مصروفات جامعة مدينة السادات الأهلية 2025 والحدود الدنيا للقبول    الأحد 10 أغسطس 2025.. البورصة تقفز أعلى من 36 ألف نقطة محققة مستوى قياسي جديد    فرقة روك أيرلندية تهاجم حكومة نتنياهو وتدين حماس وتدعو لوقف فوري للحرب في غزة    8 دول أوروبية ترفض خطة إسرائيل لاحتلال غزة    تشيلسي يسعى لضم سيمونز.. ولايبزيج يطلب عودة نكونكو ضمن الصفقة    صلاح يقود تشكيل ليفربول أمام كريستال بالاس    راتب داروين نونيز مع الهلال يتجاوز محمد صلاح في ليفربول.. تفاصيل الرواتب الأعلى بالدوري السعودي    حسام حسن ل"جمهور الأهلى": بعتذر لكم.. وأنا كنت بهدى الاحتفال لمؤمن زكريا    نادي القضاة يرد على واقعة ضرب ضابط لسايس أمام المقر النهري: كرامة العامل تماثل كرامة القاضي    على ضفاف النيل الخالد.. فعاليات ثقافية وفنية في الغربية للاحتفال بعيد وفاء النيل    بنك مصر يوقع بروتوكولا ب124 مليون جنيه لتطوير مركز رعاية الحالات الحرجة بالقصر العيني    حسام عبد الغفار: مبادرة 100 يوم صحة تقدم خدمات علاجية ووقائية متكاملة بالمجان    بين المزايا والتحديات.. كل ما تريد معرفته عن السيارات الكهربائية    رئيس «الأعلى للإعلام» يوجه بعقد ورشة لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي على أكثر من يوم    من تغريدة الاتحاد الأوروبي إلى رد الجيش الإسرائيلي.. قصة تضامن صلاح مع "بيليه فلسطين"    كريستيانو رونالدو يقود تشكيل النصر ضد ألميريا    موعد المولد النبوي الشريف في مصر 2025.. إجازة 3 أيام وأجواء روحانية مميزة    التضامن الاجتماعي تنفذ 6 قوافل طبية توعوية لخدمة سكان مشروعات السكن البديل    «من سنة إلى 15 عاما»..السجن ل4 بتهمة سرقة «هاتف» بالإكراه في بنها بالقليوبية    68 غرزة فى وجه الأشقاء.. مشاجرة عنيفة وتمزيق جسد ثلاثة بالبساتين    كل ما تريد معرفته عن ChatGPT-5.. كيف تستفيد منه في عملك؟    هزة أرضية على بعد 877 كيلو مترا شمال مطروح بقوة 6.2 ريختر    رنا رئيس تنضم ل أبطال فيلم سفاح التجمع بطولة أحمد الفيشاوي    أحمد عبد العزيز يحصد جائزة الإبداع والتميز بمهرجان همسة للآداب والفنون في دورته ال 13    ليست كل المشاعر تُروى بالكلمات.. 5 أبراج يفضلون لغة التواصل الجسدي    «فاطمة المعدول» الحائزة على تقديرية الأدب: أحلم بإنشاء مركز لإبداع الأطفال    "ملف اليوم" يكشف روايات الاحتلال المضللة لتبرئة نفسه من جرائم غزة    صاحبه الفرح الأسطوري ومهرها ب60 مليون.. 20 صور ومعلومات عن يمنى خوري    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    "الجلاد ستيل" يضخ 3 مليارات للتوسع في الإنتاج وزيادة حصته التصديرية    موعد صرف معاشات سبتمبر 2025.. اعرف الجدول والأماكن    وزير الصحة يوجه بتسريع الاستجابة لاحتياجات المرضى ومتابعة نظام التقييم الدوري للعاملين    سعر مواد البناء مساء اليوم 10 أغسطس 2025    أين هم الآن «معتصمو رابعة والنهضة» ؟    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    اندلاع حريق في "كافيه" بقليوب.. تفاصيل    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    «الصحة» تنظم زيارة لمستشار الرئيس الكولومبي لتفقد منشآت طبية    كوريا الجنوبية: الجارة الشمالية تبدأ في تفكيك مكبرات الصوت على الحدود المشتركة    تسجيل منتجي ومالكي العلامات التجارية حسب «الرقابة على الصادرات والواردات»    بعد توجيه السيسي بحل مشكله معاشات ماسبيرو.. "المسلماني": نشكر الرئيس    البورصة تربح 21.3 مليار جنيه في نهاية تعاملات اليوم الأحد    بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة "بيرنس كوميونتي"    تأجيل محاكمة 29 متهما بالهيكل الإداري للإخوان    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    العراق يرحب باتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان    الإمارات ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    شاهد.. لحظة تحرك شاحنات المساعدات من مصر إلى قطاع غزة    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    الصحة تدرب أكثر من 3 آلاف ممرض ضمن 146 برنامجًا    الأمن يكشف ملابسات فيديو اعتداء أب على نجله وإجباره على دخول شنطة سيارة بالشرقية    الأزهر يعلن جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية الأزهرية 2025 للقسمين العلمي والأدبي    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    الجيش اللبناني يغلق بعض المداخل المؤدية للضاحية الجنوبية    الهلال السعودي يعلن رسميًا التعاقد مع الأوروجوياني داروين نونيز حتى 2028    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر المدجنين لا يُرى .. أثر المستقلين لا يزول
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 10 - 2010

التاريخ المصرى ملىء بمشاهد توضح كيف كان حفاظ المثقف على المسافة الفاصلة بينه وبين السلطة، معيارا فاصلا فى ازدهار الثقافة، وفى علاقته بالناس.
