البريد المصري يستضيف ورشة عمل "نظم وأدوات تكنولوجيا المعلومات"    واشنطن تهدد الاتحاد الأوروبي بالرد على قيود الشركات الأمريكية    هطول أمطار بكفر الشيخ واستمرار إعلان حالة الطوارئ... مباشر    أمريكا: هزة أرضية بقوة 5 درجات تضرب ألاسكا    مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله بهدوء: الطلاق تم بالتراضي والمودة مستمرة من أجل الأبناء    في غياب مرموش، مانشستر سيتي يواجه برينتفورد في ربع نهائي كأس الرابطة الليلة    محمد رمضان: أمتلك أدلة تثبت أحقيتي بلقب «نمبر وان»    محمد علي السيد يكتب: عن العشاق.. سألوني؟!    هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على «كراسنودار» الروسية يتسبب في انقطاع الكهرباء    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بحلوان    حبس المتهمين باستغلال نادى صحى لممارسة الرذيلة بالقاهرة    مسئولو "الإسكان" يُشاركون بجلسات نقاشية بالمنتدى الوزارى العربي السادس للإسكان والتنمية الحضرية بقطر    وزير الاتصالات: تأهيل الشباب للعمل كمهنيين مستقلين يساعد فى توسيع نطاق سوق العمل وخلق فرص عمل لا ترتبط بالحدود الجغرافية    إنطلاق المهرجان الشبابي الرياضي للتوعية بالأنشطة المالية غير المصرفية    سيد محمود ل«الشروق»: رواية «عسل السنيورة» تدافع عن الحداثة وتضيء مناطق معتمة في تاريخنا    حالة من الغضب داخل مانشستر يونايتد بشأن رفض المغرب مشاركة مزراوي مع الفريق    إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي لعام 2025    38 مرشحًا على 19 مقعدًا في جولة الإعادة بالشرقية    «ترامب» يعلن تعزيز الأسطول حول فنزويلا لحماية المصالح الأمريكية    مصرع شاب داخل مصحة علاج الإدمان بالعجوزة    ضياء رشوان عن اغتيال رائد سعد: ماذا لو اغتالت حماس مسئول التسليح الإسرائيلي؟    حملة تشويه الإخوان وربطها بغزة .. ناشطون يكشفون تسريبا للباز :"قولوا إنهم أخدوا مساعدات غزة"    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    الأزمات تتوالى على القلعة البيضاء، الأوقاف تهدد بسحب جزء من أرض نادي الزمالك بميت عقبة    رئيس محكمة النقض يترأس لجنة المناقشة والحكم على رسالة دكتوراه بحقوق المنصورة    أحمد مراد عن فيلم «الست»: إحنا بنعمل أنسنة لأم كلثوم وده إحنا مطالبين بيه    نصائح تساعدك في التخلص من التوتر وتحسن المزاج    بعد العودة من الإصابة، رسالة مؤثرة من إمام عاشور تشعل مواقع التواصل عقب فوز مصر على نيجيريا    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    علقة ساخنة لفكهاني قبّل فتاة عنوة أثناء سيرها بالشارع في أكتوبر    خطأ بالجريدة الرسمية يطيح بمسؤولين، قرارات عراقية عاجلة بعد أزمة تجميد أموال حزب الله والحوثيين    «كان مجرد حادث» لجعفر بناهي في القائمة المختصرة لأوسكار أفضل فيلم دولي    الإعلان عن إطلاق منصة رقمية للتمويل الإسلامي خلال منتدى البركة الإقليمي    مسؤول إيرانى سابق من داخل السجن: بإمكان الشعب إنهاء الدولة الدينية في إيران    فيفا يكشف تفاصيل تصويت العرب فى «ذا بيست» 2025    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الحكومة هدفها خفض الدين العام والخارجى    ترامب يعلن أنه سيوجه خطابا هاما للشعب الأمريكي مساء غد الأربعاء    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    اتحاد الكرة: نهدف لتتويج مصر بكأس أفريقيا    جزار يقتل عامل طعنا بسلاح أبيض لخلافات بينهما فى بولاق الدكرور    ضياء رشوان: ترامب غاضب من نتنياهو ويصفه ب المنبوذ    تفاصيل مداهمة مجزر «بير سلم» ليلاً وضبط 3 أطنان دواجن فاسدة بالغربية    "الصحة": بروتوكول