الجو الرمضانى، بحرارته، وازدحامه، وانشغاله، لم يمنع الكاتب الروائى سعيد نوح من الاحتفال بروايته الجديدة «أحزان الشماس»، التى صدرت مؤخرا عن المجلس الأعلى للثقافة بعد ما يزيد على عشر سنوات من كتابتها. أيضا لم يمنع أصدقاء نوح من الاحتشاد معه فى هذه الندوة، التى شارك فيها عدد من الأدباء والنقاد من بينهم: سيد الوكيل، شعبان يوسف، محمود الضبع، جمال مقار، أمينة زيدان، عمار على حسن، هويدا صالح، عمر شهريار، ابتهال سالم وغيرهم من الذين جاءوا للاحتفال بالشقيقة الأحدث ل«سعاد». «هذه رواية عجيبة الشأن» يروى الشاعر شعبان يوسف هذا الوصف لرواية نوح عن إحدى الناقدات التى كانت تقيمها ضمن إحدى مسابقات النشر، وقررت عدم صلاحيتها لذلك لأنها: «مش عارفة تقراها»، هذا والكلام لا يزال ليوسف، قبل أن تخبره الروائية أمينة زيدان مسئولة إبداعات التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة بأن «سعيد نوح عامل حاجة تحفة» وكانت تقصد نفس الرواية، وهى الرواية نفسها «أحزان الشماس» التى وصفها الفنان الكبير عدلى رزق الله مصمم الغلاف بأن بها كتابة «تجيب طوبة فى القلب». كل هذا الجدل كان استباقا لخروج الرواية للقراء عن سلسلة إبداعات التفرغ بالمجلس مؤخرا، وهو الجدل الذى توقع الشاعر شعبان يوسف أن ينسحب على ما بعد النشر، مذكرا فى هذا السياق بالرواية الأولى والأشهر من بين أعمال نوح «كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد»، التى مثلت وقت صدورها علامة لجيل الثمانينيات المغبون، على حد وصفه. «فى «أحزان الشماس» يقف سعيد نوح مع الهامش» يشير يوسف، موضحا أن الكاتب قد ذهب بالفعل إلى أحد الأديرة، وعايش حياة الشمامسة فى مجتمعهم المغلق الصغير، واستطاع أن يصف المشهد بأشكاله المختلفة. أما الكاتب جمال مقار فوضع الرواية فى سياقها كأحد الأعمال التى تناولت المجتمع القبطى، وإذا كانت هذه الأعمال قد تتبعت وفتشت عن الشخصية المصرية فى قبطيتها الأولى كأعمال الكاتبة سلوى بكر وغيرها، فإن سعيد نوح، والكلام لمقار، هو الوحيد الذى استطاع أن يعبر عن الشخصية القبطية الحالية بهذه الكثافة. مقار الذى استنكر ما وصفه بأجواء التعصب والصبيانية التى أدت إلى الهجوم على الرواية واعتبارها أحد الأعمال المسيئة للأقباط، قال إنه ضد القراءة المباشرة لرواية «الشماس»، مشيرا إلى أنه يجب إعلاؤها إلى مستوى الرمز، واصفا الرواية بأنها دفقة عطاءٍ كبير من كاتبها، الذى استطاع أن يقدم عبر روايته مسيحا خاصا بطريقة خاصة، ولغةٍ خاصة يصعب الإمساك بها، لم تجمعه من فصحى وعامية ولغة توراتية وغيرها. بعد ذلك جاءت مداخلة الكاتب والناقد سيد الوكيل لتقف على ملامح الرواية ضمن المشروع الروائى لسعيد نوح وتربطها بهذا المشروع، فقال إن ظاهرة غريبة تميز كتابة نوحٍ، وهى أنه يكتب وكأنه يرى كل تفاصيل عمله، مما يشى ببعض التعاطف بينه وبين شخصياته، ويؤدى إلى غياب الوعى البنائى إلى حدٍ ما، على الأقل فى المراحل الأولى لكتابة العمل. وأضاف أن السمة الأخرى التى تميز كتابته، هى الطابع العرفانى الذى يعتمد على الكشف الصوفى أو اللدنى، الذى يميز تقريبا أغلب شخصياته، التى تبدو دائما أقرب للملائكة أو على الأقل القديسين. واتفق الوكيل مع ما ذكره فى البداية شعبان يوسف من أن رواية أحزان «الشماس» تظهر بها انحيازات، هى أصيلة فى إبداع الكاتب، لعالم المهمشين، حيث تتناول عالم الشمامسة الذى هو الأقل فى النظام البطريركى الكنسى. وقال الناقد إنه على ذلك لا يجب التوقف عند البيئة الغريبة للنص، إن صح التعبير، وإنما التعامل مع العالم الفنى، موضحا أنه رغم روحانية هذه البيئة فإن الكاتب تعامل معها كمجتمع بشرى طبيعى، يحمل كل مزايا وخطايا أى مجتمع بشرى.