من أن ضرب البطن ربما ينتج عنه ألم بدنى بسيط، بحسب ما وصفتم لنا، يقال إنها تؤدى إلى ألم معتدل ليس فيه معاناة مدنية شديدة». قبضة التنبيه (أغسطس 2002 إلى مايو 2005) وبحسب المحققين: «يتكون هذا الأسلوب من الإمساك بالشخص بكلا اليدين، بحيث تكون كل منهما على جانب من ياقة المعتقل بشكل محكم وسريع». ويبرر القانونيون ذلك بالقول: «إن الإمساك بالوجه وقبضة التنبيه لا ينتج عنها ألم بدنى. وفى غياب أى نوع من الألم لا يمكن القول بأن ذلك يلحق ألم شديد ومعاناة للبدن». صفع الوجه (أغسطس 2002 إلى مايو 2005) وطبقا للوثائق فإن «المحقق يقوم بصفع وجه الشخص وأصابعه مفتوحة قليلا.. الهدف من صفع الوجه هو إحداث صدمة ومفاجئة مع الإهانة». ويقول القانونيون إن صفع الوجه والتعريض للحائط يحتويان على إجراءات احترازية للتأكد من عدم وجود ألم حتى مع الاقتراب من نتيجة هذا المستوى.. أن صفع الوجه لا ينتج عنه ألم صعب تحمله». تجميد الوجه (أغسطس 2002 إلى مايو 2005) وتشرح الوثائق أن «هذا الأسلوب يستخدم لمنع الرأس من الحركة وتوضح راحة اليد مفتوحة على جانبى الوجه مع الحذر من عدم اقتراب الإصبع من عين المعتقل». والسند القانونى بحسب مكتب المدعى العام: «إن الإمساك بالوجه وقبضة التنبيه لا ينتج عنهما ألم بدنى. وفى غياب أى نوع من الألم لا يمكن القول بأن ذلك يلحق ألما شديدا ومعاناة للبدن». 3- الأساليب القسرية: «وهى وضع المعتقل تحت ضغط بدنى ونفسى أشد» ومنها: الإيهام بالغرق «بمصاحبة القماش، يولد هذا الأسلوب الشعور بالخنق والذعر المبدئى حتى الشعور بالغرق، والشخص لا يتنفس أى ماء فى رئتيه، ففى خلال مدة تتراوح من 20 إلى 40 ثانية، فإن الماء يظل يتدفق من ارتفاع يتراوح من 12 إلى 24 بوصة.. وينتهى الإحساس بالغرق بمجرد إزالة قطعة القماش من على وجه المعتقل. وربما يتم تكرار العملية». ورد مكتب المدعى العام بالقول: «على الرغم من أن هذا الأمر يولد شعورا بالذعر مصاحبا للإحساس بالغرق فإن الايهام بالغرق لا يؤدى إلى ألم بدنى. وعلى الرغم من أن الايهام بالغرق يشكل تهديدا بالموت، فإنه لا يجب أن يصدر عنه أذى عقلى مطول بحيث ينتهك الحظر الدستورى على الإصابة بالألم العقلى والمعاناة الشديدين. وأضاف: «لقد أعلمتمونا أن هذا الإحساس ينتهى غالبا بشكل فورى عندما تنزع القماشة من على أنف وفم المعتقل. وفى غياب الشعور المطول بالأذى العقلى، فلا يوجد هناك ألم عقلى شديد أو معاناة قد تنتج عن ذلك، كما أن الاستعانة بهذه الإجراءات لن ينتج عنها تعذيب بالمعنى الذى ينص عليه الدستور». وأوصى الخبراء بأن «الإيهام بالغرق يجب ألا يصاحبه سوى طريقتين آخرتين من أساليب الاستجواب، وهما التلاعب الغذائى والحرمان من النوم». الوقوف قبالة الحائط (أغسطس 2002 إلى مايو 2005) تستعمل لإرهاق العضلات، حيث يقف الشخص على بعد حوالى أربعة إلى خمسة أقدام من الحائط.. وذراعاه ممدودتان أمامه بينما تستند أصابعه إلى الحائط». وجاءت التوصية من الخبراء بالقول: «أى ألم يصاحب الإرهاق بالعضلات لا يعد بالدرجة التى تؤدى إلى ألم بدنى ومعاناة