كيف يكون الأمل في العام الجديد؟ أعتقد أن من واجب كل من يمسك القلم أن يسعي الي معاني الأمل, ما تيسر, برغم ما يتدفق علينا دون هوادة من الفضائيات ومعظم الكتابات المؤثرة من معاني الكوارث والتهديد والوعيد لمسلسل ما أطلقوا عليه الإرهاب. والحق أن قطاعا مهما من الإعلام العالمي يقدم ما يتيح الأمل ويضيء الطريق, والغريب أن هذه الإيجابية تكاد لا تري النور ومن هنا محاولتنا اليوم, المرة تلو المرة, أن نسعي الي طريق الأمل. من صفحات الكتاب السنوي العالم في2010 الذي تقدمه مجلة إيكونوميست نطالع فصلين عن مصير باراك أوباما المحاصر القاتم في العام الجديد, وكذا أفول نجم طاقات بريطانيا العظمي للمؤرخ الكبير بول كينيدي هذا في صدر الكتاب الجامع لرؤية كبري مجلات الغرب للعام الجديد لا داعي للإسهاب إذن. 1 جرت العادة مند عدة سنوات أن تولي مختلف أدوات الإعلام العالمي ناحية الاقتصاد مكانة الأولوية وحتي في هذا المجال, فإن الأخبار الإيجابية تتصدر جميع التحليلات. الصين في المقام الأول وقد تقدمت منذ شهر فقط الي المكانة الاقتصادية العالمية الثانية قبل اليابان, ثم الي المكانة الأولي للصادرات قبل ألمانيا وهي نتائج متوقعة لكل من تابع أمور الاقتصاد العالمي.وكذا أجمع المحللون السياسيون علي أن مجموعة العشرين أصبحت أهم من مجموعة الدول الصناعية السبع, وكذا أكدوا أن مجموعة ال البريكس الرباعية أي البرازيل وروسيا والهند والصين تحتل مكانة الطليعة. حسنا. ثم ومنذ أسبوع أخبرتنا جريدة الشعب لسان حال الحزب الشيوعي الصيني, أن هناك مجموعة جديدة علي طريق التكوين أسمتها مجموعة مافينس أي المكسيك واسترااليا وفيتنام وأندونيسيا ونيجيريا وإفريقيا الجنوبية سوف يبلغ ناتج إجمالي انتاج هذه المجموعة60% من الإنتاج الأمريكي عام2020 ثم يرتفع الي ضعف الإنتاج الأمريكي عام2050. 2 بينما يتزايد الحديث عن صراع الحضارات من قلب دائرة الهيمنة إذ برئيس أندونيسيا يو دو يو نو يعلن: أن صراع الحضارات ليس حتميا بل وأن تواكب الحضارات ممكن تماما, ففي أندونيسيا اليوم نري أن الديموقراطية والإسلام والحداثة تتشابك أياديها رغم تهديدا التطرف من آن الي آخر, إننا نؤمن أن بناء التسامح يمثل واجبا ملحا لعام2010, وأنه يجب أن يكون في قلب جدول العالم للقرن الحادي والعشرين, تماما كما انشغل القرن العشرون ببناء الأمم والملفت لهذا الرأي أنه يصدر من رئيس أكبر دولة إسلامية في العام, وهي أيضا في طليعة الدول النامية وأكثرها اقترابا من الصين وآسيا الشرقية. 3 تم إنعقاد ندوة مهمة بجامعة لندن يومي21 و22 نوفمبر وقد أقامتها مجموعة من كبري الصحف والمجلات الأمريكية والأوروبية حول موضوع ماذا الآن؟ أوروبا وأمريكا الطالعة فاقد النظام المدهش أن عملية صياغة العالم الجديد محور تفكير القوي الطالعة في العالم أصبح في هذه الندوة الأطلنطية الهامة مأساة, وكأنه يمثل الفوضي وبالفعل نجد العديد من الكتابات تؤكد المعاني السلبية, واحد يشكو إقامة الجدران بعد إنهيار الجدار( أي جدار برلين عام1989) وهو يعني بذلك إغلاق حدود أوروبا أمام القادمين من الجنوب والشرق, وكتابات أخري تشير الي وجوم أوروبا من الصين, وذلك بدلا من السعي الي بناء الجسور بين أوروبا, وهي في طريق توحدها الحذر, وبين الدولة العظمي الصاعدة التي يمكن أن تكون شريكة وصديقة. 4 ثم هناك عالم الأرقام يدفع بنا أحيانا الي الأمل من أوسع الأبواب, هذه مثلا دراسة مقارنة لمحاصرة الفقر في الدول النامية الطالعة للباحث الشاب مارتين رافاليون. انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في الصين من84% عام1980 الي16% عام2005, هذا بينما انخفضت نسبة هذا القطاع في البرازيل في نفس المدة من17% الي8% أما الهند, حليفة الولاياتالمتحدة الرئيسية خارج دائرة الغرب, فلم تنخفض هذه النسبة في نفس هذه المدة إلا من60% الي42%. 