بينما دخلت موازنة العام المالى الجديد مجلس الشعب بمخصصات قدرها 18.6 مليار جنيه للإنفاق على الصحة، فقد خرجت منه مرتفعة إلى 21 مليارا، وعلى الرغم من ذلك فلم تتعد المبالغ الموجهة لهذا البند بعد الزيادة 5% من إجمالى الإنفاق العام، مقابل 15% المتوسط العالمى، وهو ما دفع منظمات لجنة الدفاع عن الصحة للتظاهر أثناء مناقشة الموازنة اعتراضا على انخفاض هذه النسبة. «ولعل إدراك الحكومة للانخفاض الشديد فى مخصصات هذا القطاع هو الذى دفعها إلى زيادته أثناء المناقشة فى المجلس، ولكن مع الأسف فإن مقدار هذه الزيادة جاء ضئيلا جدا بحجم المشكلات التى يواجهها»، على حد تعبير ضحى عبدالحميد، الخبيرة الاقتصادية، التى اعتبرت أن «الحكومة كان عليها أن تخصص دعم إضافى خاص لهذا القطاع خلال العام المالى الجديد، مع تدهور أوضاع الفقراء بشدة بسبب الأزمة المالية». فالبديل لمستشفيات التأمين الصحى، هو أن يلجأ المواطن إلى المستشفيات الخاصة، التى تتميز بارتفاع جودة خدماتها مقارنة بنظيرتها الحكومية، إلا أن «أغلبية المواطنين لا يملكون رفاهية اللجوء لهذا الخيار، مما كان يستدعى من الحكومة تقديم المساندة الكافية»، على حد تعبير عبدالحميد. وهو ما يتفق عليه محمد خليل، رئيس لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، مضيفا أنه «على الرغم من توسع القطاع الخاص فى مصر فإنه لايزال غير قادر على تقديم البديل لأنه، من ناحية أخرى، يستحوذ على 10% فقط من السرائر الطبية»، ويقتصر عدد المستشفيات الخاصة التى يصل عدد السرائر الطبية فيها لأكثر من 40 سرير على 120 مستشفى، مع العلم بأن كفاءة المستشفيات ترتبط بعدد السرائر الطبية. ويشير خليل إلى أن مصر كانت ضمن الدول الأفريقية الموقعة على إعلان أبوجا المتبنى لدعوة كوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، فى قمة الألفية الذى دعا الدول إلى الالتزام بألا تقل نسبة الإنفاق على الصحة عن 15% من إجمالى الإنفاق الحكومى. «وعلى الرغم من أن مسئولين حكوميين كانوا قد صرحوا بأن الإيرادات المتزايدة المتوقعة بعد الضرائب الجديدة التى تم فرضها على السجائر والأسمنت والحديد سيتم توجيهها إلى التأمين الصحى، فإن الحكومة لم تلتزم فى الميزانية الجديدة بما تعهدت به فى أبوجا»، بحسب خليل. وعلى الرغم من أن الحديث الدائر خلال هذه الأيام يتجه إلى جعل التعليم على رأس أولويات الإنفاق الحكومى، فإن عبدالحميد ترى أن «الصحة يجب أن تكون أولوية على التعليم، فإذا قمنا بتوفير فرصة التعليم لشخص ما، ولم نوفر له فى نفس الوقت الرعاية الصحية اللازمة، فإنه سوف لا يستوعب المناهج التعليمية، وبالتالى سوف لا نستفيد من المبالغ الموجهة للتعليم». وبحسب الخبيرة، «إذا كانت الحكومة تريد رفع إنتاجية مواطنيها وزيادة معدلات النمو، فإن عليها الاهتمام بشكل أكبر بصحة مواطنيها»، معتبرة أن «الخدمات الصحية التى يتلقاها المواطن المصرى متدنية الجودة بشكل صارخ، بداية بخدمات التمريض إلى اهتمام الأطباء بالمرضى ومرورا بقلة عدد المستشفيات». وهو ما يتفق عليه علاء غنام، مسئول القطاع الصحى بمنظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مضيفا «عندما نتحدث عن الجودة فهناك عناصر كثيرة يجب تحسينها تبدأ من معاملة المريض منذ بدء دخوله للوحدة الصحية إلى طريقة متابعة حالته بعد العلاج ومستوى جودة مكافحة العدوى داخل هذه الوحدات والوقت المهدر». واعتبر غنام أن تحسين جودة الخدمات الصحية مرتبط بوضع الاقتصاد المصرى، حيث إن العديد من الأمراض تتسبب فى النزول بأصحابها إلى مستويات أكثر فقرا. وفى هذا السياق يشير خليل، إلى أن الجهات المدعومة من الدولة وتتسم بجودة خدماتها تستحوذ على ما يتراوح فقط بين 30% إلى 35% من السرائر الطبية فى مصر وهى المستشفيات الجامعية والهيئات المتخصصة، مثل هيئة التأمين الصحى والمراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية وهيئة المستفيات والمعاهد التعليمية، أما 55% من الأسرة الطبية فتستحوذ عليها المستشفيات العامة والمركزية والمتخصصة، كمستشفى الحميات وهو القطاع الذى يصفه خليل «بالمترهل»، الذى يعانى غيابا ملموسا فى المستلزمات حيث يطلب من المرضى شراء مستلزمات بسيطة مثل القطن والشاش. ومن ناحية أخرى، ترى عبدالحميد أن الحكومة لا يمكنها رفع مستوى جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، دون زيادة أجور الأطباء، الذين يشكون طول الوقت من تدنى رواتبهم، مما يسبب لهم حالة من الإحباط والتعامل مع المرضى بإهمال شديد. ويذكر أن إجمالى المبالغ المخصصة لأجور وتعويضات العامين فى القطاع تبلغ 8.548 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة.