شُيّعت جنازة المخرج الكبير داوود عبد السيد، منذ قليل، إلى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة، حيث أُقيمت صلاة الجنازة بحضور محدود اقتصر على أفراد أسرته وعدد من محبيه وتلاميذه، في وداع هادئ يليق بطبيعة المخرج الذي لطالما اختار أن يكون صوته خافتًا، لكن أثره الفني كان عميقًا وباقيًا. وشهدت الكنيسة حضور عدد من الفنانين والمثقفين وصُنّاع السينما، بينهم محمود حميدة، محمود سعد، إلهام شاهين، وليلى علوي، في لحظة إنسانية مؤثرة غلب عليها الصمت والتأمل، وكأن الحاضرين يودّعون مرحلة كاملة من تاريخ السينما المصرية وليس مجرد شخص. يعد داوود عبد السيد من المخرجين القلائل الذين امتلكوا مشروعًا فنيًا متكاملًا، يركز على طرح الأسئلة الإنسانية والوجودية، واستكشاف أعماق النفس والمجتمع، بعيدًا عن القوالب التجارية، حيث كانت أفلامه ليست مجرد حكايات، بل تجارب فكرية وبصرية تحفّز المشاهد على التفكير وترك مساحة للتأويل. خلال مسيرته الطويلة، قدّم عبد السيد أعمالًا خالدة مثل: «الصعاليك»، «البحث عن سيد مرزوق»، «الكيت كات»، «أرض الخوف»، «أرض الأحلام»، «مواطن ومخبر وحرامي»، «سارق الفرح»، «رسائل البحر»، و«قدرات غير عادية». وتميزت أفلامه بالنصوص العميقة والشخصيات المركبة والرمزية المفتوحة، بالإضافة إلى جرأتها في تناول قضايا الإنسان والسلطة والحرية والاغتراب. وكان حريصًا على الجمع بين الكتابة والإخراج، مؤمنًا بأن السينما رؤية متكاملة، وهو ما أكسبه تقدير النقاد رغم أن أعماله لم تكن دائمًا الأكثر تحقيقًا للإيرادات. وكانت الصحفية كريمة كمال، زوجة المخرج، قد أعلنت عن وفاته عبر حسابها على فيسبوك، قائلة: "رحل اليوم أغلى ما عندي، زوجي وحبيبي داوود عبد السيد". ومع رحيله، تفقد السينما المصرية واحدًا من أكثر مخرجيها خصوصية وصدقًا، ممن آمنوا بأن الفن وسيلة لطرح الأسئلة وكشف التناقضات، ومرآة تعكس قلق الإنسان وأسئلته الكبرى.