إذا كان التعليم الخاص فى مصر يستقطب حوالى 10 ٪ من حجم الطلاب المصريين «مليونى طالب»، فإن إيجاد مدرسة لطفلك يحتاج للبحث والتمحيص، رحلة أم فى دهاليز المدارس الخاصة. هل فكرت فى البحث عن مدرسة جيدة لابنك؟ سؤال يفرض نفسه على كل بيت مصرى، عندما يكون الأولاد على أعتاب سن التعليم. حالة من الاستنفار تقلب كيان الأسر من أجل إيجاد مكان مناسب يستطيع الأبناء من خلاله أن ينطلقوا فى مسيرتهم التعليمية. نسرين 30 سنة هى واحدة من الأمهات اللاتى طفن وشفن حتى يكون قرار اختيار مدرسة الأولاد سليما. سوق مفتوحة على مصراعيها تتأرجح أسهم بورصتها، وكان عليها كأم لتوأمين جميلتين أن تخترق مجال التعليم. قامت نسرين إذن بزيارة أكثر من 26 مدرسة قبل الوصول للحل المناسب. «أقطن فى حى مدينة نصر، لذا فقد بدأت التعرف على المدارس الواقعة فى الدائرة الجغرافية المحيطة، سواء فى المعادى أو العبور أو التجمع الخامس ومدينة نصر». نسرين على ما يبدو استخدمت وسائل منهجية خلال رحلة البحث عن مدرسة، وهى تضيف: «قمت بعمل تصنيف لكل المدارس الموجودة فى المنطقة وخصصت لكل واحدة منها يوما للزيارة. وقد بدأت بالمدارس ذات المصاريف المرتفعة لأتعرف على أسباب ارتفاع الأسعار ونوعية الخدمة المقدمة وجودتها». الخيار قد يكون سهلا فى بلدان أخرى، لكن المفاضلة فى مصر تبدو صعبة للغاية. والاختيار يتضمن نوعا من المجازفة: «لأن فى النهاية فئران التجارب هم فلذات أكبادنا» كما تلخص نسرين. فقرار الاختيار يحتاج لدراسة حقيقية، على حد تعبير الدكتور كمال مغيث الباحث فى المركز القومى للبحوث التربوية الذى يوضح: «السوق اليوم متنوعة بين مدارس قديمة وحديثة، إنجليزية وفرنسية وألمانية، دولية وقومية.. و هناك عدة عناصر تحكم الاختيار بل وتجعل القرار صعبا كموارد الأسرة وعدم وجود تصنيف صريح يبرر الاختلاف بين المصروفات، هناك أيضا عدم التزام المدارس بكل، ما تقدم مما يزيد من حيرة الاختيار». ويضيف مغيث: «القرار يتوقف على ما نريده بالضبط لأولادنا، وما هى نوعية التعليم التى نحب أن نوفرها لهم، بل وما هى توجهاتنا. فأثناء اختيارنا لمدارس الأولاد نعيد اكتشاف أنفسنا وأحيانا نعيد ترتيب أولوياتنا. فهناك مجموعة أسئلة لابد من الإجابة عليها قبل مشوار البحث: ما هى إمكانياتنا المادية؟ فإذا كانت الميزانية المخصصة للتعليم من قبل الأسرة المصرية تصل إلى 25 ٪ من دخلها فأين يقع التعليم من أولوياتنا؟ وما هو نوع التعليم الذى نبتغيه؟ وما هى مواصفات المدرسة فى خيالنا؟». مع مطلع شهرى فبراير ومارس تبدأ حالة الطوارئ فى المدارس و التجهيزات من أجل اجتذاب زبائن جدد. وقد لا يكون الأمر معضلة بالنسبة للمدارس القديمة أو الراسخة التى لا تحتاج للدعاية عن نفسها، أما المدارس الحديثة فلها ألف طريقة وطريقة للإعلان. تشرح عفاف سليمان مديرة الحضانة فى إحدى المدارس الجديدة: «مع اقتراب موعد التقديم، نقوم بمراسلة أولياء الأمور الموجودين فى المدرسة؛ لأن لهم أولوية القبول، بل ونخصص لهم أياما محددة قبل أن نفتح الباب لطلبة جدد، فقد سبق وأن أجرينا معهم لقاءات للتعرف على خلفياتهم الثقافية والاجتماعية، فنحن ندقق فى اختيار الوسط الذى سينمو فيه الأولاد». الدعاية قطعا تقدم أفضل ما فى المدرسة،ولشطارة الأهل هنا أن يتأكدوا من مدى جودة المستوى. التقطت السيدة نسرين أنفاسها بعد أن اشترت دليل المدارس المطروح للبيع فى بعض محلات ملابس ولعب الأطفال. يشتمل الدليل على قائمة بجميع مدارس القاهرة الكبرى ويوفر بعض المعلومات اللازمة عنها مثل أرقام التليفونات والعناوين والموقع الإلكترونى إلخ... وهناك أيضا بعض المواقع الإلكترونية