جديد يضمن استدامة تمويل مبادرة القضاء على قوائم الانتظار لمدة 3 سنوات    نائب وزير الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة خطر على الأم والطفل    خبير تشريعات اقتصادية: زيادة حد إعفاء السكن من الضريبة خطوة مهمة لتخفيف الأعباء    تفاصيل خاصة بأسعار الفائدة وشهادات الادخار فى مصر    شيخ الأزهر يستقبل مدير كلية الدفاع الوطني ويتفقان على تعزيز التعاون المشترك    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    مجلس النواب 2025.. محافظ كفر الشيخ يتابع جاهزية اللجان الانتخابية    السكرتير العام لبني سويف يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    المصريون بالأردن يواصلون الإدلاء بأصواتهم خلال اليوم الثاني لجولة الإعادة لانتخابات النواب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتابعان سير الدراسة بمدرسة الشهيد عمرو فريد    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشياء عاشت معنا ثم غابت وأشياء تستعد لتغيب
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 12 - 2025

أجابت: «صحيح تمامًا أنا كان عندى «الهون» يدًا وقاعدة من النحاس الخالص، وفى قائمة مفروشات زواجى كان موقعه فى المقدمة. عاش معى خمسين سنة، وأظن أنه لسه موجود فى مطبخ من مطابخ العائلة". كان سؤالى لشقيقتى الصغرى بين أسئلة أخرى عن أشيائنا التى رافقت مسيراتنا ثم غابت أو هى تستعد لتغيب. أظن أنه لم يوجد فى مطبخنا أو أى مطبخ على ما أذكر شيئًا أثقل وزنا ولا أغلى ثمنًا ولا مكروهًا عند كل الجيران، مثل «الهون».
• • •
كان فى مطبخ بيتنا الكائن بشارع سامى القريب من نواصى التقاء شارعى نوبار وخيرت دولاب سحرى سمعتهم يطلقون عليه اسم «النملية». كنت طفلًا يبدأ فضوله بأسئلة مستحيلة فتأتيه إجابات مدهشة. أذكر صباح يوم خصصوه لتنظيف المطبخ، رأيته على اتساعه مزدحمًا بلفائف وصحون مكشوفة وأخرى مغطاة ومعلبات كرتونية وزجاجية ونحاسية من كل حجم ونوع. أشياء عديدة وكأن أهل البيت اشتروا لتوهم محتويات محل جزارة ومحل بقالة ومحل حلوى ومحل عطارة وبهارات فى آن واحدة. سألت السؤال المستحيل فكانت الإجابة بنعم.. كلامك صحيح، ونستعد الآن لحشرها جميعها فى النملية.
سمعت فى النملية شعرًا. قيل فى الانبهار بها أنها إحدى عجائب فنون النجارة المصرية. شبابيكها الصغيرة تسمح بمرور الهواء اللازم لتهوية المأكولات وتمنع دخول الحشرات إلا أصغرها حجمًا وأقلها ضررًا، وهو النمل، حتى إنها سميت باسمه. يقال إنه لوجود النملية قطعة أساسية تأجل طويلًا تجهيز العرائس بثلاجات كهربية. جدير بالذكر أننى كنت أنا نفسى شاهدًا على اكتشاف لوح الثلج أو نصفه أو ربعه ينقله شاب فى مثل عمرى من عربة يقودها حمار ويصعد به، أقصد بالثلج، إلى حيث كانت شقتنا فى أعلى طابق.
• • •
كثيرًا ما فتحت الباب لمن راح يدق بإلحاح مؤدب لأجد أمامى السباك يطلب منى إبلاغ «الست هانم» أن السباك موجود بالعمارة اليوم لمن يحتاجه من السكان، وعادة ما كان يجد فعلًا من احتاجه. ففى كل بيت أكثر من وابور بريموس مواسيره محتاجة لنفخ، وأكتر من حنفية بلت جلدتها، التى هى سبب وجودها فبدونها صحيحة وثابتة فى مكانها لا تعمل الحنفية.
إن نسيت فلن أنسى رغبتى المتجددة دائمًا أن تطول إقامتى بالحمام ومعى الصوت الهادر الصادر عن البريموس. مرت سنوات قبل أن تصارحنى أمى بأنها كانت ترسل من يدق على باب الحمام ولا يتوقف عن الدق حتى يسمع صوتى. كانت تعرف أن البريموس يصدر غازًا مخدرًا يرتاح إليه مستخدم الوابور ويستحسنه. لم تكن تتركنى أرتاح مع هذا الغاز. تظل قريبة من الحمام تريد هى أو من تكلفه التأكد من سلامة أنفاسى وحواسى.
