أكد الباحث المصري بشير عبد الفتاح، في كتاب صدر له بعنوان "تجديد الهيمنة الأمريكية"، أن رجال الفكر السياسي والمحللين السياسيين، في تناولهم موضوع ما أسماه مساعي الأمريكيين إلى تجديد هيمنة بلادهم على العالم، ليسوا متفقين على نهج وتصور واحد لتحقيق هذا التجديد، مضيفا أن تفجيرات سبتمبر 2001 توضح تراجع الهيمنة الأمريكية على العالم وبيان العوار الأمني والاختراق المخابراتي اللذين ينخران جسد الإمبراطورية الأمريكية. وقال إن رأي بعض رجال الفكر الاستراتيجي هو أن الهيمنة الأمريكية الآن في طريقها إلى الأفول، بينما كان رأي آخرين منهم أن هذه الهيمنة مستمرة عقودا أخرى مقبلة. وكتاب بشير عبد الفتاح، الباحث السياسي ومدير فصلية "الديمقراطية" التي تصدر عن دار الأهرام في القاهرة، جاء في 104 صفحات متوسطة القطع، وصدر في نطاق سلسلة "أوراق الجزيرة" عن "مركز دراسات الجزيرة" في الدوحة بقطر و"الدار العربية للعلوم- ناشرون" في بيروت. وقال عبد الفتاح: "بينما ذهب نفر من المفكرين الاستراتيجيين إلى الادعاء بأن الهيمنة الأمريكية في طريقها إلى الأفول مال نفر آخر إلى الاعتقاد في بقاء الهيمنة الأمريكية عقودا أخرى مقبلة". واستند دعاة استمرار الهيمنة في اعتقادهم هذا إلى "قدرة الولاياتالمتحدة على ترميم تلك الهيمنة وإطالة أمدها معتمدة في ذلك على ما بحوزتها من موارد مادية وإمكانات بشرية لم تتح لسواها في هذا العصر الذي يرون أنه أمريكي، وسيظل كذلك حتى منتصف هذا القرن وربما حتى نهايته..". ورأى هؤلاء أن من عناصر هذا الاستمرار أن كل الطاقات داخل المجتمع الأمريكي تتلاقى وتعمل بشكل تكاملي دؤوب من أجل تعزيز الريادة وتأييد الهيمنة "اللتين تعد عملية البحث عنهما والسعي إليهما -كلما سنحت الفرصة- مسألة جينية تجري من الأمريكيين مجرى الدم". وهناك أيضا في رأي هؤلاء أمر مهم آخر، وهو "امتثال الأمريكيين لمبدأ النقد الذاتي ومنهج المراجعة الموضوعية اللذين يساعدانهم على السير في طريقين متوازيين باتجاه الإبقاء على الهيمنة والريادة اللتين تتوخاهما بلادهم على ما بدا جليا في توجهات الإدارة الأمريكية بقيادة (الرئيس) باراك أوباما". وتحدث عن هذين الطريقين المتوازيين، فقال: "أولهما الهيمنة القسرية القائمة على فكرة القوة والإكراه وتعظيم التفوق العسكري وعدم التردد في تجاوز الشرعية الدولية إذا ما استدعت المصالح الإستراتيجية الأمريكية ذلك. "وثانيهما الهيمنة الإرضائية التي تستند إلى مصادر القوة الناعمة أو الرخوة وتتبنى خطابا دعائيا يتفنن في إقناع العالم أو إيهامه بخيرية مقاصد الهيمنة الأمريكية وضرورتها لحفظ الاستقرار العالمي وتحقيق المنفعة العالمية، كما تحاول تلك الهيمنة في الوقت ذاته تحري الاعتدال والعقلانية والنأي بنفسها عن الغطرسة والإسراف في استخدام القوة والتخلي عن الإمعان في خلخلة قواعد الشرعية الدولية وزعزعة الأسس والأعراف التي يقوم عليها الاستقرار العالمي ما استطاعت إلى ذلك سبيلا". وأورد في مجال هذا التراجع "إخفاق التدخل العسكري الأمريكي في الخارج" كما في أفغانستان والعراق وباكستان. وتحت عنوان فرعي هو "اهتزاز الحلم الأمريكي" رأى عبد الفتاح أنه كان "لإمعان المحافظين الجدد في خروقاتهم وانتهاكاتهم دونما اكتراث بتداعيات ذلك على جاذبية "الحلم الأمريكي" مردودات سلبية خطيرة في الداخل الأمريكي وخارجه طالت الهالة المفروضة على هذا الحلم". ومن مظاهر هذا التراجع ما وصفه الباحث بأنه "تراجع الريادة العلمية" للولايات المتحدة ووقوع "ارتباك اقتصادي" فيها. وفي فصل بعنوان "تجديد الهيمنة الأمريكية" أثار الكاتب نقاطا أساسية وردت في عناوين فرعية منها "ترشيد الفكر الاستراتيجي الأمريكي" و"إعادة الاعتبار للقوة الناعمة" و"ترويض القوى الدولية الصاعدة بدلا من استعدائها" و"البحث عن الهيمنة الإرضائية".