5 وفي البرازيل تحتفل الأمة كلها بإنجاز لا مثيل له في الدول النامية إذ استطاع رئيسها لولا توفير ثلاث وجبات يومية لعموم الشعب خاصة الفقراء وأصحاب الدخول المتدنية الرئيس لولا يتمتع بشعبية هائلة في بلاده تفوق ال70%, وكذا في عموم أمريكا اللاتينية, وقد امتدت الي العالم أجمع, وبرغم هذا فهو يصر ألا يقبل أي تعديل لدستور البرازيل, وأن يغادر منصبه في نهاية فترة رئاسته الثانية بعد شهور, والحق أن أمريكا اللاتينية في صعود مطرد كوبا مثلا تمد سائر أنحاء القارة بأفواج أطبائها دون مقابل وفنزويلا, تحتفل بعد شهور بإقامة ساحة اقتصادية كبيرة مستقلة عن الشقيقة الأمريكية الكبري, مجرد إشارات الي تحرك القارة التابعة للشمال حتي زمن قريب. 6 وفي روسيا يؤكد الرئيس ميدفييف: إن مرحلة ما بعد الأزمة سوف ترسي أسس الاقتصاد الجديد, وعندي أن إعادة صياغة القيم سوف تواكب هذه العملية, إن قضايا الأمن وحماية البيئة, وتخفيض استهلاك الطاقة والمواد الطبيعية الأخري, وتوفير المعلومات للناس, وكذا الصحة وتزايد الحراك الاجتماعي إن جميع هذه النواحي سوف تزداد حضورا وإلحاحا لقد أكدت تجارب العام الماضي أهمية المحافظة علي الحوار في المستوي الدولي, فهو الذي يساعد علي تخفيض التوترات وزيادة الثقة برغم أنه لا يؤدي الي نتائج مباشرة وإني علي ثقة أن العالم سوف يكون قد تعلم من الأزمة فقط إذا استطاع أن يواصل العمل لتخفيض عدم المساواة العالمية بشكل مستمر, بدلا من أن تتضاعف. 7 وفي اليابان تعمل قيادة رئيس الوزراء الجديد هاتوياما علي بذل جميع المجهودات ليكون اليابان همزة وصل بين مختلف بلدان العالم. لم تتبن روما في يوم واحد, ولذا أقترح أن نتقدم بترو ولكن بخطي اكيدة ثم يؤكد ضرورة بناء التحالف الياباني الأمريكي بحيث يناسب العصر الجديد أي أن يكون شراكة علي قدم المساواة. وهو يؤكد في جميع كتاباته وتصريحاته ضرورة التوجه الي تحقيق التقارب بين اليابان وآسيا الشرقية خاصة الصين في تحرك يطلق عليه الإقليمية المنفتحة ومعني هذا أن اليابان تعود الي الصف الأول من التحرك العالمي تقود عملية سلام إيجابية عاقلة, بعد أن تصور المتنكرون أنها تحولت الي مقاطعة أمريكية. 8 وخلال هذه الرحلة السريعة استشعرنا أن هناك إجماعا علي التركيز علي صعود الصين السلمي الي الصف الأول من تحرك العالم الكاتب الأمريكي اليميني ديفيد بروكس مثلا يكتب عن أمة المستقبليه: إن الصينيين شعب بالغ التفاؤل بشكل مذهل, ذلك أن86% منهم يعتقدون أن بلادهم تتجه الي الاتجاه الصحيح في مقابل37% فقط من الأمريكيين ثم إن22% فقط من الصينيين يعتقدون أن بلادهم متفوقة في مجال التجديد الآن, ولكن هذه النسبة ترتفع الي63% يعتقدون أن بلادهم سوف تصبح قائدة عملية تجديد التكنولوجيا خلال ثلاثين عاما.. ليس دخل الفرد وإنما الإيمان في المستقبل هو العامل الأهم ليس في هذا جديد, وإنما الجديد أن يأتي من أقصي اليمين الأمريكي وكذا تكتشف الصحافة الآسيوية, ومن بعدها الصحافة العالمية أن رئيس الصين هوجينتاو يقدم الآن رؤية جديدة لعالم الغد يكفي أن نختتم لقاءنا اليوم بذكري المكونات الخمسة لهذه الرؤية التي تمثل نظرية عن العصر القادم وهي: نظرية التغييرات الكبيرة, نظرية العالم المتناغم, نظرية النمو المشترك, نظرية المسئولية المشتركة, ثم نظرية المشاركة الإيجابية وليكن هذا مدخلا الي لقائنا القادم, بحثا عن معاني الأمل في العام الجديد علي طريق صياغة العالم الجديد. قال صاحبي: أيوه كده يا أخي: كفاية غم! كفايا إرهاب الناس باسم الأرهاب.. أكمل حديثك. حدثنا عن العالم الطالع, عن الأمل.. الأخطر أن القيم الأخلاقية والروحية تتقدم المسيرة وقد فهمت من أن الجديد هذه المرة أنها تستند الي عوامل القوي الصاعدة بدءا من أركان راسخة.. فهل تري هذا ما اطلقت عليه تسمية التوجه الحضاري أم ماذا؟.. حدثنا...