رغم الازدحام المفاجئ فى «البوتيك» الذى تعمل به فى أحد فنادق مدينة «هو شى منه» «سايجون سابقا» التى تعد العاصمة التجارية لفيتنام، ورغم صيحات الاستعجال من جانب «الزبائن»، فإن «مينى» البائعة الفيتنامية الماهرة التى لا تكف عن الابتسام انهمكت فى كتابة فواتير تفصيلية بعدد الاصناف المباعة وقيمتها وطلبت من كل مشتر أن يوقع على الفاتورة الخاصة به وذلك بخلاف الإيصال الذى حرصت على وضعه فى كل «شنطة».. استغربنا تصرفها سألناها ولماذا إذن الفاتورة التفصيلية طالما هناك إيصال بالبضاعة وقيمتها؟ ردت والابتسامة لا تفارقها: إن القانون يلزمها بذلك. ما يحدث فى بوتيكات الفنادق الكبرى أو المولات التجارية التى بدأت تنتشر فى المدن الكبرى فى فيتنام مثل «هانوى العاصمة وهوشى منه» لا يحدث بالضرورة فى باقى الأسواق ومنافذ البيع الأخرى خاصة أن هذه المدن يوجد بها العديد من الأسواق الشعبية التى تبيع البضائع الصينية المهربة أو حتى الفيتنامية بأسعار منخفضة دون إعطاء أى فواتير أو إيصالات بيع، بل إن الكثير منها يبيع السلع المقلدة من الماركات العالمية الشهيرة مثلما يحدث فى الصين تماما والمستهلك بدوره لا يطلب فاتورة مكتفيا برخص سعر السلعة كما يحدث فى السوق المصرية تماما. ورغم أن فيتنام الشيوعية النظام قد بدأت التحول إلى اقتصاد السوق منذ عام 1986 فإن أول وثيقة قانونية لحماية المستهلك صدرت فى أكتوبر 1999 عن الجمعية العامة ونص القانون على الحقوق الثمانية الشهيرة للمستهلك وأهمها الحق فى المعرفة والحق فى السلامة والحق فى الحصول على المعلومات وحق الاختيار وحق الحصول على الاحتياجات الأساسية والحق فى التعويض والحق فى بيئة صحية والحق فى التعلم وبعد نحو 11 عاما على صدور القانون بدأت الجمعية العامة بالاشتراك مع لجنة حماية المستهلك التى تنتشر فروعها فى أنحاء فيتنام وتسمى «فينا ساتس» مناقشة ادخال تعديلات جديدة على القانون وربما كانت بمثابة قانون جديد يتكون من 9 فصول و71 مادة تهدف إلى دعم حقوق المستهلك الفيتنامى واطلاق حق تكوين جمعيات حماية المستهلك ومنح الجمعيات الحق فى تقديم شكاوى بالنيابة عن المستهلك وتأتى هذه التعديلات التى بدأت مناقشتها العام الماضى فى اعقاب انتشار العديد من حالات الغش التجارى من أشهرها غش خوذة الموتوسيكل والتى تعد اشهر وسيلة انتقال فى جميع المدن الفيتنامية وكانت وزارة الصناعة الفيتنامية قد أعلنت أن 93% من خوذ راكبى الدراجات النارية غير آمنة وتلزم الحكومة الفيتنامية راكبى الدراجات باستخدام الخوذات الفيتنامية الصنع وليست الصينية، ورغم هذه التعليمات فإن الكثيرين يستخدمون الخوذة الصينية التى تملا الأسواق بسبب انخفاض قيمتها، ومن أشهر حالات الغش التجارى التى تم ضبطها غش البنزين بالكيروسين والماء، وحليب الأطفال الملوث بالملامين. زيادة القدرة الشرائية قبل 15 عاما كانت نسبة الفقر مرتفعة فى فيتنام تصل إلى 70 % لكنها انخفضت حاليا لتصبح اقل من 10% وزاد دخل الفرد وهو ما زاد من قدرته على الاستهلاك بعد أن كان استهلاكه محدودا فكان نصيب الفرد من اللحم على سبيل المثال لا يزيد على 450 جراما فى الشهر وكانت البطاقات التموينية التى توفر السلع الأساسية هى الوسيلة الوحيدة لحصول الأسرة الفيتنامية على احتياجاتها من السلع الغذائية وكان المواطن لا يلبس سوى القماش المدعم، الآن ألغيت البطاقات التموينية والدولة تقصر المساعدات على محدودى الدخل، ومع الانفتاح والتحول إلى سياسة السوق الحرة وتنوع البضائع وزيادة القدرة الشرائية للمواطن بدأت مشاكل المستهلك مع الآثار المترتبة على حرية السوق من زيادة الأسعار وغش المنتجين ومع الاعلانات المضللة ليتساءل مواطن فيتنامى يعيش فى العاصمة هانوى عندما كنا فقراء كان كل شىء مجانيا، الآن الدولة غنية، لماذا أصبحنا ندفع ثمن التعليم والعلاج والخدمات العامة ونتعرض للغش؟ بضائع مهربة كحال كل دول العالم تعانى فيتنام من مشكلة البضائع الصينية التى تغرق الأسواق والتى يتم تهريبها عبر الحدود الصينية الفيتنامية حيث تبعد المسافة بين حدود البلدين نحو 170 كيلو مترا مربعا فقط ورغم أن الفيتناميين ينحازون بشدة إلى صناعتهم الوطنية فإن البضائع الصينية تشكل منافسة شديدة، وقال ت وان لونج عامل بأحد الفنادق الكبرى إن المواطن الفيتنامى لايحب البضاعة الصينية لأنه لا يدوم استخدامها طويلا كما هو الحال فى الأجهزة الكهربائية والالكترونية التى تملأ الأسواق، مؤكدا ان الفئات الفقيرة هى التى تقبل على شراء تلك البضائع بسبب رخص اسعارها خاصة بالنسبة للملابس الجاهزة، موضحا أن البدل الصينية لا يقبل على شرائها سوى المزارعين حيث لايزيد سعر البدلة الكاملة على 30 دولارا وهم لا يرتدونها إلا فى المناسبات القليلة لذلك لا تستهلك هذه الملابس سريعا، فى الوقت الذى يرفض المستهلك الفيتنامى شراء أى مواد غذائية غير وطنية وقال إن تهريب المواد الكيماوية والمبيدات عبر الحدود من الصين أفسد الزراعات العضوية التى كانت تتميز بها فيتنام، وأشار إلى أن البضائع الكورية محل ثقة لدى الفيتنامى اكثر من الصينية، فى ذات الوقت اعترفت المتحدثة باسم الخارجية الفيتنامية نجوين فونج نجا فى لقائها بالوفد الصحفى المصرى أن مشكلة التهريب تمثل هاجسا لدى الحكومة وقالت إن هناك تعليمات صارمة من الحكومة بمواجهة ظاهرة التهريب مشيرة إلى أن التطبيق يواجه صعوبة شديدة بسبب تحايل المهربين وان هذه الظاهرة تؤثر على السوق المحلية بسبب رخص أسعار المنتجات الصينية وأكدت أن الدولة تعمل على حماية المستهلكين والدفاع عنهم والحرص على جودة الصناعة المحلية. غرامة مالية قانون حماية المستهلك فى فيتنام يفرض غرامات مالية على الشركات التى تعلن عن سلع بمعلومات غير صحيحة ويلزم القانون البائع بكتابة السعر على العبوة وقامت لجنة خاصة لحماية المستهلك بفرض غرامة مالية على إحدى شركات الألبان وهى شركة حكومية بمساهمات خاصة وكانت قدأعلنت عن أحد منتجاتها فى التليفزيون وبالتحقيق ثبت مخالفة البيانات المدونة على العلبة عما بداخلها بعد اجراء التحليل اللازم لعينة اللبن. المواطن الفيتنامى أصبح لديه وعى لا يعتمد عى الاعلانات فى الشراء بحسب «ذوو» الذى يعمل مستشارا بوزارة الخارجية قائلا الإعلانات المضللة تنتشر فى وسائل الإعلام ولكن المستهلك يواجهها بشراء النوعية الجيدة من السلع وذلك لأن دخله محدود ولا يملك رفاهية المغامرة بالشراء لافتا إلى أن الشباب الذى يمثل أكبر قوى شرائية فى فيتنام ليس لديه وقت لمتابعة الإعلانات التجارية. السائح مستهلكًا الدولة الفيتنامية تتعامل مع السائح الأجنبى ليس كمصدر للدخل الاقتصادى فقط ولكن باعتباره مستهلكا يجب حمايته فالقوانين تمنع تماما وجود متسولين فى الشوارع خاصة فى مدينة هوشى منه التى تعد أكبر مركز اقتصادى تجارى سياحى فى فيتنام خوفا من مضايقة السائحين الذين يقصدون فيتنام للتمتع بالشواطئ الجميلة والأماكن التاريخية والثقافية خاصة بعد أن نجحت فيتنام فى تحويل مناطق الحرب فى الجنوب إلى مزارات سياحية والى فنادق فخمة من فئة الخمس نجوم ومطاعم تقدم أفخر الأطعمة الآسيوية والفرنسية والايطالية وأسواق كبرى تماثل سنغافورة وهونج كونج وأصبح مشهدا معتادا ان ترى تدافع الباعة الجائلين لبيع تذكارات الحرب من نماذج لدبابات ودانات وولاعات أمريكية لتنتعش تجارة هذه التذكارات فى تلك المناطق، وكانت لجنة حماية المستهلك الفيتنامية قد اجرت استطلاع رأى عام 2008 فى 10 مدن اظهر ان 41 % فقط من المستهلكين كانوا على علم تام بحقوقهم فى حين ان نصف المستهلكين يرون ان حماية حقوقهم من واجب المنظمات الحكومية وأشارت الدراسة إلى أن المستهلكين فقدوا نسبة تتراوح بين 8 و10 % من قيمة مشترياتهم بسبب الممارسات التجارية غير العادلة.