مع اقتراب موسم الأعياد، عادة ما تزداد اللقاءات العائلية ومع الأصدقاء، إلا أن هذه الفترة قد تتحول للبعض إلى عبء نفسي، إذ تتفاقم مشاعر الوحدة والعزلة، لا سيما لدى من يعيشون بعيدًا عن أسرهم، أو يعانون من علاقات مضطربة، أو فقدوا أحبائهم أو يواجهون انعزالًا اجتماعيًا مزمنًا، وفقًا لما نشرته مجلة «التايم» الأمريكية. وأظهرت تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لعام 2025، أن نحو 14% من الأشخاص في بعض الدول يشعرون بالوحدة معظم الوقت، في ظل انخفاض مستمر في التفاعل المباشر مع الأصدقاء والعائلة على مدار السنوات الماضية. وفي الولاياتالمتحدة، وجدت الجمعية الأمريكية للطب النفسي، أن نصف البالغين تظهر عليهم علامات الوحدة، بما في ذلك الانعزال العاطفي والشعور بعدم التواصل مع الآخرين. ووفقًا لما نشرته مجلة «التايم» الأمريكية، أوضحت الدكتورة لين بوفكا، رئيس قسم الممارسة في الجمعية الأمريكية للطب النفسي، أن الأعياد عادةً ما ترفع الشعور بالوحدة بسبب توقعاتنا لما يجب أن تكون عليه الحياة، قائلة: «عندما لا تتطابق هذه التوقعات مع الواقع، يزداد الإحساس بالعزلة». وأضافت بوفكا، أن بعض الأشخاص يعانون من شعور «الوحدة الوجودية»، وهو شعور بالانفصال عن العالم بغض النظر عن مستوى التفاعل الاجتماعي المحيط بهم. وبحسب ريتشارد فايسبورد، محاضر بجامعة هارفارد، فإن الوحدة لا تقتصر على العزلة الاجتماعية فقط، بل تشمل شعورًا بعدم القيمة الذاتية والانفصال عن المعنى الشخصي. وأشار إلى أن بعض الناس، رغم تواجدهم وسط الآخرين، يشعرون بأن لا أحد يفهمهم أو يراهم بالفعل، وهو ما يزيد الإحساس بالوحدة خلال الأعياد. - ما هي العوامل التي تزيد شعور الوحدة؟ أوضحت جيلان كورنماير، المديرة التنفيذية لمؤسسة الاتصال الاجتماعي، أن هناك عدة عوامل قد تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للشعور بالوحدة خلال العطلات هي: العيش بمفردهم أو عدم الزواج. الضغوط المالية، مثل البطالة أو الدخل المحدود، التي تزيد من شعور الانعزال. - كيف يتغلب الإنسان على الوحدة؟ ونقلت مجلة «التايم» الأمريكية عن خبراء للصحة النفسية، أن هناك طرقًا متعددة للتخفيف من الشعور بالوحدة خلال الأعياد، تتراوح بين الأنشطة الاجتماعية والتفاعل الفني والروحي: 1. عليك الانخراط في مجموعات لها اهتمامات مشتركة، مثل نوادي القراءة أو الرياضة أو التطوع، يخفف من شعور الانعزال ويعزز الشعور بالانتماء، حتى المشاركة في مجموعات افتراضية عبر الإنترنت مع أشخاص يشاركونك اهتماماتك يمكن أن تكون مفيدة إذا لم تتوفر لقاءات مباشرة. 2. العمل التطوعي في دور الرعاية، والمطابخ المجتمعية، أو مراكز الأطفال حديثي الولادة يمنح شعورًا بالقيمة والجدوى، ويخفف من شعور الوحدة والعزلة، كما يتيح التواصل مع الآخرين بطريقة غير متكلفة عاطفيًا، ويخلق إحساسًا بالمساهمة في المجتمع. 3. الانغماس في الموسيقى، والأدب، والسينما، أو الفن التشكيلي يمكن أن يكون وسيلة فعالة للتخفيف من الوحدة، حيث يمنح الفرد شعورًا بالاتصال بالتجربة الإنسانية المشتركة. ووفقًا لجيريمي نوبل، مؤلف مشروع UnLonely وأستاذ بجامعة هارفارد، تساعد الفنون على معالجة ما يسميه «الوحدة الروحية» أو الشعور بالانفصال عن العالم بطريقة علاجية وعميقة. 4. زيارة أماكن هادئة وجميلة، مثل الشواطئ، والحدائق، أو الغابات، تساعد على الشعور بالاتصال بشيء أكبر من الذات، وتخفف من الإحساس بالانعزال. 5. تقليل وقت وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الإفراط في متابعة ما يفعله الآخرون قد يزيد شعور الوحدة والقلق، لذلك يُنصح بتقليل وقت الشاشة والتركيز على الأنشطة الواقعية والمباشرة. توجيهات الخبراء وقال الخبراء، إن الشعور بالوحدة هو إشارة بيولوجية طبيعية تُظهر حاجة الإنسان للتواصل الاجتماعي، والاعتراف بهذه المشاعر وعدم الشعور بالذنب تجاهها يُعد خطوة مهمة للتعامل معها بفعالية. وشدد الخبراء، على أن معالجة الوحدة تتطلب أحيانًا مزيجًا من الحلول الفورية والطويلة الأمد، مثل تحسين العلاقات الاجتماعية الحالية وإصلاح العلاقات المضطربة عند الإمكان. في النهاية، الأعياد ليست بالضرورة فترة فرح مطلق، لكنها فرصة لمراجعة علاقاتنا الاجتماعية وإيجاد طرق صحية للتواصل، حتى وإن كان ذلك عبر الفنون أو الطبيعة أو أعمال الخير. فالتعامل الواعي مع الوحدة يمكن أن يحول العطلة من عبء نفسي إلى تجربة إنسانية غنية، تعزز من شعور الفرد بالانتماء والقيمة الذاتية.