من هو اليهودى؟ تساؤل قديم، ظل لعقود من الزمن (إذا لم يكن قرونا) مثيرا للجدل والمناقشة وعددا لا يحصى من الأقوال الساخرة جميعها من وحى ما افترضه الكثيرون عن عدم إمكانية الإجابة أساسا عن هذا السؤال. ولكن إذا كان للتطورات التى حدثت هذا الأسبوع أية دلالة، فربما يقدم البرلمان الإسرائيلى، الكنيست، قريبا إجابة رسمية مدهشة: لا أحد تقريبا. وافقت لجنة بالكنيست على مشروع قانون تبناه ديفيد روتم، عضو الحزب القومى «إسرائيل بيتنا»، وسوف يتيح صدور هذا القانون للحاخامية الأرثوذكسية، سلطة الحكم على جميع حالات التحول إلى اليهودية التى تقع فى إسرائيل. وإذا أقر هذا التشريع، سوف تتحكم جماعة صغيرة من الحاخامين المتشددين، أو الحريديم، فى المواليد والزيجات والوفيات اليهودية، ومن خلالها، فى القضايا الأساسية الخاصة بالهوية اليهودية. وهذه الخطوة سوف تشعل معركة طائفية ليس من شأنها تقسيم المجتمع الإسرائيلى فحسب ولكنها تهدد أيضا بفصم العلاقة الحيوية بين إسرائيل ويهود الشتات الأمريكيين. والمشكلة ليست لمجرد أن بعض هؤلاء الموظفين الحاخاميين، الذين يتلقون أجورهم من الدولة ويتودد إليهم الساسة، فاسدون بشكل واضح. (ولنأخذ الأكثر فجاجة بين فيض من الأمثلة، وهو حاخام حريديم أمريكى صار واحدا من أقوى أصحاب النفوذ فى مسألة التحول إلى اليهودية، استقال من منصبه فى ديسمبر بعد اتهامه بطلب مداعبات جنسية عبر التليفون من إحدى الراغبات فى التحول إلى اليهودية). بل إن المشكلة تكمن فى أن جميع اليهود على وشك تبنى معتقدات أقلية ضئيلة من يهود العالم تتفق مع تعريف الحكومة الإسرائيلية لليهودية. ويصعب أن نبالغ فى الآثار المتوقعة لذلك، على يهود إسرائيل فى المقام الأول والأخير. وفى عمود ظهر مؤخرا على موقع الإنترنت الإسرائيلى «إينت»، رسمت ريفكا لوبيتش، وهى محامية أرثوذكسية فى نظام المحكمة الحاخامية بإسرائيل، صورة مروعة للمستقبل. فكتبت «حتى لو لم تذهب لتسجيل زواج، وإذا لم تذهب إلى المحكمة الحاخامية لأى سبب من الأسباب، وإذا لم تكن تمر بالمحكمة الحاخامية أثناء سيرك فى الشارع فبإمكان المحكمة الحاخامية استدعاءك، وعقد جلسة استماع حول يهوديتك، وسحبها. ففى الواقع، يفترض أن دولة إسرائيل بالكامل غير يهودية حتى يثبت العكس». فلماذا يفعل الحاخامون ذلك؟ لم تنشأ العملية، كما يقول البعض، بسبب التشكك فى المتحولين الجدد إلى اليهودية فهم مجرد قضية مقحمة. كما أنها ليست، كما يقول بعض آخر، رد فعل على تدفق اليهود الروسيين، الذين يطالبون غالبا بإثبات أن أسرهم كانت مسجلة باعتبارها يهودية فى الاتحاد السوفييتى القديم؛ عندما يحاولون الحصول على إذن بالزواج فى إسرائيل. ويتمثل الدافع لذلك فى رغبة جماعة صغيرة من الحاخامين توسيع نطاق سلطتها من المسائل الضيقة المتعلقة بالتحول إلى اليهودية إلى مسائل أكبر تتعلق بالهوية اليهودية نفسها. وحيث إن ما يسرى على التحول إلى اليهودية ينطبق أيضا على كل الأنشطة الدينية الأخرى، فلا يستطيع تحديد صحة زواج أو طلاق أو مولد أو وفاة وما بين ذلك من شعائر سوى القليل فقط من الكهنة. وخشية أن يتخيل شخص ما أن الأمر مجرد معركة أخرى بين الطوائف المحافظة المطالبة بالإصلاح التدريجى والأرثوذكس