• • •
البريموس والكولينوس والتروماى والثورنيكروفت والكرافاتة والروبابيكيا، كلها ومئات من نوعها كانت كلمات نستخدمها فى خطابنا اليومى العادى. تركت كل هذا ورائى فى أول رحلة عمل لى بالخارج. كانت نيودلهى المحطة الأولى فى هذه الرحلة. انتظرتنى فى الشقة المفروشة مفاجآت. وجدت مع المفروشات البسيطة ثلاثة رجال مكلفين بالخدمة، أحدهم يكنس ويمسح، ولا يفعل شيئًا آخرًا. الثانى يغسل ويكوى ويرتب الفراش ولا يفعل شيئًا آخرًا. الثالث يعد الخضراوات للطبخ ويطبخ ولا يفعل شيئًا آخر.
كان يومًا مثيرًا، التقيت مقشة الأرز، وهى التى لا يكنس بغيرها «السويبر»، أقصد الكناس. والتقيت الهون وإيده، وكلاهما من الوزن الثقيل. التقيت أيضًا الفرن، لكنه ليس كفرن أمى الذى كان يستضيف بداخله اثنين من البريموس بل كفرن خالتى الواقع فى حوش بيتها الواسع، وكان يعمل بالخشب ومنتجات إيفورية أخرى.
خرجت واخترت وسط المدينة ساحة تعارف. هناك شاهدت كل أنواع البشر. رجل يحملق فى الشمس، سألت وجاءت الإجابة باردة وبالهدوء الممكن، نعم يحملق فى الشمس من الشروق وحتى الغروب. قابلت آخرًا من نفس ملته يمارس الصلاة نفسها على الرصيف الموصل إلى بيتى فى الحى الذى أقيم فيه. قابلت رجالًا حالقى الشعر، كل الشعر، يرتدون أردية صفراء ويحملون أوعية فخارية يشحذون بها عملة معدنية أو لقمة عيش. التقيت وجهًا لوجه بمجموعة خارجة لتوها من قاعات العمل، سمعت شذرات من حديث دائر بين عدد منهم. توقفت أمامهم لأستمع إلى أحلى إلقاء بلغة إنجليزية رائعة، لم يخل طبعا من لكنة هندية لا يلمحها إلا الباحث المدقق.
كان واجبا أن أنضم مع زملاء إلى حفل استقبال كبير يقيمه فى الهواء الطلق رجل أعمال معروف. شجعنى الزملاء فذهبت. هناك، واليوم من أيام أواخر الصيف الهندى الشهير، رحت أشكو فى الحفل الحر والعرق، سحبنى زميل من يدى ومشينا معًا فى اتجاه مروحة كهربية لم أقابل فى حجمها مروحة أخرى فى حياتى، تدور مصدرة صوتًا أشبه بصوت محركات الطائرات العملاقة، وأمامها على مائدة مرتفعة استلقى لوحان من الثلج، ومن حولهما اجتمع الضيوف فى مجموعات صغيرة مستمتعين بذرات الثلج الخفيفة.
• • •
عدت إلى الهند بعد عشرين سنة عضوًا فى مجموعة صحفية من الأهرام تمثل مركز الدراسات ويقودنا هيكل بصفته رئيسًا أعلى للمركز. دعتنا السيد إنديرا للالتقاء بها على جانب مؤتمر شعبى تتحدث فيه إلى حوالى مليون مواطن. جلسنا مثلها وإلى جانبها على الأرض نستمع إلى خطاب انتخابى بلغة هجين، أقصد الهندية مختلطة بالإنجليزية.
عن لى أن أسأل المرافق الهندى وكان من أشهر الدبلوماسيين الهنود، سألته عن التقدم الذى أحرزته حكومات حزب الكونجرس على صعيد وقف ممارسات التمييز الشرير بين الهنود على أساس الدور المقرر للمواطن فى المجتمع قبل أن يولد. أجاب بأنهم يحاولون إجبار الوزير المنتمى بالمولد لطبقة «السويبيز»، أقصد الكناسين، على الجلوس مع بقية الوزراء وبعضهم من طبقة «البراهمة»، وأكثر هؤلاء بالمناسبة هم من عائلات تمارس الطبخ كمهنة لا يمارسها إلا «المقدسون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.