كان الشماس العجوز ينظر للشمس التى لم تشكل روعة شروقها أكثر من مجرد الإحساس الجميل بالدفء من خلال فتحة فى أعلى، الحائط والجسد الصغير، ينام على حافة السرير، بين الحين والحين يضع يديه الضامرتين فى صفيحة الماء الموضوعة على الموقد، ليعرف مساحة الدفء فى الماء، ثم يقول: هذا المحطوط فوق السرير كان يحبك، فلم أخذته؟! ولمن تترك يدى حين تُسيرنى فى الظلام. لقد كان لى دبُّ، أسد كامن فى مخابئ، كل بهاء عينى حين يزهر الكرم، وينور الرمان، وتغلق الأبواب فى السوق، وتبطل الطواحين، وتُظلم النواظر من الشبابيك، ويطوف النادبون على الأبواب، وتظلم الشمس والنور والقمر والنجوم، وترجع السحب بعد المطر، ويتزعزع حفظة البيت وتتلوى رجال القوة، لم تُصيرنى رجسا، وتخرب أبوابى، وتشمت بى بنى أمى؟! لم تجعلنى كناطور الكروم، وتجرش بالحصى أسنانى، وتكسبنى الرماد، وتشبعنى عارا، وتجعلنى وسخا وكريها، وتثقل سلسلتى فى آخر أيامى؟! ارتعش الواقفون جوار الجسد عند خروج الكلمات من بين أسنان الشماس الصدئة محملة بماء العين، لم يكن يعرف أن قداسة الأب هو الذى سيغُسّل ابنه النائم فوق السرير، ويرمى بأسرار الموت فى أذنه. استعد قداسته منذ الصباح على غير عادته، أمسك بكتاب الأسرار المقدسة خوفا من أن ينسى سرا، فتضيع تلك الروح التى أحبها بين خراف الله الضالة، ثمانية عشر عاما مضت منذ أن عمده بالماء المقدس، ولم يبك كالأطفال، يومها قال للشماس هذا الغلام الجميل لك.. أنت أب ذلك الذى أوصى به خيرا، ذلك الذى تحمل خطيئة ابن الإنسان. مقطع من رواية «أحزان الشماس» للروائى المبدع سعيد نوح، الصادرة فى طبعتها الأولى مؤخراً، عن سلسلة إبداعات التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة، تحت إشراف الدكتورعماد أبو غازى، الأمين العام للمجلس، وتقع فى 260 صفحة، مقسمة إلى 7 أقسام وخاتمة، يتناول فيها نوح المعتنى بالتفاصيل الصغيرة عالم الإخوة المسيحيين المصريين بتفاصيله الحياتية اليومية.