صدر حديثًا كتاب «المذكرات الكاملة» للفيلسوف والروائى الفرنسى الراحل من أصل جزائرى، ألبير كامو، مترجمًا إلى الإنجليزية بواسطة المترجم رايان بلوم، الذى جمع خواطر وملاحظات «كامو» كاملة من عام 1935 حتى 1959، وقدم رؤية نادرة لعقلية «كامو» ووقائع كتابة رواياته الشهيرة؛ مثل «الغريب»، و«الطاعون» و«السقوط»، بعيدًا عن تفاصيل حياته الشخصية أو اليومية. وقد تم نشر الجزء الأول من مذكرات «كامو» عام 1963، بعد وفاته بثلاث سنوات، وحظى بمراجعتين متناقضتين للغاية؛ حيث أبدى الصحفى الأمريكى، إيه جيه ليبلينج، إعجابه بالمفكرات واصفًا إياها بأنها «ممتعة للغاية» وبكونها كتابًا يمكن العودة إليه فى أى صفحة تقريبًا مع ضمان الاستمتاع، وفى المقابل، اعتبرت الناقدة الأدبية الأمريكية سوزان سونتاج، أن «كامو» لم يكن مفكرًا ذا أهمية، ووصفت المفكرات بأنها «سطحية» و«سيئة للغاية» ولا تضمن أى ملاحظات أو آراء شخصية للكاتب. وتتجلى أهمية المذكرات فى كونها ملاحظات فلسفية وأدبية تعكس رؤية «كامو» للعالم والوجود من حوله، وتسبر أغوار العزلة والذنب والخلاص والمشاعر الإنسانية المعقدة المميزة لعوالم الكاتب، وهى لم تقدم سجلات يومية عن حياته الاجتماعية أو العائلية، إذ كان «كامو» رجلًا شديد الخصوصية، وكان يعتبر الاعترافات الشخصية والنميمة أمورًا مزعجة للغاية. ومن بين أبرز ما كشفه الكتاب -الذى تربّع على قوائم أكثر الكتب مبيعًا عبر أمازون هذا الأسبوع- كان موقف «كامو» تجاه جائزة نوبل للأدب التى فاز بها عام 1957 عن عمر 44 عامًا، ليصبح واحدًا من أصغر الكتاب الذين نالوا الجائزة، حيث عبّر «كامو» عبر المذكرات عن شعور مفاجئ بالخوف والارتباك من هذا التكريم، وقال: «كنت خائفًا ومتوترًا لأقصى حد من هذا الأمر»، مشيرًا إلى معاناته من نوبات ذعر وقلق شديد، ثم قال بعدها بعدة أيام: «لا تتحدث أبدًا عن عملك» ما يعكس تمسكه بالخصوصية ورفضه الشهرة. وكشفت المذكرات أيضًا عن حس «كامو» الأدبى والفلسفى، إذ تتضمن ملاحظات حول أعماله الأدبية، واقتباسات من قراءاته المتنوعة من الكاتب الإنجليزى جون ميلتون، والفيلسوف الألمانى وولفجانج جوته، إلى الروائى الأمريكى ويليام فولكنر، والناشطة السياسية البولندية روزا لوكسمبورج، بالإضافة إلى تأملاته حول النقد والسياسة، وبرز أيضًا جانب شعورى وحسى، حيث عبر عن تقديره الجمال والجسد والعلاقات الإنسانية بطريقة صادقة وعميقة. وحافظ أسلوب الترجمة الذى قدمه رايان بلوم على كثافة المذكرات وعمقها الداخلى، لكنها ليست موجهة للقارئ العادى، إذ تتطلب صبرًا وتركيزًا للغوص فى الملاحظات والتأملات الفلسفية، ومع ذلك، وفرت هذه المذكرات فرصة فريدة لفهم مسيرة «كامو» الفكرية المميزة، ورؤيته للعالم، وقراءاته وتأملاته الخاصة التى لم تُنشر من قبل بهذه الشمولية. وفى الختام، فإن المذكرات الجديد تعد مصدرًا غنيًا للباحثين والمهتمين بفكر وفلسفة «كامو»؛ حيث إنها قدمت صورة صادقة إلى عقل أحد أبرز كُتّاب القرن العشرين عبر صفحات كتاب لا يخلو من اللحظات الملهمة والمثيرة للتفكر.