المتشددين، علينا ملاحظة أن المعيار المستخدم من قبل الحاخامية ينبع من سياسة الحرديم الداخلية، وليس ناموسا. ووفقا لجريدة «ذا جويش ويك»، كان عدد الحاخامين الأمريكيين المفوضين رسميا من قبل الحاخامية الإسرائيلية، فى وقت ما، لا يزيد على بضع عشرات. فحتى لو كنت أرثوذكسيا، خاصة إذا كنت أثوذكسيا حديثا، ربما لا يقطع الحاخام الذى تتبعه برأى. (إذا لم تكن مصدقا، اذهب واسأله). ونظرا لأن مشروع القانون الخاص بالتحول إلى اليهودية هو الأخير فى سلسلة من المساعى ذات الدوافع المشابهة، فلا تبدو هناك حاجة إلى التذكير بأن النهج الصارم الذى تتبناه الحاخامية الإسرائيلية تجاه القانون اليهودى لا يرتبط بالخبرة التاريخية والممارسة الدينية لغالبية الشعب اليهودى على مدار الألفى عام السابقين. ولن تفيد أيضا الإشارة إلى أنه خارج عن الإجماع الذى أسسه هيليل يقال إنه أعظم حاخام فى كل الحاخامية اليهودية، الذى كان، وفقا لما يطرحه يوسف تيلوشكين فى كتاب معد للنشر، مستعدا لتحويل أى وثنى إلى اليهودية فى الحال، لمجرد أنه طلب ذلك. كما أنه من نافل القول إن إعطاء الحاخامية الأصولية المتشددة السيطرة الكاملة على الطقوس اليهودية سوف يدمر الحياة الدينية فى إسرائيل، تماما مثلما أضرت سيطرة رجال الدين بكنسية انجلترا والكنيسة الكاثوليكية فى إسبانيا وفرنسا، أو أن مؤسسى الصهيونية، من هرتزل إلى جابوتنسكى وحتى بن جوريون، كانوا يتمسكون بوحدة الشعب اليهودى والحاجة إلى دولة علمانية. ولكن ربما تنجح صيحة حشد عملية أكثر: إذا تم إقرار مشروع القانون هذا، لاشك أن مؤرخى المستقبل سوف يتساءلون عن السبب فى أن إسرائيل اختارت فى لحظة حاسمة من تاريخها إبلاغ 85% من يهود الشتات بأن حاخاميهم لم يكونوا حاخامين وأن طقوسهم الدينية كانت زائفة، وأن تحول أبائهم وأقرانهم إلى اليهودية كان باطلا، وزيجاتهم لم تكن قانونية وفقا للقانون اليهودى، وأن أولادهم كانوا قبيلة من الأوباش لا يجوز لهم الزواج من اليهود الآخرين. وسوف يتساءلون، لماذا اختار الأوصياء على حلم الشعب اليهودى بالوطن منذ ألفى عام، مثل هذا التعريف الفاسد الضار للانتماء إلى الشعب اليهودى، الذى يبدو أن المقصود منه عزل الأنصار خارج حدود إسرائيل؛ بينما تسرع إيران الخطى نحو بناء قنبلة نووية من أجل محو الدولة اليهودية عن الخريطة؟ وسوف يتساءلون أيضا عن صمت يهود الشتات؟ حيث يعتبر الكثير من يهود أمريكا إسرائيل تحت الحصار، ولا يريدون جعل الأمور أسوأ مما هى عليه؛ ويتخيلون أن المناورات السياسية الداخلية حول التحول إلى اليهودية والزواج أمر عابر، وسوف يتغير. ولكن مشروع قانون التحول إلى اليهودية دليل على أن هذا الصمت كان خطأ، حيث فسره الساسة الإسرائيليون باعتباره ضوءا أخضر لإلقاء مسائل أساسية حول الهوية اليهودية فى بوتقة الائتلافات السياسية. ويستند تاريخ تعويضات الشعب اليهودى منذ الهولوكوست، على دعامتين هما إسرائيل القوية والشتات القوى، وهما تتبادلان خطابا سياسيا وثقافيا، ويعزز نجاح كل دعامة منهما ثقة وقدرات الدعامة الأخرى. ولا يمكن ليهود الشتات ولا إسرائيل تحمل الانفصال بين المجموعتين وهو احتمال كابوسى، يمكن أن يتحقق بسرعة مخيفة، إذا تم إقرار مشروع هذا القانون.