قبل آذان المغرب بنحو ساعة، تجلس أم مصطفى أمام بدروم إحدى العمارات بمنطقة فيصل، تقشر البطاطس، لتحضير الإفطار. بينما تتحدث مصر كلها عن أزمة انقطاع الكهرباء، وحدها أم مصطفى لا تهتم، «الكهرباء لو قطعت مش بتفرق معانا، بنولع شمعة». السيدة صعيدية الأصل لا تمتلك ثلاجة أو مروحة، ولا أى أجهزة كهربائية. «ولما بنحس بالحر، بندخل نستحمى علشان نحس بالطراوة»، تقولها مبتسمة، وهى تنظر لابنتها الصغرى صابحة، التى تؤكد نفس الحديث. فى البدروم الذى لا يتعدى مساحته المترين فى مترين، تسكن أسرة أم مصطفى المكونة من ثمانية أفراد. كانت أم مصطفى تعيش مع زوجها محمد بإحدى القرى بالمنيا وتركتها منذ عشر سنوات، بعد أن حصل على فرصة العمل بوابا للعمارة. «كان قرار صعب إننا نسيب أهلنا، لكن لقمة العيش والشغل كان للرجالة مش للحريم، وجوزى تعب من الشغل، يوميته فى المحاجر كانت بخمسة جنيه، كنا إزاى هانصرف على 6 عيال»، تقولها أم مصطفى وهى تكمل تقشير البطاطس. وبالرغم من بعد أم مصطفى وأسرتها عن أهلها لأكثر من عشر سنوات، فإنها لم تزوج أولادها وبناتها إلا من أقاربها ومعارفها بالمنيا، لأنها ستعود يوما ما لموطنها مرة أخرى. «جوزت ولادى من البلد، علشان هاييجى يوم ونتلم ونرجع كلنا البلد تانى، ولازم ولادى يبقوا حوليها، لكن لو اتجوزوا هنا، عمرنا ما نتجمع تاني»، تقولها أم مصطفى، ويبدو على وجهها الأمل فى العودة لموطنها مرة أخرى، بعد أن فشلت أن تدخر أموالا تساعدها على الحياة بشكل أفضل. «ناس كتيرة قالولنا لازم ترجعوا البلد تانى، لكن ما عندناش لا أرض، ولا حتة بهيمة نتسند عليها، على الأقل أجوز ولادى ونرجع تانى»، تقولها أم مصطفى، وهى تعد وعاء الزيت تمهيدا لقلى البطاطس. أم مصطفى جاءت مع أسرتها للقاهرة بحثا عن حياة أفضل، لكن راتب زوجها حارس العقار، لا يتعدى ال 400 جنيه، بسيط ولم تستطع أم مصطفى أن تدخر منه، «المرتب بيكفينا بالعافية، غلو الأسعار، خلتنا نعيش على قدنا، كيلو اللحمة اللى وصل 50 جنيه، بناكلها كل شهرين أو تلاتة». تقطع أم مصطفى حديثا، وتصمت لحظات وهى تحمد الله فى سرها. «قبضنا مرتب شهر تمانية مقدم، ها نعمل إيه كل حاجة غالية واحنا فى رمضان، ولازم أعمل أكل كويس»، كما توضح أم مصطفى، صعوبة الحياة مع ارتفاع الأسعار. وتضيف، زوجت ثلاث بنات وولد، ويتبقى عندها مصطفى فى المرحلة الابتدائية، وصابحة التى لم تكمل تعليمها، وتوقفت عند الصف الخامس الابتدائى. من وجهة نظر أم مصطفى، ليس هناك فائدة من استكمال بناتها للدراسة، فى الوقت الذى لا تتوافر فيه فرص العمل. «جوزت ثلاث بنات، وما كملوش تعليمهم، ما فيش شغل أصلا، والبنت مهما تعلمت ملهاش غير بيت جوزها». تبحث أم مصطفى عن تيشيرت يطلبه ابنها، فتقوم بتفريغ أحد الأكياس الموجودة المعلقة على الحائط لتبحث عنه. «كنت بعمل جمعية، وأقبضها آخر السنة، علشان أقدر أجهز بناتى». فى البدروم، يفترشون البطاطين، ويعلقون ملابسهم على حبل غسيل بالحجرة، أما الملابس الشتوية فتضعها فى أكياس معلقة على الحائط. وابور فى الركن، والأطباق والأكواب على منضدة صغيرة. «نفسى أرجع بلدنا من تانى، وحياتنا الهادية هناك، ويكون معانا قرش يساعدنا على فتح محل، ونتلم فى وسط أهلنا»، كما تتمنى أم مصطفى، بعد غربة أكثر من عشر سنوات، ليرد عليها زوجها عم محمد، الذى انتهى من مسح سلالم العقار. «ياريت ييجى اليوم اللى نرجع فيه البلد».