كتب ستيفن والت فى مجلة السياسة الخارجية، التى تصدر فى واشنطنبالولاياتالمتحدة أنه فى مايو 1967، قررت الحكومة المصرية بقيادة جمال عبدالناصر إغلاق مضايق تيران، وقطع طريق الملاحة الإسرائيلية فى ميناء العقبة. وتجاوز هذا التحرك «خطا أحمر» بالنسبة لإسرائيل، ومثَّل خطوة تصعيدية كبيرة فى الأزمة، التى أدت إلى حرب الأيام الستة. بحث الرئيس ليندون جونسون إرسال سفن حربية أمريكية أو ما يشبه الأسطول الحربى لتحدى الإغلاق ونزع فتيل الأزمة. لكن على الرغم من أن الولاياتالمتحدة كانت قد قدمت لإسرائيل تطمينات معينة بشأن حماية حرية الملاحة فى المضايق، فقد امتنع جونسون فى نهاية المطاف عن اتخاذ قرار حاسم للدفاع عن حقوق إسرائيل فى الملاحة. إذ كانت الولاياتالمتحدة غارقة بالفعل فى مستنقع فيتنام، وخشى جونسون من التورط فى نزاع مشتعل آخر. ومن ثم تردد، واختارت إسرائيل فى نهاية المطاف أن تخوض الحرب. وأضاف أنه لو استخدم جونسون قوات البحرية فى تحدى الإغلاق، ربما لم تكن حرب الأيام الستة لتحدث. ولم تكن مصر لتجرؤ على تحدى السفن الحربية الأمريكية بالطبع. وكان إرسال أسطول أمريكى لكسر الإغلاق سيعطى ناصر سبيلا للتراجع مع حفظ ماء وجهه (بمعنى أنه كان سيتراجع أمام قوة عظمى، وليس إسرائيل). ولو تم تفادى حرب الأيام الستة، ربما لم يكن العديد من المشكلات، التى تواجهنا الآن لتنشأ، بما فى ذلك الاحتلال المفجع للضفة الغربية. هذا الفشل السابق دفع الكاتب إلى التفكير: لماذا لم تستخدم الولاياتالمتحدة قوتها الضخمة لرفع الحصار عن غزة بصورة منفردة؟ من الواضح أن الحصار على غزة يسبب معاناة إنسانية هائلة، ويجعل كلا من الولاياتالمتحدة وإسرائيل تبدو رهيبة فى أعين بقية العالم. وقد فشلت الولاياتالمتحدة أيضا فى تحقيق أى هدف سياسى، كهزيمة حماس مثلا. لذلك، لماذا لا تواجه الأمر مباشرة وتنظم أسطول إغاثة من تلقاء نفسها، وتستخدم البحرية الأمريكية لمرافقة السفن إلى غزة؟ وأراهن أننا يمكن أن نجد حلفاء من الناتو يساعدوننا أيضا، وإذا كان المال هو المشكلة، يمكننا أن نجعل أعضاء من الاتحاد الأوروبى أو الدول الاسكندنافية يساعدون فى تمويل إمدادات الإغاثة. وعلى نحو ما، لا أعتقد أن الجيش الإسرائيلى سيحاول منعنا أو يداهم أيا من السفن. تبدو مزايا هذا التحرك واضحة. فالولاياتالمتحدة تبدو عاجزة ومنافقة منذ خطاب القاهرة قبل عام، وبدأ الكثير من الناس فى العالم العربى والإسلامى يرون فى باراك أوباما مجرد نسخة معسولة اللسان من جورج دبليو بوش. ومن خلال اتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف معاناة الفلسطينيين، يمكن أن يُظهر أوباما للعالم أن الولاياتالمتحدة ليست مستعبدة من قبل إسرائيل أو جماعات الضغط المتشددة الموالية لها هنا فى الولاياتالمتحدة. ويتساءل الكاتب: ما الطريقة الأفضل لتشويه سمعة أعمال الإرهابيين مثل أسامة بن لادن، الذين يتهموننا دائما بعدم الاكتراث بمعاناة المسلمين؟ سوف تحقق صور الأفراد الأمريكيين، الذين يفرغون شحنات مواد الإغاثة نجاحا كبيرا فى إصلاح صورتنا المشوهة فى هذا الجزء من العالم. ولنتذكر جسر برلين الجوى، أو عملياتنا للإغاثة فى إندونيسيا عقب تسونامى آسيا. ففعل الخير من أجل الآخرين يمكن أن يكسبنا الكثير من النوايا الحسنة. وثانيا، سوف يؤدى تولى الولاياتالمتحدة والناتو مسئولية عملية إغاثة إلى تخفيف مخاوف إسرائيل الأمنية. فالحكومة الإسرائيلية تزعم أن الحصار ضرورى لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. وهذا بالطبع قلق مشروع، ولكن إذا تولت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها نقل المساعدات، يمكننا حينئذ تحديد ما الذى يجرى على ظهر السفن، ومن الواضح أننا لن ننقل أسلحة. وأضاف لكن: ألن يسفر توصيل المعونات إلى غزة عن تعزيز قوة حماس؟ لن يحدث ذلك إذا كانت المساعدات سوف توزع عبر الأممالمتحدة أو غيرها من هيئات الإغاثة المستقلة. وربما تصل بعض هذه المساعدات إلى أيدى حماس على نحو غير مباشر، ولكن أغلبها لن يصل إليهم، كما أن تخفيض مستوى الحرمان والمعاناة من شأنه تقليص النفوذ، الذى تكتسبه حماس من تقديمها للخدمات الاجتماعية. صحيح أن عملية إغاثة من هذا النوع ربما تتطلب من بعض المسئولين الأمريكيين إجراء تعاملات قليلة مع حماس، غير أن هذا سيكون أمرا جيدا بالفعل. فإذا كانت الأممالمتحدة جادة حقا بشأن حل دولتين حقيقى، فسيكون عليها أن تشرك حماس فى العملية السياسية عاجلا أم آجلا، وهى وسيلة للبداية ليست بذات أهمية ولا ملزمة. وعندها، يمكننا أن نطلب منهم الاهتمام بإصلاح ميثاقهم، وإبداء لفتة إنسانية أو أكثر من جانبهم، كإطلاق سراح الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، مثلا. وباختصار، يوضح الكاتب أنه من الممكن أن يصبح استخدام القوة الأمريكية لإنهاء الحصار على غزة مكسبا لجميع الأطراف. فسوف توضح الولاياتالمتحدة (وأوباما شخصيا) أننا نسعى بالفعل إلى «بداية جديدة» فى الشرق الأوسط، ونصحح الانطباع المتمثل فى أن خطاب القاهرة لم يكن سوى الكثير من الهراء الأنيق. كما سيتم بحث المخاوف الأمنية الإسرائيلية، فتبدو مرنة ومنطقية، كما سنقدم لنتنياهو طريقة سهلة لتخليص نفسه من موقف لا يمكن الدفاع عنه. (فكونه يرفع الحصار من تلقاء نفسه شىء، وأن يفعل ذلك بناء على توصية من واشنطن شىء آخر تماما)، وبطبيعة الحال سوف تخف كثيرا المتاعب، التى يعانيها سكان غزة منذ مدة، الأمر الذى يجعلنا جميعا نحس بشعور أفضل. فى النهاية، يقول الكاتب إنه كلما فكر فى هذه المقاربة بدت له أكثر جاذبية. فهى لا تحتاج سوى إدارة مستعدة للقيام بتحرك جرىء لتصويب وضع يثير غضبا إنسانيا ويمثل تهديدا متزايدا للسلم الإقليمى. وربما يعنى ذلك انعدام فرص تبنى هذه المقاربة. نقلا عن مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy Magazine