وكأن القدر يقول لنا «هنروح بعيد ليه»، فها هو الشاعر أحمد فؤاد نجم يدلل على هذا الكلام بعودة حميدة إلى صفوف «الدرجة الثالثة»، ويستقيل من حزب الوفد تضامنا مع جريدة الدستور أمام المذبحة التى آلت إليها، بعدما أثار انضمامه إلى الوفد جدلا.
سألته وقتها عن أسباب هذا الانضمام، فقال إن رغبته جاءت بعدما تابع انتخابات رئاسة حزب الوفد الأخيرة، والتى أعادته للمشهد الديمقراطى الذى لم يره منذ 50 سنة: «عندما شكل حسين سرى باشا الوزارة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وأذكر أن الوفد فاز بمقاعد الأغلبية بجدارة، وأنصف الموظفين والمتظلمين، وانصلح حال التعليم، ولم تتحرك قبضة الأمن إلا فى اتجاه العدالة».
وتذكر نجم مع «الشروق» أحداثا، قال: «إن جيلكم ميعرفهاش»، منها مثلا عندما مر المناضل الهندى الشهير غاندى سنة 1944 بميناء بورسعيد فى إحدى رحلاته، وذهب إليه مصطفى النحاس باشا وخطب خطبة عظيمة على سبيل التحية لغاندى، الذى اندهش من حرارة الاستقبال وقال للنحاس بعد سماع خطبته: «أنتم المصريون أبناء ثورة 1919، وأنتم الذين علمتمونا الكفاح والنضال الوطنى».
ولأن الأرض الخصبة للمثقف الحقيقى تقع ناحية الشعب، لم يجد نجم صعوبة فى العودة، واستقبلته الهتافات: «نجم.. نجم لا بديل.. لازم لازم تستقيل».
هتافات دللت على قوة أثر الدعم المعنوى عندما يكون من مثقف كبير، وإن لم يتفق البعض على مشروعية تغير موقفه بتغير الظرف السياسى.
هتافات شبيهة قابلت الروائى صنع الله إبراهيم عندما رفض قبول جائزة الإبداع الروائى العربى من وزارة الثقافة منذ سنوات، وأعلن كما يرى د. حسين عبدالعزيز، فى دراسته التى تحدثنا عنها فى الحلقة السابقة، عودة «الانتلجنتسيا» المصرية مرة أخرى بعد أن كادت تختفى تماما «نتيجة للقهر المادى والقمع المعنوى الذى يمارس ضدها».
هذه المواقف، والبزوغ لأسماء وقفت على الضفة الشعبية، ليست وليدة أيامنا هذه، فكما أشرنا، تمتلئ سطور التاريخ المصرى بأسماء ثقافية كبيرة ظهرت فى ظروف سياسية شبيهة، وتذكر الدراسة التى نتعرض لها، مثلا، كيف: «بزغت جماعة المثقفين فى نهاية حكم الخديو إسماعيل كفئة اجتماعية تتكون من متعلمين ومبدعين وذوى اهتمام مشترك بالثقافة، والفكر نتيجة للسياسة التى اتبعها محمد على، ومن بعده إسماعيل فى إدخال التعليم الحديث على النمط الأوروبى إلى مصر».
