تواجه دول حوض النيل حاليا، حركة نشطة، بهدف الوصول إلى اتفاق ينظم التعامل مع مياه النهر الأطول فى العالم، والتعاون بين دوله العشر، لمواجهة تحديات الزيادة السكانية التى ستشهدها دوله خلال العقود المقبلة. ووسط هذه الحال، يتوافد على دول النيل، الكثير من الخبراء العالميين أصحاب الاختصاص فى قضايا الأنهار الدولية، تاريخيا، واقتصاديا، وسياسيا، وهندسيا، ولعل المؤرخ والعالم النرويجى ترجى تافيد، يعد واحدا من أبرز هؤلاء الخبراء. وكانت جمعية الشراكة المائية المصرية، قد دعته لإلقاء محاضرة «التعاون والصراع بين دول حوض النيل»، وذلك بعد أن قرر المركز القومى للترجمة، ترجمة كتابه الأهم «الدور البريطانى فى حوض النيل»، وهو دور «حمل وجهين إيجابى وسلبى، طوال عمر الاستعمار البريطانى» لأغلب مساحة حوض النيل، على حد قول تافيد. وأكد تافيد أن حدوث تطور سياسى إيجابى فى حوض النيل، وهو أن دوله اتفقت على أن تتفق، حيث وجدت أنه «لا سبيل آخر سوى التعاون». وأضاف فيما يتعلق بمشاريع الرى، نجد أن مصر ليس لها خيار آخر سوى المضى فى مشاريع الرى، لكن بالنسبة للسودان وإثيوبيا فعندهما خيارات آخرى، حيث تتمتعان بهطول أمطار غزيرة على أراضيهما. لكنه قال: «من الصعب حتى الآن تقييم مشروعات مصر الجديدة مثل توشكى، وترعة السلام، وغرب الدلتا، لأن المشروعات ما زالت فى بداياتها، كما أن العلاقة بين النيل والحياة فى مصر معقدة للغاية». من المعروف أن العالم شهد العديد من مشروعات الرى بعضها ناجح مثل سد «هوفر» الذى حول صحارى الغرب الأمريكى إلى مزارع شاسعة أعطت الولاياتالمتحدة قوة إضافية، فى حين فشل الاتحاد السوفييتى فى مشروع بحر آرال فى الجنوب. وأشار المؤرخ النرويجى فى مقابلة مع «الشروق» إلى أن أبرز ما قام به البريطانيون خلال حكمهم «لإمبراطوريتهم النيلية»، هو النظر والتعامل مع نهر النيل كوحدة واحدة، اقتصاديا(خاصة فى زراعة القطن) وجيوسياسيا (فى المواجهة مع باقى القوى الاستعمارية خاصة فرنسا)، وهيدروليكيا (تنظيم الرى). وتابع: «استكملوا ما كان محمد على وإسماعيل قد شرعا فيه من مشاريع الرى الكبرى، والتى كان أولها خزان أسوان فى عام 1902، والذى كان فى وقته مشروعا عملاقا» على المستوى العالمى.وأضاف: «طوال فترة حكمهم استخدموا النيل كجزرة وعصا فى مواجهة الحركة الوطنية المصرية». وأوضح أن الجزرة تمثلت فى «ترديد البريطانيين لمقولة إنهم ساهموا فى تحسين حياة الفلاحين، عبر مشروعات الرى الدائم»، فى المقابل كانت العصا «هى التهديد المستمر لمصر بتقليل حصتها من مياه النهر، مثلما حاولوا عقب قرار الرئيس عبدالناصر تأميم قناة السويس، لكنهم وجدوا أنها فكرة غير ذات جدوى». وقال: «على الرغم من الاتفاقيات القائمة حتى الآن تعكس التاريخ، لكنها ليست بالضرورة من مخلفات الماضى»، ومضيفا: «الذى يحدد ذلك هو نتيجة التفاوض بين دول النيل».يذكر أن دول حوض النيل ترى أن الاتفاقات المنظمة للنهر، هى «اتفاقات استعمارية»، أبرمت عندما كانت تلك الدول تحت الاستعمار، فيما تغيرت الوقائع على الأرض فى أغلب دول النيل. وهذا ما أوضحه تافيد بقوله إن الاتفاقية الإطارية الجديدة تعكس كذلك أوضاعا جديدة، وهى أن دول النيل كافة تحتاج لتنمية واسعة، لذلك تريد اتفاقية جديدة».