كان الجو لطيفا، مناخيا وقلبيا. واضح أن شيئا ما تغير فى مواقف البابا التقليدية فى مثل هذا المقام. كان ينصت، لا يتكلم فحسب. وكانت النتيجة التى تم التوصل إليها أبعد بكثير من أى تصور.. توجه يوم الاثنين الثلاثاء 30 نوفمبر 1982 أمين فخرى عبدالنور، والقس صموئيل حبيب، وأمين فهيم رئيس جمعية الصعيد القبطية، فى مهمة تم تحديد معالمها مسبقا فى الاجتماع الذى تم فى منزل ميريت غالى بحضور جورج بباوى، ويوحنا الراهب. السطور السابقة جزء من تقرير موجز عن جلسة تفاوض تمت فى دير الأنبا بيشوى بين الثلاثى عبدالنور وحبيب وفهيم، وقداسة البابا شنودة الثالث. امتد لثلاث ساعات وعشرين دقيقة. جلسوا معه على الأرض، فى الحقول، بعد أن اقتطفوا البرتقال. ينوه التقرير أن مسعى المجموعة تم بعد أخذ تصاريح من جهات سيادية والتى أبدت اندهاشها من تشكيل الوفد المفاوض وتنوعه، وأنهم سيقابلون وزير الداخلية حتى يحيطوه علما بما تم، لاسيما إذا كانت الزيارة إيجابية. كان مدخل المجموعة فى الحوار كما تؤكد الورقة فكرتين: الأولى «أنت دخلت التاريخ يا سيدنا، والتاريخ يسجل الآن كيف ستعمل على إنقاذ الكنيسة وتساهم فى إنقاذ البلد». والثانية «المخطط الصهيونى وعلاقته المباشرة بالموقف وبسمعة البابا». أبانا الذى تغير وقد توصل المفاوضون مع البابا على ما يلى: «استنكار المخطط الاسرائيلى من الكنائس فى مصر خلال اجتماع يحضره رؤساء الكنيسة برياسة قداسة البابا شنودة». مع تحرك وفد من الرياسات الدينية إلى رئاسة الجمهورية، وتأكيد أن الكنائس تضع يدها مع الرئيس لمواجهة هذا المخطط. أن يجتمع قداسته مع المجمع المقدس لتأسيس لجنة مكونة من مطارنة، وكهنة، وعلمانيين (13 عضوا) من الذين لهم دراية بالأمور العامة، لتعاون قداسة البابا فى الشئون العامة، بشرط أن المجمع يقر المبدأ ولا يختار الأشخاص. «تعرض الأسماء على الحكومة حتى يتم تعيين من لا تعترض الدولة عليهم».. بهدف «أن تسود حسن النية بين الدولة والكنيسة، ومن أجل إراحة النفوس، وعدم وجود ما قد يثير مستقبلا. تشير الورقة أن ما فات من كلمات هى للبابا نفسه.. الذى أبدى موافقة على التشاور حول عمل اللجنة. كما أشارت الورقة إلى تعيين أربعة من الأساقفة لأقباط المهجر، وفى حالة أساقفة المهجر تعرض أسماء المرشحين على الحكومة قبل انعقاد المجمع المقدس، بحيث لا يعين للمهجر أسقف تبدى الحكومة عدم ارتياحها لاختياره، وتم التوافق على ذلك بحيث يصدر قرار جمهورى بالموفقة على قرارات المجمع المقدس من حيث إنشاء اللجنة وتعيين أساقفة المهجر «ويتضمن هذا القرار الجمهورى بالطبع، وكنتيجة له، إلغاء قرار 5 سبتمبر 1981». أما فيما يتعلق بأقباط المهجر فقد أوضحت الورقة أن قداسته يرحب بأن تقوم مجموعة متخصصة ويكون هو من ضمنها لتنفيذ مخطط «يرمى إلى مكافحة الأفكار الخاطئة التى تنشرها بعض جمعيات الأقباط فى المهجر، وإلى بناء الثقة بين المسلمين والمسيحيين من ناحية، وتجاه القائمين على شئون الدولة من ناحية أخرى». «وإن كان بعد كل ذلك، هناك حرج للدولة فى الظروف الحالية خروج البابا من الدير، فهو مستعد لأن يقيم فيه ويباشر مهامه منه كمقر مؤقت للبطريركية «وشددت الورقة على عودة البابا للتشاور مع جميع المسئولين عن الكنائس الكاثوليكية، والإنجيلية، فيما يتعلق بتصريف الأمور العامة الخاصة بالمسيحيين». وتجزم الورقة: «الخلاصة: البابا