فى قرية قحافة بطنطا اجتمع أصدقاء المحلة ليودعوا الدكتور نصر حامد أبوزيد إلى مستقره الأول، اجتمع أعضاء شلة المحلة من غير ميعاد بعد أن أحاط صاحب «التفكير فى زمن التكفير» تكتم شديد حول مرضه وحتى وفاته، كانت هناك شلته الأثيرة، الناقد الدكتور جابر عصفور والكتاب سعيد الكفراوى وجار النبى الحلو وفريد أبوسعدة، فضلا عن زوجته ابتهال يونس أستاذة الحضارة الفرنسية بجامعة القاهرة وأستاذه الفيلسوف حسن حنفى. فى حديث تليفونى ل«الشروق» جاء صوتا جار النبى الحلو وفريد أبوسعدة يملؤهما الحزن العميق. بدأت تتساقط أوراق شجرة المحلة بعد وفاة القاص رمضان جميل ثم الشاعر محمد صالح، «ثم نصر حامد أبوزيد، أحب الشخصيات إلى قلبى وأكثرها حميمية بالنسبة لى»، قالها جار النبى الحلو بصوت ضعيف غلبه الحزن، كان فى انتظار وصول باقى المقربين وتذكر لقاءه الأول بنصر عام 1965 حين كانت تربطه صداقة بشقيقه الأكبر المترجم بكر، فيروى الحلو كيف تعرف عليه فى قصر ثقافة المحلة، وكانوا يطلقون عليه صلاح جاهين المحلة، «كان نصر سمينا ويكتب رباعيات بالعامية المصرية، فكنا فرحين أن بيننا من يشبه جاهين». وقد أثبت نبوغه بعد ذلك كما يقول جار النبى الحلو من مجرد شاب بسيط يعمل فى المحلة كان يمكنه أن يصبح مثل غيره الكثيرين فى المدينة العمالية الكبيرة، لكنه واصل تعليمه، ونبغ من خلال أبحاثه وكتاباته الفكرية التى أكسبته شهرة عالمية. أما الشاعر وكاتب المسرح فريد أبوسعدة، فقال إن أبوزيد كان يؤسس للوجود والاستقرار بشكل كامل ونهائى فى بلده مصر، وكانت محاضراته فى جامعة الإسكندرية فى الفترة الأخيرة تشى برغبته فى الاستقرار ولو بشكل تدريجى وإن كان مازال متخوفا، وتذكر المرة الأخيرة التى التقى فيها نصر حامد أبوزيد عددا من أفراد «شلة المحلة» وكان ذلك قبل نحو عام فى مكتب الدكتور جابر عصفور بالمركز القومى للترجمة، واعتبر أبوسعدة أن الظروف الصحية التى ألمت بالفقيد كانت أشبه بالمفاجأة أكثر من كونها مرضا حقيقيا، ولفت إلى أنه كان فيروسا غامضا حمله أثناء عودته من إندونيسيا ولم يتم علاجه بالمصل المناسب، ولفت فى تأثر شديد «أعتقد أننا خسرنا مفكرا مستنيرا كبيرا، وأنا أفتقده جدا، وسيفتقده تلاميذه كثيرا، وأتمنى أن تلتفت الدولة فى هذه المناسبة إلى التصدى للتيارات الظلامية مادامت أنها تدعى أنها دولة مدنية». ولم يكن جار النبى الحلو على يقين من نوايا أبوزيد فى المرحلة الأخيرة، لكنه أكد أنه من المنطقى أن العودة والاستقرار فى مصر كانت حلما صعب تحقيقه «لكنه حين مرض، مرض فى مصر ودخل العناية المركزة فى بلده، فنصر كان من المؤكد يتمنى أن يكون فى مصر لولا أنه خرج عنوة من وسط أرضه ومن وسط محبيه».