يكثر الآن ترديد العبارة المزعجة «الحل الوسط»، عند الحديث عن المسجد الذى لا يعتبره مؤيدوه قريبا للغاية من موقع مركز التجارة العالمى، كما لا يرى معارضوه أنه بعيد جدا عنه. وقد اقترح هذه العبارة ديفيد باترسون حاكم ولاية نيويورك، وتيموثى دولان رئيس الأساقفة، وكارين هيوز التى كانت فى السابق من مستشارى جورج دبليو بوش المهمين فى واشنطن بوست يوم الأحد22 من أغسطس. وهؤلاء أشخاص ذوو حيثية، غير أنهم لا يفهمون أنه لا يوجد فارق بين الحل الوسط والهزيمة فى هذه القضية. الأمر ليس معقدا، إذا كنت تعتقد أن دينا بأكمله يتبعه نحو مليار شخص هاجم الولاياتالمتحدة فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، فيمكنك أن تفهم أن إقامة مركز بالقرب من مركز التجارة العالمى المنهار قد يكون مزعجا. لكن الحقائق غير ذلك. فلم يكن الإسلام متورطا فى الهجوم، وإنما مجموعة فقط من المؤمنين به. ومادام الأمر كذلك، فهؤلاء الأشخاص الذين يعانون مشاعر مؤلمة مشروعة مخطئون. وهم بحاجة إلى تفهمنا وليس إلى تساهلنا. من ناحية أخرى، إذا لم تكن مقتنعا بأن الهجمات شنها دين بأكمله، فلديك مهمة أخلاقية لمساندة إنشاء المركز الإسلامى. ويندرج كثير من الناس ضمن هذه الفئة أو يقولون إنهم ضمنها لكنهم مازالوا يعارضون المسجد. ومن بين هؤلاء نيوت جينجريتش، وريك لازيو المرشح الجمهورى لمجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، وتلك الثرثارة الحمقاء سارة بايلن. فهم منغمسون فى نوع من أنواع القياس الهابط، قدر من الغباء الغوغائى يزداد وضوحا أكثر فأكثر. وهم يتظاهرون بأن لديهم التزاما رسميا بالدفاع عن الأغلبية (القوية) ضد مطالب الأقلية (العاجزة) ويناصرون أولئك الذين تستند انفعالاتهم على الفهم الخاطئ للحقائق. ويتذكر من هم منَّا فى سن معينة، الأيام التى كان الأمريكيون من أصل أفريقى وأنصارهم يُنصحون بالتحرك ببطء نحو حل وسط. وكان يقال لهم أن يراعوا مشاعر البيض الرقيقة، بصرف النظر عن مدى قبح عنصريتهم، وأن يحموا نمط حياة سكارليت أوهارا الرخو. وتبنى سياسيون كبار هذا النهج، من بينهم الرئيس أيزنهاور. وكان الخطأ أن تتصرف على نحو أقل من ذلك قليلا، لكن تأجيل الصواب سيكون مؤلما. فماذا كان الحل الوسط؟ منذ تلك الفترة قمت بنحت مصطلح: الضغط الأخلاقى. وحث نشطاء حقوق الإنسان أيزنهاور مرارا وتكرارا على استخدام منطق الأقوياء لتوجيه البلاد إلى مسار أخلاقى، لتكون مثالا يحتذى. وعلى نحو ما، نسى بطل معركة نورماندى كيف يقود البلاد حتى اضطره حاكم ولاية أركانسو أوفال فوباس إلى استدعاء القوات بالمعنى الحرفى للكلمة. وبقيت تلك الفترة وصمة فى سجل أيزنهاور المثالى باستثنائها. ويحدث الآن أمر مماثل. فالأمر لا يتمثل فى مجرد وجود ساسة عديمى الضمير يحولون المسجد إلى قضية غوغائية، ولكن فى أن معظم الآخرين لم ينبسوا ببنت شفة. وقد اقترحت هيئة تحرير واشنطن بوست أن يعلن الرئيس بوش الذى أظهر دائما قدرة على القيادة فى القضايا بين الأديان، رأيه فى الأمر. وعلى هيوز التى اثارت قضية المسجد ودعت إلى إقامته فى مكان آخر، أن تطبّق منطقها الخاص. كما ينبغى على رئيس الأساقفة أن يدعو المصلين معه إلى إظهار التسامح بدلا من أن يطالب بحل وسط. فهو ليس وسيطا عماليا، وإنما زعيم أخلاقى. فعلى مدى السنوات، أساء آلاف القساوسة إلى الآلاف المؤلفة من الأطفال. وهذا واقع مؤسف. غير أنه لايمكن لشخص عاقل أن يعتقد أن جميع القساوسة مرضى الولع بالأطفال، وأنه ينبغى أو يمكن لضحايا ولع القساوسة بالأطفال معارضة أى خطة لإقامة كنيسة. فنحن نعرف الفارق بين تصرفات الأفراد وبين العقيدة أو معتقدات دين بأكمله. فأنا يهودى، ولكن لا تحكموا علىّ بناء على تصرف باروخ جولدشتاين، الذى قتل 29 مسلما فى الخليل عام 1994. وفى مقابلة أجراها برنامج «هذا الأسبوع مع كريستيان أمانبور» فى هيئة الإذاعة البريطانية، «بى بى سى»، رفضت ديزى خان، وهى من مؤسسى المسجد وزوجة الإمام أى حل وسط. وكانت محقة فى ذلك، لأن قبول الحل الوسط يعنى الموافقة، ولو قليلا، على حجج المتعصبين، والديماجوجيين، أو مجرد الجهلاء بالأمر. والمعركة لم تعد معركتها، وإنما معركتنا جميعا. أعرف أن الموضوع صار مبتذلا على نحو ما، ولكن ليس هناك من عبر عن هذا الأمر أفضل من وليام بتلر يتس(William Butler Yeats) فى قصيدته «المجىء الثانى» عندما قال «يفتقر الأفضل إلى الإقناع، بينما الأسوأ زاخر بالشحن العاطفى».