غير من موقفه، مدركا لخطورة الموقف من جوانب مختلفة، وهو مستعد الآن لقبول حلول ما كان ليقبلها فى الماضى». إلى بيت ميريت ثانية ثم اجتمعت المجموعة فى نفس اليوم الاثنين 30 نوفمبر فى منزل ميريت غالى، وجورج بباوى ويوحنا الراهب لمناقشة نتائج التفاوض، «كما تمت استشارة نيافة الأنبا اثناسيوس.. وانتهت اللجنة إلى الآتى لعرضه على وزير الداخلية فى أول ديسمبر من نفس العام: «إن تم تنفيذ المقترحات أعلاه دون إجراء آخر قبل ذلك، فسيظن كثيرون (البابا وبعض المطارنة وبعض أقباط المهجر) أن قداسة البابا انتصر على الحكومة بفضل صموده والضغوط المختلفة التى تمارس على الحكومة. كما أنه ليست هناك ضمانات كافية تجعلنا نطمئن أن البابا لن يغير سياسته بعد عام أو بضعة أشهر». «لذلك ينبغى أن يتخذ آباء المجمع المقدس موقفا واضحا قبل البدء فى تنفيذ الاقتراحات السابقة إن وافقت الحكومة، والاقتراح يتلخص فى أن يستدعى وزير الداخلية بعض المطارنة المتشددين بالإضافة إلى نيافة الأنبا أثناسيوس والأنبا يؤانس (سكرتير المجمع المقدس) عضوى اللجنة البابوية. والمطارنة المقترح استدعاؤهم وهم أصحاب النيافة: الأنبا دوماديوس (الجيزة)، الأنبا باكوبوس (الزقازيق)، الأنبا ارسانيوس (المنيا)، الأنبا أغاثون (الاسماعيلية)، الأنبا فيلبس (المنصورة) أو استدعاء بعضهم». «كما نقترح أن يوجه لهم سيادة وزير الداخلية كلاما حازما فيما يتعلق بالمواقف السابقة التى اتخذها بعض اعضاء المجمع المقدس وبعض أقباط المهجر، الأمر الذى لا يشجع الحكومة إطلاقا على الاستماع إلى مساعى الخير التى يقوم بها بعض المسئولين المسيحيين بإخلاص وجدية». شجب التشدد «ثم ينتهى الأمر إلى أن يقترح سيادة الوزير على الموجودين، خاصة الأنبا أثناسيوس، إعداد بيان يوقع عليه جميع آباء المجمع المقدس فى أقرب فرصة بشجب الخط الذى كان يتبعه البعض، وهو الانحراف غير المقبول الذى حدث فى الداخل والخارج، بما فى ذلك ترويج شائعات لا تمت إلى الحقيقة بصلة. كما ينبغى أن يتضمن البيان إحالة إلى قرار 5 سبتمبر 1981 تشير إلى فهم أسبابه وتقدير أعضاء المجمع المقدس كلهم إلى ظروف البلاد». «بعد صدور البيان، تقوم لجنة مؤقتة بدراسة كيفية تنفيذ الحلول التى سيتفق عليها، وينضم إليها رسميا ممثل أو اثنان من الحكومة وهذه اللجنة مكونة من الآتى ذكرهم مع حفظ الألقاب» من الكنيسة القبطية الارثوذكسية: الأنبا اثناسيوس، الأنبا يؤانس، الأنبا باخوميوس (وهم من اللجنة البابوية) والأنبا دوماديوس، وميريت غالى، أمين فخرى عبدالنور، جورج بباوى، ويوحنا الراهب، وكمال هنرى ابادير، وادوار ميخائيل. ومن الكنيسة الإنجيلية: القس صموئيل حبيب. من الكنيسة الكاثوليكية: أمين فهيم. وخبير: وليم سليمان. قرار بإعادة تعيين بقى أن نشير إلى أنه فى تلك الآونة صدر حكم عن القضاء الإدارى برفض الدعوى بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بعودة البابا شنودة إلى ممارسة صلاحياته، وعزل البابا من المسائل التى حدث حولها جدل كبير.. فالسلطة لا تملك التعيين أو الفصل، وقرار رئيس الجمهورية هنا ليس منشئا إنما كاشف. وعلى هذا الأساس دارت مفاوضات أخرى حول كيف يعود البابا.. هل يباشر مهامه بشكل تلقائى أم يلغى القرار؟.. وكان القرار: يعاد تعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريك الكرازة المرقسية فى 3 يناير 1985.