خلال ثماني سنوات هي فترة حكم الرئيس جورج بوش للولايات المتحدةالأمريكية، تصور البعض أن أمريكا أصبحت بلد الحزب الواحد.. الحزب الجمهوري.. بل وتميل تجاه تيار اليمين المحافظ.. هكذا تخيل مراسلون لصحيفة "لوس أنجلس تايمز" بعد اعادة انتخاب بوش عام 2004 مما دفعهما لاصدار كتاب بعنوان "بلد الحزب الواحد: الخطة الجمهورية للهيمنة في القرن الحادي والعشرين". لكن هذا التصور أثبت زيفه، وقرر الأمريكيون الاطاحة بالأفيال في الانتخابات التالية ليتحول الجمهوريون إلي أقلية ويبدأو مناقشة مستقبلهم السياسي بعد أن اعتبر الكثيرون منهم أنهم يتعرضون للانحسار والانقراض، فيما وصف آخرون ما يجري ب"موت الحزب الجمهوري" أو التيار المحافظ. حمل فوز الحمير في الانتخابات الرئاسية والتشريعية شقين جغرافياً وديموغرافياً اذ عكس اكتساحا ديمقراطيا علي المستوي الجغرافي لولايات كانت تعد في الماضي معاقل للجمهوريين مثل ولايتي انديانا وفيرجينيا (يصوتان للجمهوريين منذ عام 1964)، كما أظهر قوة تحالف القوي الصاعدة التي تضم الشباب والأمريكيين ذوي الأصول الاسبانية. هذا المشهد يؤكد أن الأغلبية الديمقراطية تزداد قوة وأن المستقبل سيكون للحمير بما يعني أن الحزب الديمقراطي سيبقي في السلطة لأربعة عقود قادمة كما يري جيمس كارفيل المخطط الاستراتيجي الديمقراطي، وهو ما تتفق معه سيدني بلومنثال مؤلفة كتاب "الموت الغريب لأمريكا الجمهورية" حيث تقول "لا أحد يمكن أن يتوقع متي سيسيطر الجمهوريون علي الرئاسة والكونجرس بقسميه كما فعلوا في 2006". هذا المكسب الديموغرافي الذي حظي به الديمقراطيون جعل بيتر وينر الباحث بمركز الأخلاق والسياسة العامة اليميني يقول في مقال بمجلة "كومنتري" اليمينية الشهرية انه يتعين علي الجمهوريين وضع خطة اصلاح شاملة تحظي بدعم المهاجرين وأبنائهم (خاصة الأمريكيين الآسيويين وذوي الأصول الاسبانية) علي الرغم من موقف الأفيال المعادي دوما للهجرة وذلك بدعوي أن التعدد العرقي يعزز من النموذج الأمريكي ولا يضعفه. وتشير العديد من الكتب الأمريكية إلي الاخفاق الكبير الذي يعيشه الحزب الجمهوري آخرها كان "نحن محكوم علينا بالفشل " كما لخص الكاتب الأمريكي جون ديربيشاير رؤيته عما يجري للمحافظين الأمريكيين في كتابه We are doomed الذي صدر الشهر الماضي. ويشرح ستيفن هيوارد الباحث بمعهد أمريكان انتربرايز في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" أسباب انكفاء الحزب الجمهوري قائلا ان الحركة السياسية المحافظة الحالية فقدت التوازن بين الرموز والأصوات الشعبية وبين الرموز والأصوات الفكرية التي تعبر عن اتجاهها وهو ما اعتاد عليه المحافظون منذ الستينيات وحتي الثمانينيات من القرن الماضي. فرضية هيوارد تذهب إلي أن غلبة الأصوات الشعبية علي الأصوات الايديولوجية للتيار المحافظ أفقدت الفكر المحافظ القدرة علي وضع سياسات بديلة لسياسات ادارة أوباما الليبرالية بدلا من الاكتفاء بانتقادها، كما لم يعد المحافظون قادرين علي طرح أفكار جديدة لأنهم اكتفوا بالرموز الاعلامية المحافظة التي أخذت الريادة من الرموز الفكرية. ويقول هيوارد:"أكبر عيب في التيار المحافظ المعاصر هو عدم قدرته علي تحدي الليبرالية علي المستوي الفكري والايديولوجي بشكل كاف". والملاحظ لمعاقل الفكر المحافظ من مراكز الفكر الأمريكية وأشهرها معهد "أمريكان انتربرايز" ومعهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدني" لم تعد تنتج سياسات أو فكرا تحاول به تجديد دماء التيار المحافظ وانما تركز جهودها علي انتقاد سياسات الادارة الديمقراطية الحالية (خاصة معهد أمريكان انتربرايز) بما يعني أن دورها تحول إلي مجرد رد فعل سلبي لا تضيف بموجبه أي جديد. وبدلا من الاهتمام باحياء مشروعهم الفكري، واصل المحافظون الجدد انتقاداتهم لتوجهات أوباما الليبرالية وسياسته الداخلية والخارجية (خاصة فيما يتعلق بايران)، وهو ما بدا في مبادرة السياسة الخارجية التي أسسها عقلان محافظان هما روبرت كاجان ووليام كريستول بعد فوز أوباما والتي نظر إليها في بدايتها علي أنها محاولة لتطوير أفكار المحافظين الجدد مع تولي إدارة جديدة تتبني أفكاراً مغايرة علي غرار "مشروع القرن الأمريكي" الذي أنشئ عام 1996 مع فوز بيل كلينتون بفترة رئاسية ثانية، لكن تصفح موقع هذه المبادرة علي الانترنت يظهر أن عملية اعادة هيكلة للبناء الداخلي المحافظ لم تبدأ بعد.