التى قد تفيد بهذا الصدد مثل www.schools-in-egypt.com ، www.140online.com. دعاية وزيارات مفاجئة فى إحدى المدارس الدولية بالمعادى بدا المنظر كسرادق عرس فى يوم «الاورينتيشن» أو التوجيه الذى قررته المدرسة بهدف تعريف أولياء الأمور بالإمكانيات والخدمات المختلفة. الفناء يبرق من فرط النظافة وروعة النظام. عند المدخل تقف فى استقبال الأهالى فتاة جميلة فى مقتبل العمر كواجهة للمدرسة، تقود الزوار إلى مديرة رياض الأطفال. رسومات طفولية تكسو الحوائط، موسيقى شقية تنبعث من قاعة الموسيقى، بينما تجمع أولياء الأمور أمام الفصول ليروا كيف توجه الطلاب المدرسة الشقراء ذات اللكنة الأمريكية المتقنة. «من تجربتى فى المدارس تعلمت ألا أنخدع بحيلة يوم «الاورينتيشن» لأن المدرسة تبذل أقصى ما فى وسعها لكى تقدم صورة جميلة عنها، قد لا تكون واقعية بالضرورة». الموضوع إذن قد يتطلب «كبسة مفاجئة» على حد قول المجربين. من حصة لأخرى قضت نسرين يومها فى ربوع المدرسة حتى تتفهم كيف يقضى الأولاد يومهم، وفى نهاية النهار كانت فى أمسّ الحاجة لآلة حاسبة، فعدد الأصفار قد يصل إلى أكثر من أربعة.. وهى أم لطفلين فى سن مدارس. يلجأ البعض إلى وسائل أخرى تعبر أكثر عن اتجاه المدرسة. فإحدى المدارس الإسلامية الحديثة فى التجمع الخامس، التى تم افتتاحها منذ عام، تقيم حفلا سنويا بقاعة المؤتمرات لعرض فلسفتها التعليمية بدءا من اسمها ذى الرنة الفارسية «كدلالة على الجمع بين فضيلتى العلم والدين» على حد تعبير أحد القائمين عليها، وصولا إلى استعراض هيئة المدرسات اللاتى ترتدين العباءة لتكن قدوة للصغار، ثم المنهج الدينى الخاص الذى يسير بمحاذاة المنهج الرسمى لوزارة التعليم. وحول هذه النقاط دارت خطبة القائمين على المدرسة الإسلامية، إلا أن نسرين لم تكتف بهذا العرض وقررت مقابلة المدرسين حتى تتعرف على «دماغ» من سيقومون بتشكيل عقول بناتها. قد تعلن أيضا بعض المدارس عن نفسها عن طريق تأجير منشآتها للنشاط الصيفى لدور الحضانة، فيتعرف الأهالى على إمكانيات المدرسة بطريقة غير مباشرة. تضيف نسرين: «لقد تعرفت على بعض أسماء المدارس عن طريق بطاقة الائتمان، فمع كارت الفيزا وصلتنى إعلانات عن مدارس جديدة تزامنت مع فترة التقديم». لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكواليس عالم المدارس مليئة بالغرائب والطرائف، والتبرعات تكاد تكون «فرض مش سنة!» فهى تتراوح كما تؤكد نسرين ما بين 2500 جنيها إلى 5000 جنيه، وإن كانت تصل فى بعض الأحيان لعشرة آلاف جنيه، خاصة بالنسبة للمدارس ذات السمعة الطيبة أو التاريخ القديم التى لا تستطيع رفع مصاريفها بشكل كبير، حيث إن قبضة الوزارة عليها شديدة. تلجأ إذن هذه المدارس إلى ورقة التبرعات للضغط على الأهالى وتعطيها مسميات عدة مثل «فتح فصل جديد، ترميم مبنى، إصلاح مرافق»... لكن الموضوع يتوقف على شطارة الأفراد ومدى قدرتهم على جلب واسطة محترمة. أمام مدرسة أخرى عريقة بحى المعادى وقفت نسرين فى طابور طويل من أجل تقديم أوراق البنات، وقالت: «الموضوع مخاطرة حقيقية. القرار صعب. أخاف أجرى وراء التعليم الدولى فأجد أولادى مغتربين ومشتتين ثقافيا، وأفاضل بين المدارس القديمة ذات التقاليد الراسخة، فأخشى أن أضع أولادى فى متحف، وإذا جربت مدرسة حديثة، فستكون مغامرة لأنها مازالت فى طور التجريب». ويقول البعض: ماذا لو توفى أحد الملاك واختلف المستوى؟ هل من الأفضل أن يتحدث الأطفال بلهجة كندية أم بلكنة فرنسية أنيقة؟ هل سأظل فى وظيفتى فأستطيع الوفاء بمتطلباتهم المادية؟ وتتدفق سلسلة من أسئلة «ماذا لو؟» فى أدمغة الأهل فتجعل المفاضلة أكثر صعوبة.