دائما عندما أستمع إلى رائعة الراحلة أم كلثوم «الأطلال»، أتوقف أمام جملتها الأخيرة التى تشدو فيها: «لا تقل شئنا.. فإن الحظ شاء»! لأجدنى أرددها معها: «لا تقل شئنا.. فإن الحق شاء»! لأن كل شىء بما فيه الحظ وراءه قضاء وقدر.. والمشيئة الإلهية دائما وراءها حكمة، أحيانا واضحة نفهمها، وأحيانا أخرى لا نفهمها، لكن علينا قبولها. وملحمة غانا وأوروجواى التى تشبه فى مجملها أساطير الإغريق، وراءها حكمة إلهية لم أفهمها، فلو كان نصيب غانا الخروج وأوروجواى التأهل، فلماذا العذاب والمعاناة؟.. لماذا جاءت ضربة جزاء الدقيقة 121؟.. لماذا لم نصل مباشرة إلى ركلات الترجيح؟.. لماذا كتب على أنصار غانا أن يموتوا من الفرح ويموت أنصار أوروجواى من الحسرة، قبل أن ينعكس الوضع فيموت الغانيون بعد أن ظنوا أن الحياة كتبت لهم، بينما يولد الأوروجوانيون من رحم الموت؟! ومع التسليم بالقضاء والقدر وحكمهما، فإن النجم الغانى جيان أعطانا درسا مهما فى الحياة، ربما تكمن الحكمة الإلهية وراءه.. سدد ركلتى جزاء.. واحدة لم يتقنها وأهدرها وكانت تعنى كل شىء.. والأخرى أتقنها وسجلها، لكنها فى النهاية، لا شىء!! لو نجحت غانا فى العبور إلى الدور قبل النهائى، لكانت غطاء كبيرا لفشل أفريقى ذريع فى مونديال القارة السمراء! ستة فرق شاركت، خرجت خمسة منها من الدور الأول، وثلاثة من الخمسة تتذيل مجموعاتها.. ولأول مرة عبر تاريخ بطولات كأس العالم الطويل، يخرج منتخب البلد المنظم من الدور الأول! بعد شهرين من الآن.. تمر 20 عاما بالتمام والكمال على رحلة برية قطعتها من العاصمة التوجولية لومى إلى أكرا عاصمة غانا.. كانت الحافلة تقطع بنا الطريق الطويل، وصوت منتظم صادر عن تهالك أحد إطاراتها أو ربما لتهالك الطريق ذاته.. صوت ما زال يدق على اذنى وكأننى ما زلت راكبا فوق الإطار ذاته! ومع ذلك الصوت، لم أنس أبدا هذه الصورة التى رأيتها على الطريق الذى تحيطه تربة حمراء مغروسة فيها شجيرات خضراء.. الصورة لأطلال مصنع ضخم، توقف وهو تحت الإنشاء.. مساحتة كبيرة خصصتها الحكومة التوجولية حينئذ لاثنين من المستثمرين الأجانب لانشاء مصنع للأسمنت.. وبعد بدء عمليات البناء.. اكتشفت الحكومة أنها وقعت ضحية عملية نصب شارك فيها بعض أعضائها.. فالمعدات التى وصلت كانت لعصر وتعبئة البرتقال!! وفى نيجيريا وقبل 11 عاما إبان عهد الديكتاتورر العسكرى سانى أباشا رأيت كيف كان الجيش يتقاضى رواتبه من الشعب مباشرة! فقد سمح أباشا لقادة الجيش بالحصول على رواتبهم من عامة الناس، بعد أن عجزت عن ذلك وزارة المالية.. فكان كل ضابط يصطحب معه بضعة جنود، ليحتلوا أحد مداخل طرق العاصمة لاجوس وجسورها، فى شبه حملات رسمية يستوقفون فيها السيارات والمارة ويستولون على ما معهم من أموال وساعات وغيره!.. رأيت هذا فى نيجيريا أحد البلدان الكبيرة المصدرة للنفط!! وفى تشاد وقبل عشرين عاما.. لم يكن هناك طريق أسفلتى فى البلاد، سوى طريق وحيد، يمتد من مطار العاصمة نجامينا إلى قصر الرئيس حسين حبرى.. لم تكن هناك بالطبع إشارات مرور ولا حتى محطات وقود للسيارات.. وكم كنت مذهولا وأنا أرى قائدى السيارات يملأون خزانات سياراتهم بالبنزين من برطمانات كبيرة تبيعها سيدات يجلسن على قارعة الطريق. كل ما أرويه رأيته بأم عينى.. ومن المؤكد أن ما لم أره أشنع وأفظع! فأفريقيا قارة راحت ضحية لاستعباد واستعمار الرجل الأبيض.. وكم من بلدان أوروبا التى تنعم اليوم بالرفاهية بنت مجتمعاتها بنهب ثروات القارة السمراء! فى ظل النزاعات السياسية والعرقية والأوضاع الاقتصادية الصعبة فى معظم بلدان القارة وتحت وطأة حصار المرض والجهل والفقر.. فمن الصعب أن تقوم قائمة لثانى أكبر قارات العالم! وسط كل هذا السواد.. تبقى كرة القدم هى المجال الوحيد الذى يمكن لأفريقيا أن تقارع فيه العالم اليوم! على الاتحاد الأفريقى أن يستفيق.. ويدرك أن دوره ليس فقط تنظيم كأس الأمم أو دورى الأبطال، وكأس الكونفيدرالية.. عليه مصارحة النفس والاعتراف بالفشل وعدم التوارى خلف منتخب وحيد شق طريقه بجهد لاعبيه إلى دور الثمانية. الاتحاد الأفريقى لم يكتسب مكانته ولم يلمع صورته إلا من خلال نجوم القارة ومواهبها التى تتألق فى أوروبا.. عليه الآن أن يعمل كما تعمل بقية الاتحادات القارية الأخرى من أجل تطوير اللعبة.. إلى متى سيبقى متكئا على محاولات محدودة لكسر قيود الواقع المرير قادها ميلا ويكينى وأموكاتشى وضيوف وجيان؟! لا أحد ينكر ما قدمه عيسى حياتى عند توليه قيادة السفينة الأفريقية عام 1988.. لكن لا أحد يراه الآن يفعل شيئا لا هو ولا طاقمه! فى 2009 حصل حياتو على ولاية سادسة تنتهى فى 2013.. لكن أفريقيا السوداء فى حاجة إلى أحلام بيضاء ولا أظن أن حياتو قادر على تحقيقها.. بعد أن تحول إلى عيسى أباشا!! [email protected]