كشفت تطورات الأيام القليلة الماضية عن ارتباك إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى التعامل مع ملف مكافحة الإرهاب على خلفية رفض استخدام وكالة المخابرات المركزية لأساليب التعذيب فى استجواب المشتبه فى انتمائهم إلى منظمات متشددة أو إرهابية. ففى حين قرر أوباما نقل الإشراف على استجواب المعتقلين المهمين إلى البيت الأبيض وتزويد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأسماء المعتقلين فى سجنين سريين بأفغانستان والعراق، أصدر الرئيس الأمريكى قرارا باستمرار برنامج «الاستجوابات السرية فى الخارج»، وهو البرنامج الذى يعرف بأنه عملية نقل المعتقلين لدولة ثالثة من أجل استجوابهم، وهو أسلوب واحد من عدة أساليب تتبعها وكالة المخابرات الأمريكية لاستجواب المعتقلين ومحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات منهم. وعلى الرغم من استمرار هذه العمليات، فلاتزال الولاياتالمتحدة تحتفظ لنفسها بما يقرب من 220 معتقلا فى قاعدة خليج جوانتانامو فى كوبا، كذلك تحتفظ بعدد كبير من المعتقلين الأكثر أهمية مثل خالد شيخ محمد، وأبو زبيدة، ورمزى بن الشيبه فى أماكن سرية لم يفصح. وكان أوباما منذ توليه السلطة قد أمر كل الوكالات الحكومية «بضرورة الالتزام بالحدود المسموح بها فى الاستجواب الواردة فى الكتيب الخاص بالجيش الامريكى التى لا تشمل أساليب التعذيب ومنع الإيهام بالإغراق». وتذكر العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أن دول شرق أوسطية مثل الأردن والمغرب ومصر تستقبل معتقلين لدى القوات الأمريكية فى أفغانستان ومناطق أخرى من أجل استجوابهم، وكان رئيس الوزراء المصرى أحمد نظيف قد أقر يوم الأحد 15 مايو عام 2004 الماضى فى أثناء زيارته للولايات المتحدة، على شاشة شبكة NBC فى مقابلة مع برنامج واجه الصحافة بأن واشنطن نقلت ما يصل إلى 70 من المشتبه بأنهم إرهابيون إلى مصر، ليؤكد تقارير صحفية غربية وتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية حول هذا الموضوع. وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش مقرها نيويورك قد أصدرت مؤخرا تقريرا يذكر فيه «أن الحرب الأمريكية على الإرهاب جعلت من مصر المقصد الرئيسى للمعتقلين الذين ينقلون سرا وبدون أى ضمانات قانونية»، وقدر تقرير للمنظمة أن ما بين 150 و200 معتقل نقلوا من دول أخرى بينها الولاياتالمتحدة إلى مصر منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. جاءت تلك التطورات فى وسط جدل كبير غطى على الجدل الدائر منذ أكثر من شهر حول برامج إصلاح نظام التأمينات الصحية. وأعلن وزير العدل الأمريكى «إيريك هودلر» أمس تعيينه «جون دورهام» ليقوم بالتحقيق فى احتمال قيام بعض عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية، إضافة إلى بعض المتعاقدين معهم، بتعذيب وإساءة معاملة معتقلين مشتبه بقيامهم بأعمال إرهابية، وانتمائهم لمنظمة القاعدة خلال عام 2004. ويرجح أن تكون عمليات إساءة معاملة وتعذيب المعتقلين قد تمت فى قاعدة جوانتانامو، ومراكز اعتقال فى العراق وأفغانستان. وجاء قرار التعيين هذا فى وقت سمحت فيه الإدارة الأمريكية بنشر تقرير من 160 صفحة يفصل لأساليب التعذيب تلك، وإن ظلت بعض الصفحات بيضاء، أو طمس جزء منها لاحتوائه على أسرار شديدة الخطورة، ويؤدى نشرها لتهديد أمن الولاياتالمتحدة كما ذكرت بيان وزارة العدل الأمريكية. فى الوقت نفسه تعالت أصوات النواب الديمقراطيين فى الكونجرس، للمطالبة بإجراء تحقيق فى استعانة وكالة المخابرات المركزية بعناصر من شركة بلاك ووتر للخدمات الأمنية للمشاركة فى عمليات تعقب وتصفية عناصر القاعدة فى باكستان دون علم الكونجرس. يرى الديمقراطيون أن حجب وكالة المخابرات لمعلومات عن الكونجرس يشكل خرقا للقانون، فالقانون الأمريكى يشترط أن يتأكد الرئيس من أن لجنتَى الاستخبارات «على اطلاع تام ومتابع للأنشطة الاستخباراتية التى تمارسها الولاياتالمتحدة، ومنها أى نشاط استخباراتى مهم متوقع». فى المقابل يرفض الجمهوريون أى تحقيق مع عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لأنه قد «يقوض الأمن عن طريق إضعاف الاستخبارات». وقال السيناتور الجمهورى «جون كايل» من ولاية أريزونا: «إنه يجب على المشرعين أن يقفزوا إلى أية نتائج، ويجب أن نتذكر أن تشينى كان يتحمل مسئولية حماية الأمن القومى». وفى لقاء معه على شبكة (سى إن إن)، قال السيناتور الجمهورى «جود جريج» إن الفشل فى إخطار كبار قادة الكونجرس «لم يكن أمرا مناسبا». لكنه اتهم الديمقراطيين بتقويض وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من خلال النقد المستمر لها. وأضاف: «يجب أن يكون لدينا وكالة استخبارات قوية ونشيطة.. هذه المحاولة الوطنية من بعض زملائنا فى الجانب الآخر لتقويض القدرة على حماية وتنمية الاستخبارات، كما اعتقد، سوف تضر بنا فى المدى الطويل». ورفض السيناتور الجمهورى «جون ماكين» مرشح الحزب الجمهورى السابق لانتخابات الرئاسة 2008 وأحد أشد المنتقدين لممارسات الاستجواب التى اتبعتها إدارة الرئيس جورج بوش، تعيين مدع خاص للتحقيق فى القضية، قائلا: «نحن نعلم جميعا أن هناك أمورا سيئة تم ارتكابها، ونحن نعلم أن العملاء (الاستخبارات) الذين فعلوا ذلك، كانوا على الأرجح ينفذون أوامر تلقوها للقيام بذلك».