فى ذلك الوقت كانت مجموعة من المثقفين الأزهريين قد طفت، مثل رفاعة الطهطاوى، ومن قبله الشيخ حسن العطار، ومن بعده الشيخ حسن المرصفى. ثم جاء بعدهم أسماء بحجم محمود سامى باشا البارودى، وعبدالله النديم خطيب الانتفاضة العرابية، وأديب إسحق، ويعقوب صنوع المعروف بأبونضارة والذى كان الخديو إسماعيل يسميه ب«سوليير المصرى».. هذه الأسماء كانت بداية «الانتلجنتسيا» المصرية، ثم جاءت الموجة الثانية فى بداية القرن العشرين بعد هزيمة الانتفاضة العرابية والاحتلال الانجليزى لمصر، وظهرت أسماء مثل الإمام محمد عبده وتلامذته وأتباعه، الذين حملوا على أكتافهم بناء القومية المصرية الليبرالية، من منطلق وجود حضارة حديثة واحدة أنجبتها أوروبا الغربية، ودعمتها مقولة الخديو إسماعيل الشهيرة بأن «مصر أصبحت قطعة من أوروبا».
وكان من ضمن الأسماء التى لمعت فى هذه الفترة أحمد لطفى السيد، أستاذ الجيل، الذى أصدر صحيفة «الجريدة» عام 1907، ورأس تحريرها حتى 1914، وهو شخص، يحتاج التوقف عنده لصفحات، ولكن سنكتفى بقول إنه استقال من منصب رئيس الجامعة مرتين كما تذكر الدراسة: «الأولى كانت احتجاجا على نقل رئيس الوزراء آنذاك إسماعيل صدقى للدكتور طه حسين دون أخذ رأيه، بسبب كتابه المثير للجدل «فى الشعر الجاهلى»، والثانية كانت بسبب إنشاء حرس جامعى لقمع إضرابات الطلبة». وهو أحد المواقف الأخرى التى تدلنا على أثر المثقف ودوره طالما استطاع الاستغناء عن بريق السلطة.
ثم تأتى الموجة الثالثة من «الانتلجنتسيا المصرية»، والتى بدأت فى أربعينيات القرن العشرين بعدد لا بأس به من المثقفين، وترى الدراسة فى مقدمتهم: «نجيب محفوظ الذى يعكس عالمه الروائى الواقع الثقافى المصرى منذ ثورة 1919 وحتى اليوم»، ثم يأتى آخرون فى النصف الثانى من أربعينيات القرن الماضى مثل يوسف إدريس ونعمان عاشور وعبدالرحمن الخميسى وغيرهم.
كل هذه الأسماء وغيرها، ممن اتفقنا مع أفكارهم أو لم نتفق، يقف خلودها دليلا على أهمية «استغناء المثقف»، وإحساسه بالمسئولية تجاه الشعب وكيف كانت الحقبة الزمنية الواحدة تمتلئ بالكثير من الفاعلين، الذين باتوا قلائل فى زمن زادت به البيروقراطية الثقافية المتمثلة فى مؤسسات الدولة الرسمية، والمملوءة بأسماء تم تدجينها. ونذكر من هؤلاء القلائل الفاعلين الناقد الكبير الراحل فاروق عبدالقادر.
وبمقارنة سريعة تجريها الدراسة المذكورة بين حصيلة الثقافة بعد نحو نصف قرن من إنشاء وزارة الثقافة المصرية «المجلس الأعلى للفنون والآداب سابقا»، وبين حصيلتها فى عهود لم تكن بها وزارة للثقافة، نجد أنه قديما كان: «لدينا مثقفون ومبدعون كبار لهم مكانتهم العالية فى المنطقة العربية كلها، وكان لدينا «انتلجنتسيا» مرموقة تبنى قضايا الوطن، ومصالح طبقات الشعب المختلفة، وكان لدينا شوقى وطه حسين والمازنى والعقاد وتوفيق الحكيم ثم يحيى حقى ونجيب محفوظ ويوسف إدريس، وكان لدينا مجلات الرسالة والثقافة والكاتب المصرى، وكان لدينا سيد درويش والقصبجى وزكريا أحمد، إضافة إلى محمود مختار وراغب عياد»، يكمل د.حسين عبدالعزيز فى دراسته أن «الثقافة لا تنتجها بنية تحتية تكلفت الملايين، ولا بنية فوقية بيروقراطية، ولكن الإبداع الأصيل ينتجه المثقف المستقل المندمج فى شعبه والملتزم بقضايا وطنه والمبتعد عن الاخطبوط السلطوى البيروقراطى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.