شديدين بحكم الدستور على الرغم من الشعور بعدم الراحة لا يمكن القول إنه من الصعب التخلص من هذا الشعور» جرعات الماء (مايو 2005) وهى بحسب الوثيقة: «ماء بارد يسكب على المعتقل من إناء أو خرطوم بدون فوهة.. والماء المتدفق صالح للشرب كما أن المحققين لابد أن يتأكدوا من أن الماء لا يدخل فى أنف أو فم أو أعين المعتقل». ورد المكتب بالقول: «إذن، بالنظر إلى عدم وجود توقع بأن هذا الأسلوب سيؤدى إلى معاناة وألم شديدين إذا استخدم على الوجه الصحيح، فإننا نخلص إلى أن الاستخدام المصرح به لهذا الأسلوب من قبل محققين حاصلين على تدريب ملائم لا ينظر له بأنه يهدف تحديدا لإحداث هذه النتائج». الأوضاع الضاغطة (أغسطس 2002 إلى مايو 2005) مسئولو المخابرات: «هذه الأوضاع لم تصمم لإحداث ألم مصاحب لالتواءات أو اعتصار للجسم.. فهى مصممة من أجل إحداث نوع من عدم الراحة مصاحبا لإرهاق العضلات. ورد مكتب المدعى العام بالقول: «إن أى ألم يصاحب إرهاق العضلات لن يصل إلى درجة الألم البدنى والمعاناة الشديدين بحكم الدستور والتى يمكن القول بأنه يصعب التخلص منه». (مايو 2005) الحبس فى صناديق ضيقة مسئولو المخابرات «الزنزانة الضيقة عبارة عن وضع الشخص فى مكان ضيق بحيث يمنع الشخص من الحركة، وعادة ما يكون هذا المكان مظلما». ورد خبراء القانون بالقول: «يمكن القول إنه بالتركيز على حقيقة أن تكون هذه الصناديق بدون ضوء فإن وضع الأشخاص فى هذه الصناديق بمثل إجراء صمم لإزعاج الحواس بشكل كبير. وكما شرحنا فى رأينا، فإنه على الرغم من ذلك فإن هذا الاسلوب لابد أن يحقق أقصى تأثير على المعتقل». ونصح الخبراء بعدم استخدام أى من أساليب الإفاقة أو التصحيح خلال وضع المعتقل فى هذا الصندوق. الحبس مع الحشرات (مايو 2005) قالت إدراة التحقيق لمكتب المدعى العام «تريدون وضع أبو زبيدة (أحد المعتقلين على خلفية هجمات سبتمبر والذى تعرض للتعذيب الشديد) فى صندوق ضيق مع حشرة. لقد أبلغتمونا أنه يبدو خائفا من الحشرات». ورد خبراء القانون بالطريقة الواجب اتخاذها: «تخططون لابلاغ زبيدة بأنكم ستضعون حشرة لادغة معه فى الصندوق، لكنكم فى الحقيقة ستضعون حشرة غير ضارة مثل البق. ولكى تضمنوا عدم مساءلتكم قانونيا، أبلغوه بأن الحشرة لن تلدغه بشكل يؤدى إلى موته أو ألم شديد». الدفع إلى الحائط (أغسطس 2002 إلى مايو 2005) ووفقا لوثائق المخابرات فإن المحقق يقوم «بدفع المعتقل بشكل سريع وبصرامة إلى الحائط.. رأس ورقبة المعتقل ملفوف عليهما غطاء أو منشفة لمنع الإصابة». ورد الخبراء بالقول: «لقد أبلغتمونا بأن صوت الارتطام بالحائط سيكون أسوأ من أى إصابة محتملة للشخص، كما أن استخدام المنشفة حول رقبة المعتقل ستقلل من خطر الإصابة. وفى الوقت الذى من المتوقع أن يصاب فيه المعتقل، فإن أى ألم يشعر به لن يكون بدرجة تعادل الألم المصاحب للإصابات البدنية». وقال الخبراء إن الارتطام بالحائط يشعر المعتقل بالانهيار ويزعزع ثقته فى نفسه لكنهم أوصوا أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يستخدم فى نفس الوقت مع أساليب أخرى.